عندما تتوقف حركة السير ونحن نتعجل الوصول إلى المكان الذي نريده في زمن محدد، تصيبنا حالة من نفاذ الصبر ونعجز عن الحل، وتكون النتيجة الطبيعية الاستسلام للتوتر والعصبية، والنتيجة ارتفاع الضغط، ونسبة الأدرينالين في الدم، ولا نجد أمامنا سوى الضرب باليد على المقود، أو التفتيش عن شيء نعمله لنخفف وطأة الانتظار الممل. إنه موقف يومي قد يتكرر، ولا ينفصل بأي حال عن ضغوط الحياة وأعبائها ومسؤولياتها ومشكلاتها وهمومها اليومية التي تتزايد ولا تتوقف، وتلقي بظلالها الكثيفة على حالة الناس العصبية والنفسية، ويرتفع معها بشكل تلقائي وطبيعي أشكال وصور التوتر العصبي، والقلق النفسي، والضجر والملل، ويقع الناس فريسة سهلة لمشاعر عديدة سلبية من إحباط وتوتر واكتئاب في أحيان كثيرة، مما يجعلنا نقرأ علامات ذلك بسهولة في مظاهر عدم الراحة، أو نفاد الصبر، أو العصبية الزائدة، أو كثرة الوقوع في المشكلات، وصعوبة النوم، مع انخفاض الأداء الذهني، وصعوبة التركيز، وسرعة النسيان، ووجود خلل في العلاقة مع الآخرين، وغيرها من مظاهر سوء التكيف أو التوافق السلوكي في البيت أو العمل أو في تعاملاتنا مع الآخرين، أو في نقص الدافعية، واضمحلال الشعور بالتفاؤل، وعدم الإقبال على الحياة باستمتاع كافٍ.
لقد باتت حياة الناس أكثر عرضة، وأكثر قابلية واستجابة لمسببات التوتر، كما يوضح الدكتور محمود رشاد استشاري الطب النفسي في حديثه لصحيفة "الإتحاد" الإماراتية، فنراهم يعملون بكدّ أكثر من أي وقت مضى، وحياتهم أصبحت أكثر تعقيداً، والترابط بينهم أصبح ضعيفاً أو مفقوداً في أغلب الأحيان، ومن ثم نجد أن التوتر قد أصبح السمة السائدة في حياة معظم الناس، رغم أننا في حاجة إلى مستوى معين من التوتر الإيجابي لأداء مهامنا ومسؤولياتنا على الوجه الأمثل.
لكن مشكلة التوتر من شأنها أن تكون أمراً صعباً عندما يزداد التوتر، ويصبح التعامل معه مشكلة في حد ذاتها من دون ظهور حلول واضحة، ويميل التوتر عادة إلى التعبير عن نفسه إما بشكل أعراض نفسية أو بدنية أو كلاهما معاً، وعادة ما تكون الشكوى مقترنة بأعراض صحية مثل حموضة المعدة، والقولون العصبي، والصداع، والأرق، ومشكلات في التنفس، وسرعة الخفقان، والإحساس بالوهن والضعف.
وينصح د. رشاد بأهمية التبصر بكيفية التعامل مع التوتر، وتخفيفه قدر المستطاع، إن لم يكن بالإمكان تجنب المسببات تماماً، ومن المفيد أن نحدد مصادر التوتر وإمكانية القيام بأي تغييرات تجعل الإنسان أكثر قدرة على التحكم في نفسه، وتعلم كيف نحسن استغلال الوقت بشكل أفضل؛ لأن معظم التوتر الذي يعانيه الناس ناجم عن أعباء العمل المتزايدة، ومن المفيد أيضاً أن نكتب لائحة بالأهداف اليومية حسب أولوياتها، وتقليل المنبهات، وتجنب تناول أي عقاقير مهدئة، مع الاهتمام بالصحة العامة، وممارسة الرياضة خاصة التمارين المنتظمة التي تساعد على حرق فائض الطاقة، والتخلص من "الأدرينالين" الناتج عن التوتر، وبالتالي تساعد على التهدئة.
