كنا نعد أصوات الرصاص لنعرف أعداد المقتولين بالزنزانة..وفي بعض اللليالي سمعنا 200 طلقة ضربت في الليلة الأولى بالسجن حتى أغمى علي..ولم يستطيعوا استجوابي ثلاثة أيام عذبت بكابلات الكهرباء..وأصعب موقف عندما تم استجوابي خلف غرفة التعذيب لا تدور الأحداث خلف أبواب السجون الإيرانية كما يبديه قادة النظام الإيراني، أو حتى كما تسربه التقارير المسربة عما يحدث بداخلها، ولذلك حاورت "الفجر" حسين فارسي السجين الإيراني السابق والناجي من مذبحة السجناء السياسيين الإيرانيين عام 1988، ليرسم صورة واضحة لما يحدث داخل السجون الإيرانية وأحداث مذبحة السجناء السياسيين، وإلى الجزء الأول من الحوار: 1- كيف بدأ نشاطك مع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية؟ في عام 1979، عندما حدثت الثورة في إيران، كنت مراهقًا أبحث عن مُثُلِي، وخلال الثورة الإيرانية كانت منظمة مجاهدي خلق وخاصة شهدائها أبطالي ومثلي العليا، وكان لدي دافع لمحاربة الشاه وتغيير الوضع الاجتماعي والسياسي، لذلك، عندما تمت الإطاحة بنظام الشاه وتم خلق مساحة سياسية مفتوحة، انضممت إلى أنصار منظمة مجاهدي خلق. في ذلك الوقت، كان نشاطي يقتصر على توزيع منشورات، وكذلك حضور اجتماعات ومسيرات منظمة لمنظمة مجاهدي خلق، وبالطبع كان هذا هو المناخ الذي كان موجودًا في ذلك الوقت في الطبقات الفكرية للمجتمع الإيراني، ولكن بعد ذلك جاء خميني واختطف الثورة الإيرانية لأن نظام الشاه قمع واعتقل أعضاء منظمة مجاهدي خلق وأعدم قادتهم. 2- كيف تم اعتقالاتك وما هي ظروف اعتقالك وأهم التهم الموجهة إليك؟ في 20 يونيو 1981، نظمنا مظاهرة سلمية حضرها حوالي نصف مليون شخص في طهران في ذلك الوقت. وأمر خميني قوات الحرس بإطلاق النار على المتظاهرين، ومنذ ذلك اليوم اعتقلت قوات حرس خميني أنصار منظمة مجاهدي خلق أينما رأتهم. لا يهم ما فعله هذا الشخص. كان يكفي أن يتم اعتقاله على أنه أحد أنصار منظمة مجاهدي خلق. وتم اعتقالي أيضًا في 29 يونيو 1981. هاجمت قوات الحرس التي تعرفت على، منزلنا واعتقلوني. تهمتي الرئيسية هي أنني كنت من أنصار منظمة مجاهدي خلق، كما كتب في ملف قضيتنا في ذلك الوقت أمام خانة الاتهام: مؤيد لمنظمة مجاهدي خلق، وكانت هذه هي تهمتنا الرسمية وكل شيء آخر كان ثانويًا. 3- كيف كان يومك الأول في سجون الملالي؟ ما هي أصعب المواقف التي مررت بها في السجن؟ في الليلة التي تم اعتقالي فيها، أخذوني أولًا إلى مقر قوات الحرس. في اللحظة الأولى من وصولي، هرع إليّ خمسة حراس وبدأوا في ضربي. ضربوني بأي آلة ممكنة، كان رأسي وجبهتي مفتوحتين وكان جسدي مصابا بكدمات وتوقفوا عن ضربي عندما أغمي علي. لمدة ثلاثة أيام، كانت حالتي سيئة للغاية لدرجة أنهم لم يتمكنوا من استجوابي. بعد ثلاثة أيام، أجروا استجوابًا أوليًا ثم اقتادوني إلى سجن إيفين، وكان أصعب موقف عندما تم استجوابي خلف غرفة التعذيب. هناك سمعت صرخات الرجال والنساء التي كانت مرهقة جدًا بالنسبة لي، وكان من الصعب رؤية تعذيب الآخرين أكثر من تعذيبي الشخصي، وأي شخص لديه خبرة في السجن والتعذيب يعرف ذلك جيدًا. كان هناك موقف آخر خلال مذبحة عام 1988، عندما كنت في الحبس الانفرادي، وبعد حوالي ثلاثة أشهر من ذهابي إلى الجناح العام واكتشفت أن جميع أصدقائي وزملائي قد أعدموا، كان الوضع صعبًا ومرهقًا. 4- كيف يتعامل النظام الإيراني مع السجناء السياسيين، وكيف تبدو الحياة في السجون؟ أولًا: لم يعرف النظام الإيراني بعد الجريمة السياسية، لدى النظام الإيراني نص قانوني تحت عنوان "العمل ضد الأمن القومي"، وبناء عليه يتم اعتقال المعارضين وتعذيبهم وإعدامهم. ثانيًا: لا يمكن للسجناء السياسيين الاتصال بمحام أثناء الاستجواب والتحقيق، وعندما يذهبون إلى المحكمة، لا يملكون الحق في اختيار محامٍ، لكن المحكمة تعيّن محاميًا بديلًا لهم. هؤلاء هم المحامون الذين انتخبوا من قبل رئيس السلطة القضائية وتم الموافقة عليهم من قبل الأجهزة الأمنية للنظام بكل الطرق، وبدلًا من الدفاع عن المتهم، فهم يدافعون عن النظام في المحكمة، لذلك لا يتمتع جميع السجناء السياسيين بحماية قانونية ويعاملهم النظام كما يحلو لهم. كما أن حالة المحكمة والقضاة مؤسفة للغاية، أحد القضاة الذين يعملون حاليا ويحاكمون السجناء السياسيين هو رجل يدعى محمد مقيسة. وهو ملا كان يعمل كمحقق وجلاد معذب في سجن إيفين قبل 39 عامًا، وقد عُيّن نائبًا للمدعي العام دون أي حصوله على أي شهادة أو تعليم قضائي، وفي عام 1988 كان رئيسًا للسجن ومسؤولًا قضائيًا في سجن جوهردشت، وهو أحد مرتكبي مذبحة عام 1988، ويعمل الآن كقاض في إيران. لكن فيما يتعلق بالسجون، أولًا وقبل كل شيء، الوضع في السجون الإيرانية مؤسف للغاية بشكل عام. حاليا، يتجاوز عدد السجناء في معظم السجون سعة السجن، وفي حين ينتشر فيروس كورونا في السجون، لا يتخذ النظام أي خطوات لمنع انتشار المرض. يعاني حوالي 70٪ من السجناء حاليًا من كورونا في 5 أجنحة في سجن أورميه المركزي، هذا هو الوضع العام في السجون، لكن السجناء السياسيين على وجه الخصوص يواجهون المزيد من القيود والضغوط. 5- هل تعرضت للتعذيب في سجون الملالي؟ وما هي أبرز أشكال التعذيب في السجن؟ نعم، لقد عُذبت. إن أبرز أسلوب للتعذيب كان ضرب الكابلات على الجزء السفلي من القدم، والذي يكاد يكون أسوأ نوع من التعذيب، ولكن هناك أيضًا ما يسمى التعذيب الأبيض، الذي يستخدمه النظام كثيرًا، مثل الإبقاء عليك مستيقظًا لبضعة أيام وليالي، وإبقاء السجين مستيقظًا لمدة أسبوع، وفي هذه الحالة يفقد السجين توازنه تمامًا ويعاني البعض من اضطرابات نفسية، هناك عشرات أنواع التعذيب الجسدي والنفسي في السجون الإيرانية التي تتطلب كتبًا لوصفها وشرحها. 6- ما هي حالات الإعدام التي شاهدتها في السجون الإيرانية وما أسبابها وما هي أبرز حالات الإعدام التي رأيتها في السجون؟ بالطبع هنا المقصود إعدام السجناء السياسيين، وأعدم نظام خميني أكثر من 120.000 شخص منذ عام 1981، عندما بدأ رسميًا في إعدام معارضيه، ومعظمهم من أنصار منظمة مجاهدي خلق. وقد نُفذت معظم عمليات الإعدام هذه في الثمانينيات. منذ عام 1990، كانت سياسة النظام هي تنفيذ عمليات الإعدام سرًا، باستثناء حالات نادرة جدًا، لم يتم الإعلان عن عمليات الإعدام، وحتى الآن اعتقلوا وأعدموا العديد من أنصار منظمة مجاهدي خلق بنفس الطريقة، ولم يتحملوا أي مسؤولية أو يبلغوا عائلاتهم حتى. وأكثر عمليات الإعدام التي شهدتها شهرة هي مذبحة عام 1988 وتلك المتعلقة بصيف عام 1981، وفي ذلك العام في سجن إيفين كنا نسمع