مر عام على اكتشافى إصابة صغيرى بداء السكرى : اثنى عشر شهرا من ملازمة ضيف ثقيل متقلب المزاج كثير الطلبات...365 يوما من شكاكات القياس أربع مرات على الأقل يوميا ووخز الأنسولين ست مرات يوميا (أصبحت أربعة منذ شهر بسبب الانتقال لللانتوس)...آلاف الساعات من القلق والتوتروالاحباط...مئات الدقائق من الضحك والتفاؤل والأمل فى التوصل إلى علاج سحرى. عام على ذلك اليوم الكئيب الذى دخلت فيه إلى المستشفى مع إبنى وأقمنا لمدة خمسة أيام يسيطر علينا الذهول والحزن والألم...أيام تمنيت فيها لو باستطاعتى لف زر لخفض سرعة خفقان قلبى ثم فتح رأسى وإخراج مخى ووضعه فى الثلاجة لبعض الوقت حتى يرحمنى من الأسئلة :كيف سيكون شكل حياة إبنى؟ هل سيعيش محروما؟ ماذا ينتظره فى المستقبل؟ هل سأتحمل وخزجسده الصغير بالإبر للقياس وللانسولين؟ هل سيحبه زملأوه عندما يدخل المدرسة أم سيضايقونه؟ ... عام تغيرت خلاله أشياء كثيرة ( ليس بالشرط للأسوأ) وتعلمت أشياء أكثر: أول ما تعلمته هو أن تلك الأسئلة السخيفة والكئيبة لا محل لها من الاعراب وأنها لا يجب أن تستنزفنى ذهنيا وعاطفيا فالمستقبل بيد الله وحده وذلك بالنسبة للمريض والسليم على حد سواء.هل أعرف ،على سبيل المثال، كيف سيكون مستقبل أبنائى الأكبر؟هل سيكونا محبوبين؟هل سيتزوجان؟هل سينجبان؟هل سيكونا سعيدين؟ هل يمكن لأحد أن يضمن ألا يصاب الطفل السليم بأى مرض أو يتعرض لحادث (والعياذ بالله) فى أى وقت؟ الأمر الآخر الذى تعلمته أن المفتاح السحرى للتعامل مع "سكر باشا" هو تقبل التغيير.داء السكرى مرض تقدمى بطبيعته ويتطلب تغيير مستمر... تغيير فى أسلوب الحياة،تغيير فى العادات الصحية،تغيير فى جرعات الأنسولين من فترة لأخرى. أدركت أيضا خلال هذا العام أنه رغم الصعوبات والقلق الذى لا يمكن التخلص منهما أثناء التعامل مع طفل صغير جدا مصاب بداء السكرى إلا اننى يجب أن أتخذ موقفا ايجابيا إزاء المرض وأن أنقل ذلك لإبنى حتى لا يحول دون إنخراطنا فى الحياة ويجعلنا ننطوى على أنفسنا.عاهدت نفسى ألا أجعله يخجل من مرضه أو يتعامل معه على أنه عار يجب أن يداريه.سأعلمه أن مثله مثل أى طفل يعانى من ضعف النظر ويرتدى نظارة أو يعانى من ضعف السمع ويرتدى سماعة...إذا سخر منه البعض فذلك لسوء أدبهم ومثلما يسخرون منه سيسخرون من القصير والطويل والبدين..... لا يعنى ذلك أن حياتى وردية وعادت إلى طبيعتها تماما أوأنى متفائلة طول الوقت وإنما يعنى أن إبنى الأصغر يحتاج لرعاية أكبر واحتياطات خاصة بسبب داء السكرى ولكن فى النهاية السكرى مجرد جزء من حياته ولا يجب أن يصبح محور حياته.