مع اقتراب موسم انتخابات النقابات المهنية، يوجد سؤال جوهري وحساس يتطلب منا الإجابة عليه بوضوح وموضوعية، وهو: إلى أي مدى يجب الفصل بين العمل النقابي والانتماء الحزبي؟ التغول النقابي على دور الأحزاب.. لطالما اعتبر كثيرون أن ممارسة النقابات المهنية للعمل السياسي يخرج بها عن الإطار المنوط بها، فالنقابات وجدت ككيانات مهنية بحتة، مهمتها محددة في صيانة شؤون المهنيين والحفاظ على مكتسباتهم، وعندما تنغمس النقابات في القضايا السياسية، فإن هذا يعد تغُولًا واضحًا على دور الأحزاب السياسية، ويدفع بالنقابات إلى حالة من التناحر السياسي والشد والجذب غير المنتهي بين قياداتها وبين الحكومة، حتى في أمور لا تندرج تحت أي مسمى للعمل النقابي،، وهذا التحول يصرف النقابة عن بوصلتها الحقيقية. اختراق الأحزاب للنقابات.. في المقابل، هناك ارتباك وتداخل فاضح، حيث نجد محاولة واضحة من الأحزاب السياسية للتغلغل في النقابات المهنية، مثل وجود "أمانة المهنيين" ضمن الهياكل التنظيمية لأغلب الأحزاب، أيًا كان اتجاهها السياسي، وهو يشير بوضوح إلى هذا المسعى، وكثيرًا ما تعلو أصوات القائمين على إدارتها بالحرص على التواجد داخل النقابات "لحل مشاكلها"، وهو ما يكشف عن نية واضحة في تصنيف النقابات وفقًا لأجندات حزبية، فمثلًا، تصريحات بعض أمناء الأحزاب عن ضرورة "اختراق" النقابات في مناسبات مختلفة، تؤكد أن التنافس النقابي أصبح يُدار بعقلية التنافس الحزبي. الخلط بين الأدوار.. يكمن الخطر الأكبر في هذا التداخل والارتباك في أنه يؤدي إلى انقسام الجمعية العمومية الواحدة للنقابة ليس بناءً على الموضوعات المهنية أو العمل النقابي المستقل، بل وفقًا لتوجهاتهم السياسية. وأسأل، ماذا إذا سيطر حزب موالي للدولة على النقابة، وأخطأت الدولة في قراراتها بما يمس المهنة بشكل مباشر، فمن الذي سيتصدى لحماية مصالح الأعضاء؟ من المتوقع أن تتردد القيادات النقابية الحزبية في معارضة قرارات الحكومة التزامًا بعباءتها السياسية، مما يؤدى لفقدان المهنة صمام أمانها. سيطرة حزب المعارضة.. وعلى النقيض، ماذا إذا سيطر حزب معارض، فإن النقابة قد تجد نفسها دومًا في صراعات غير موضوعية من وجهة نظرنا مع الوزارات المعنية، يكون الدافع فيها سياسيًا أكثر منه نقابيًا مهنيًا، مما يعطل مسيرة التطوير وخدمة الأعضاء. في كلتا الحالتين، نقول على المهن "يلا السلامة"، لأن المصلحة المهنية الحقيقية تُصبح رهينة للصراع السياسي. الموضوعية المهنية هي الفيصل.. لذلك أرى إن استقلال النقابات المهنية هو مبدأ مقرر بموجب الدستور، وهو ما يجب أن يُترجم على أرض الواقع، فمن حق أي مهني ومواطن مصري أن ينتمي لحزب سياسي، ولكن عليه واجب أخلاقي ومهني بضرورة خلع عباءته الحزبية بمجرد التفكير في خوض العمل النقابي أو الترشح فيه. يجب أن تكون الموضوعية المهنية النقابية هي الفيصل الوحيد في اتخاذ القرارات والمواقف، وليس رضاء أو معارضة الدولة ممثلة في وزاراتها، فدور النقابي هو تقييم القرارات الحكومية بناءً على تأثيرها المباشر على المهنة، بصرف النظر عن لون الحزب الذي ينتمي إليه. والآن، ونحن على أعتاب انتخابات مهمة، مثل انتخابات النقابات الفرعية للمحامين، نناشد جميع المهنيين أن يكون صوتهم حرًا، خارج أي سيطرة فكرية أو توجيه حزبي، فالنقابة هي للجميع، والمهنة أغلى من أي انتماء سياسي.