صوت إطلاق النار كل ليلة؛ حيث كان يتم إعدام بعض الأشخاص، وبعد سماعنا صوت إطلاق النار كنا نقوم بإحصاء أصوات الإطلاق واحدة واحدة؛ حيث أن كل رصاصة كانت عبارة عن رصاصة الرحمة للسجين في عمليات الإعدام. في بعض الليالي كنا نسمع حوالي 200 رصاصة، وفي صيف عام 1981 أوقف الحراس أربعة شبان كانوا يستقلون سيارة فقط لأن نافذة سيارتهم كانت مظللة وجلبوهم إلى سجن إيفين، هناك بدأ التعذيب والاستجواب على الفور، واعترف الشبان الأربعة بسبب شدة التعذيب، أنهم كانوا ينوون اغتيال مسؤولي النظام. وفي نفس الليلة عقدت محكمة بحقهم وحكم عليهم بالإعدام، وفي منتصف الليل عندما كان يتم سحب عدد كبير من الأشخاص للإعدام، يخرج واحد من هؤلاء الأربعة بالصدفة خارج ساحة الإعدام وينجو من الموت. وفي نهاية المطاف بعد عام، أعيد النظر في قضيته وتبين أنهم اعترفوا تحت التعذيب ولم يرتكبوا أي جريمة، وأطلق سراح الشخص الرابع الذي كان اسمه حامد. 7- فيما يتعلق بمذبحة السجناء الإيرانيين عام 1988، كيف أعدموا وهل توضح لنا سبب الإعدام؟ في صيف عام 1988، وافق خميني على وقف إطلاق النار بين إيران والعراق، وتجرع كأس السم حسب تعبيره، وعندها ذهب على الفور إلى السجناء السياسيين وأصدر فتوى تأمر بقتل السجناء المؤيدين لمنظمة مجاهدي خلق، وبالطبع وفقا لتأكيد منتظري خليفة خميني، كانت لديهم خطة لتدمير منظمة مجاهدي خلف منذ سنوات عديدة وكانوا يبحثون عن ظروف مناسبة. هذا وتم تنفيذ أمر خميني من خلال وفد مكون من ثلاثة أعضاء (معروفة بفرقة الموت عند السجناء) مسؤول عن تنفيذ أمر خميني، وكان الثلاثة قضاة ومدعين عامين وممثلين عن وزارة المخابرات، تعاملوا مع كل سجين على حدة وكانوا يسألون أولًا عن التفاصيل الكاملة للسجين ويكتبونها على قطعة من الورق، ثم يسألونه عن تهمته، وكان يكفي أن يقول السجين أنه "مؤيد لمنظمة مجاهدي خلق"، وفي هذه الحالة سيتم توقيع حكم الإعدام عليه فورًا. رأيت طوابير طويلة من السجناء ينقلون إلى موقع الإعدام وقد أغمضت أعينهم، وتم إعدام أخي حسن فارسي في سجن إيفين خلال المذبحة نفسها، وكان سبب هذه المذبحة طبيعة خميني المعادية للإنسانية ووحشيته، التي لا تكن تعرف أي حدود، وكان النظام في وضع محلي ودولي صعب وغارق في الأزمات، وشعر بالتهديد الخطير، وكان يعلم أن بديله الحقيقي هي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. وكان على استعداد لفعل أي شيء من أجل البقاء، لذلك ذهب إلى السجناء السياسيين الأبرياء الذين كان يحتجزهم، وذبحهم، وخلق جوًا من الرعب في المجتمع حتى لا يجرؤ أحد على الاحتجاج والمطالبة بالحقوق والحريات الاجتماعية والسياسية. 8- من واقع تجربتك، هل هناك اختلاف في التعامل مع السجناء في التسعينيات، ما هي أكثر هذه الاختلافات وضوحًا؟ لا يوجد فرق في المحتوى؛ لأن النظام الإيراني لا يمنح السجين أي حقوق ولا يلتزم بأي من القوانين والمواثيق الدولية، وعلى سبيل المثال لا يتم احترام مبدأ الفصل بين الجرائم، وهو قانون دولي في معظم سجون النظام الإيراني يتم الاحتفاظ بالسجناء السياسيين في جناح سجناء المخدرات أو الجرائم الأخرى. كما أن التعذيب أثناء الاستجواب شائع أيضًا، مما يجبر السجناء على الإدلاء باعترافات كاذبة من خلال التعذيب الجسدي والنفسي.