يشكّل انتخاب زهران ممداني (Zohran Mamdani) لرئاسة بلدية نيويورك في نوفمبر 2025 محطة تاريخية فارقة في المشهد السياسي الأمريكي، ليس فقط لأنه حقق انتصارًا شخصيًا غير مسبوق، بل لأنه جسّد تحولًا أعمق في تمثيل الأقليات والمهاجرين داخل واحدة من أكثر المدن تأثيرًا في العالم. فبفوزه، أصبح ممداني أول مسلم وأول من أصول جنوب آسيوية يتولى منصب عمدة نيويورك، وأحد أصغر من قادها سنًا، ليبدأ مرحلة جديدة في علاقة المدينة بمكوناتها المتنوعة.
النشأة والخلفية وُلد زهران ممداني في 18 أكتوبر 1991 بمدينة كمبالا عاصمة أوغندا، لأسرة ذات جذور هندية جنوب آسيوية. والده هو المفكر والباحث الأكاديمي المعروف محمود ممداني، وأمه المخرجة السينمائية ميرا نايير صاحبة أعمال عالمية. انتقلت العائلة إلى الولاياتالمتحدة في طفولته، حيث نشأ واستقر في ولاية نيويورك. تخرج في كلية Bowdoin عام 2014 حاملًا درجة البكالوريوس في "الدراسات الأفريقية"، قبل أن يعمل مستشارًا لمساعدة الأسر المهددة بفقدان منازلها بسبب الرهن العقاري، وينخرط في العمل المجتمعي المحلي، وهو ما منحه فهمًا عمليًا لقضايا العدالة الاقتصادية والإسكان الشعبي.
المسار السياسي دخل ممداني معترك السياسة من بوابة الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، حيث انتُخب نائبًا عن الدائرة السادسة والثلاثين في كوينز عام 2020، وبدأ مهامه في يناير 2021. وفي عام 2025، أعلن ترشحه لمنصب عمدة مدينة نيويورك ضمن الحزب الديمقراطي، متفوقًا في الانتخابات التمهيدية على الحاكم السابق أندرو كومو، ثم فاز في الانتخابات العامة ليصبح عمدة المدينة بدءًا من 1 يناير 2026. كان نجاحه ثمرة حملة ميدانية قوية اعتمدت على التواصل المباشر مع الناخبين، خاصة في الأحياء ذات الكثافة المهاجرة.
الأجندة والمبادئ بنى ممداني حملته الانتخابية على برنامج تقدمي ركّز على العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ومن أبرز محاوره: الإسكان الميسور وتجميد الإيجارات للوحدات المدعومة. خدمات عامة مجانية تشمل النقل بالحافلات والرعاية النهارية للأطفال. رفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارًا في الساعة بحلول عام 2030. دعم العمال والفئات المهمّشة وتعزيز تمثيل الأقليات والمهاجرين في صنع القرار. ولم تكن أجندته الاقتصادية مجرد شعارات، بل امتدادًا لتجربته السابقة في العمل المجتمعي، ما أكسبه مصداقية بين الشباب والطبقات العاملة.
التحديات والرؤى المستقبلية يواجه ممداني منذ فوزه هجمات سياسية وإعلامية تمسّ خلفيته الدينية والعرقية، إلى جانب انتقادات تتعلق بمواقفه من بعض القضايا الدولية، ولا سيّما الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. لكنّ التحدي الأكبر أمامه يكمن في ترجمة شعاراته إلى سياسات تنفيذية داخل مدينة بحجم نيويورك، تعاني من ضغوط مالية ضخمة وبنية تحتية متقادمة وتنوع سكاني هائل. كما ينتظر منه أن يوازن بين قاعدته الشعبية التي جاءت به إلى المنصب — من الشباب والطبقات العاملة والمهاجرين — وبين المؤسسات السياسية والاقتصادية التقليدية في المدينة. ويرى مراقبون أن نجاحه في هذه المعادلة سيحدد ما إذا كان ممداني سيظل رمزًا رمزيًا للتغيير، أم قائدًا فعليًا لحقبة جديدة من الحكم المحلي.
الأهمية والدلالات يمثل فوز زهران ممداني تحولًا ثقافيًا وديمقراطيًا في مدينة لطالما عُدت مرآة لأمريكا المتنوعة. إنه رمز لصعود الأصوات المهمشة إلى مراكز صنع القرار، ورسالة واضحة بأن المهاجرين والمسلمين أصبحوا جزءًا فاعلًا في الحياة السياسية الأمريكية. كما ينظر كثيرون إلى ممداني بوصفه قدوة سياسية لجيل جديد من أبناء الجاليات المسلمة والآسيوية، الذين يسعون إلى المشاركة بفاعلية في إدارة مدنهم ومجتمعاتهم.