كما ينصح الأشخاص المعرضين للتوتر، أو للذين لديهم قابلية للتوتر والعصبية أكثر من غيرهم، أن يحاولوا القيام ببعض تقنيّات الاسترخاء كل يوم، كاليوجا والتدليك والعلاج بالروائح العطرية أو الوخز بالإبر، والنوم الجيد، وتجنب مسببات السهر، والتدرب على "لتخيّل البصري الإيجابي والمريح، وليس هناك ما يمنع من القيام بأي عمل من شأنه أن يشغل الذهن، أو الاحتفاظ بكرة مطاطية ليعتصرها الشخص بيده من أجل التنفيس عن توتره أثناء قيادته للسيارة، لا سيما في أوقات الضجيج والازدحام المروري، أو عند التوقف في إشارات المرور، لتخفيف التوتر، وإزالة الإحساس بالوقت.
تخلصي من توترك المزمن
هذه نصائح للتخلص من التوتر المزمن يقدمها لك الخبراء:
- احرصي على إتباع نظام غذائي يحتوي على نسبة 50 إلى 75 في المائة من أطعمة نيئة، فالخضراوات والفاكهة الطازجة لا تمد الجسم بالفيتامينات والمعادن فقط، ولكنها غنية بمركبات تسمى أشباه الفلافين التي تكتسح وتعادل الجذور الحرة المدمرة.
- تجنبي الأطعمة المصنعة ومواد التحلية الصناعية والمشروبات الغازية الكربونية والأطعمة المقلية والسكر المكرر ومنتجات الدقيق الأبيض والأطعمة المحتوية على مواد حافظة والشرائح والوجبات السريعة.
- تجنبي الكافيين والتبغ والأدوية المعدلة للمزاج، فبينما تقدم هذه المواد تخفيفا مؤقتا للتوتر، فإنها لا تفعل شيئا حقيقيا لحل المشكلة، كما أنها ضارة بالصحة وسوف يظل التوتر مستمرا هناك إلى اليوم التالي.
- تعلمي تقنيات الاسترخاء والتأمل الإيجابي وممارسة التنفس بعمق ومراقبة أحاديثك الذاتية والتخلص من الأفكار السلبية واستبدال أفكار إيجابية بها.
- احرصي على ممارسة هواية وأعط لنفسك وقتا لتفعل ما يمتعك.. لا تشعري بالخجل لقضاء الوقت في أداء شيء ما لنفسك إذا كانت صحتك تستحقه.
- تجنبي المشاحنات واحرص على عدم كبت أو إنكار مشاعرك، فالحفاظ على الأحاسيس القوية مكبوتة يجعلها تطفو على السطح بعد ذلك في شكل أمراض.
- لا تخافي من البكاء، بل احرصي على تعلم البكاء لأنه يمكن أن يساعدك في التغلب على التوتر لأنه يخفف من الانفعال ويسمح للمشاعر المكبوتة بالتحرر.
- اعملي على تهيئة بيئة خالية من التوتر، حافظي على مستوى منخفض من الضجيج، فالضجيج يساهم في زيادة حدة التوتر. واحرصي على إضافة الألوان الطبيعية إلى بيئتك للمزيد من الراحة والاسترخاء.
- ابحثي في طرق العلاج بالزيوت العطرية، التي تتميز بقدرتها على تخفيف التوتر النفسي مثل اللافندر وزيت خشب الصندل والمردقوش الحلو وزيت العلى الرغم منوت. أضيفي بضع قطرات من هذه الزيوت إلى ماء المغطس (البانيو) أو استنشقي رائحتها على منديل أو قطعة نظيفة من القماش على فترات منتظمة خلال اليوم وقبل النوم.
- حاولي أن لا تتعاملي مع الحياة بقدر مبالغ فيه من الشدة والصرامة، وحاولي أن تتعلمي كيف تضحكين!
لا تترددي!
هناك أمور بسيطة أو عادات يومية قد تسبب لك الشعور بتوتر شديد وتفاديها يجعلك تتمتعين بحياة سعيدة هانئة ، وكل ما عليك الانتباه إلى النقاط التالية: