ولد محمود المليجي في عام 1910 بحي المغربلين في القاهرة ، ترجع أصوله لقرية مليج بمحافظة المنوفية. انضم محمود المليجي في بداية عقد الثلاثينات من القرن الماضي، وكان مغمورًا في ذلك الوقت إلى فرقة الفنانة فاطمة رشدي ، وبدأ حياته مع التمثيل من خلالها، حيث كان يؤدي الأدوار الصغيرة، مثل أدوار الخادم على سبيل المثال، وكان يتقاضى منها مرتب قدره 4 جنيهات . ولاقتناع الفنانة فاطمة رشدي بموهبته المتميزة رشحته لبطولة فيلم سينمائي اسمه (الزواج على الطريقة الحديثة) بعد أن انتقل من الأدوار الصغيرة في مسرحيات الفرقة إلى أدوار الفتى الأول، إلا أن فشل الفيلم جعله يترك الفرقة وينضم إلى فرقة رمسيس الشهيرة، حيث عمل فيها ابتداءً في وظيفة ملقن براتب قدره 9 جنيهات مصرية . مثل 318 فيلم "محمود المليجي". رحل عنا وهو في سن الثالثة والسبعين، وكان ذلك في السادس من شهر يونيو عام 1983 على إثر أزمة قلبية حادة. بعد رحلة عطاء مع الفن إستمرَّت أكثر من نصف قرن، قدَّم خلالها أكثر من سبعمائة وخمسين عملاً فنياً، ما بين سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة. وكما يموت المحارب في ميدان المعركة، مات محمود المليجي في مكان التصوير وهو يستعد لتصوير آخر لقطات دوره في الفيلم التليفزيوني "أيوب".. فجأة، وأثناء تناوله القهوة مع صديقه "عمر الشريف"، سقط المليجي وسط دهشة الجميع. أطلق عليه الفنانون العرب لقب "أنتوني كوين الشرق"، وذلك أن شاهدوه يؤدي نفس الدور الذي أداه أنتوني كوين في النسخة الأجنبية من فيلم القادسية بنفس الاتقان بل وأفضل.. وأيضا أداؤه في فيلم الأرض فقد أدّى فيه أعظم أدواره على الإطلاق. فلا يمكن لأحد منا أن ينسى ذلك المشهد الختامي العظيم، ونحن نشاهد المليجي أو "محمد أبوسويلم" وهو مكبَّل بالحبال والخيل تجرُّه على الأرض محاولاً هو التشبث بجذورها. ولم تكن روعة المليجي في فيلم الأرض تكمن في الأداء فقط، بل في أنه كان يؤدي دوراً معبراً عن حقيقته، خصوصاً عندما رفض تنفيذ هذا المشهد باستخدام بديل"دوبلير"، وأصَّر على تنفيذه بنفسه.. لم يكن قط مجرد ممثل، بل كان فناناً.. عاش ليقدم لنا دروساً في الحياة من خلال فنه العظيم. كانت معظم أدواره، حتى أدوار الشر، تهدف إلى مزيد من الحب والخير والاخلاص للناس والوطن.. كان مدرسة فنية في حد ذاته.. وكان بحق أستاذاً في فن التمثيل العفوي الطبيعي، البعيد كل البعد عن أي إنفعال أو تشنج أو عصبية.. كان يقنع المتفرج انه لا يمثل، ومن ثم إكتسب حب الجماهير وثقتهم. ولد "محمود المليجي" في الثاني والعشرين من ديسمبر عام 1910، في حيّ المغربلين، أحد أقدم أحياء القاهرة الشعبية وأشهرها.. ونشأ في بيئة شعبية حتى بعد أن إنتقل مع عائلته الى حيّ الحلمية، وبعد أن حصل على الشهادة الإبتدائية إختار المدرسة الخديوية ليكمل فيها تعليمه الثانوي. وكان حبه لفن التمثيل وراء هذا الاختيار حيث أن الخديوية مدرسة كانت تشجع التمثيل، فمدير المدرسة "لبيب الكرواني" كان يشجع الهوايات وفي مقدمتها التمثيل، فالتحق المليجي بفريق التمثيل بالمدرسة، حيث أتيحت له الفرصة للتتلمذ على أيدي كبار الفنانين، أمثال : أحمد علام، جورج أبيض، فتوح نشاطي، عزيز عيد، والذين استعان بهم مدير المدرسة ليدربوا الفريق. يتحدث المليجي عن أيام التمثيل بالمدرسة، فيقول : في السنة الرابعة جاء عزيز عيد ليدربنا، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره، وكنت أقف بجانبه كالطفل الذي يحب دائماً أن يقلد أباه.. وقد أُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل، ومع ذلك لم يُعطنِ دوراً أمثله، وكان يقول لي دائماً.. (إنت مش ممثل.. روح دور على شغلة ثانية غير التمثيل).. وفي كل مرة يقول لي فيها هذه العبارة كنت أُحس وكأن خنجراً غرس في صدري، وكثيراً ما كنت أتوارى بجوار شجرة عجوز بفناء المدرسة وأترك لعيني عنان الدموع، إلى أن جاء لي ذات يوم صديق قال لي : إن عزيز عيد يحترمك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل، فصرخت فيه مَنْ قال لك ذلك ؟ أجاب إنه عزيز عيد نفسه.. وعرفت فيما بعد أن هذا الفنان الكبير كان يقول لي هذه الكلمات من فمه فقط وليس من قلبه، وإنه تعمَّد أن يقولها حتى لا يصيبني الغرور، وكان درساً لاينسى من العملاق عزيز عيد. وفي إحدى عروض فرقة المدرسة المسرحية، كان من بين الحاضرين الفنانة "فاطمة رشدي"، والتي أرسلت تهنيء المليجي بعد انتهاءالعرض على أدائه الجيد لدور "ميكلوبين" في مسرحية "الذهب"، ودعته لزيارتها في مسرحها حيث عرضت عليه العمل في فرقتها بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً. عندها ترك المليجي المدرسة لأنه لم يستطع التوفيق بينها وبين عمله في المسرح الذي كان يسيطر على كل وجدانه. فقدم مع "فاطمة رشدي" مسرحية (667 زيتون) الكوميدية.. كما مثل دور "زياد" في مسرحية (مجنون ليلى).. وكان أول ظهور له في السينما في فيلم (الزواج 1932) الذي أنتجته وأخرجته فاطمة رشدي، وقام هو بدور الفتى الأول أمامها. وبعد أن حُلَّت فرقة فاطمة رشدي، عمل المليجي كملقن في فرقة يوسف وهبي المسرحية. ثم إختاره المخرج "إبراهيم لاما" لأداء دور " ورد" غريم "قيس" في فيلم سينمائي من إخراجه في عام 1939.. كما أنه وقف، في عام 1936، أمام "أم كلثوم" في فيلمها الأول (وداد).. إلا أن دوره في فيلم (قيس وليلى) هو بداية أدوار الشر له، والتي استمرت في السينما قرابة الثلاثين عاماً.. حيث قدم مع "فريد شوقي" ثنائياً فنياً ناجحاً، كانت حصيلته أربعمائة فيلماً. وكانت نقطة التحول في حياة "محمود المليجي" في عام 1970، وذلك عندما إختاره المخرج "يوسف شاهين" للقيام بدور "محمد أبوسويلم" في فيلم "الأرض".. فقد عمل فيما بعد في جميع أفلام يوسف شاهين، وهي: الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية. وقد تحدث يوسف شاهين عن المليجي، فقال: (...كان محمود المليجي أبرع من يؤدي دوره بتلقائية لم أجدها لدى أي ممثل آخر، كما أنني شخصياً أخاف من نظرات عينيه أمام الكاميرا...). وقد ترك المليجي بصماته في المسرح أيضاً منذ أن اشتغل مع "فاطمة رشدي"، حيث التحق فيما بعد بفرقة "إسماعيل ياسين"، وبعدها عمل مع فرقة "تحيَّة كاريوكا"، ثم فرقة المسرح الجديد.. وبذلك قدم أكثر من عشرين مسرحية، أهمها أدواره في مسرحيات: يوليوس قيصر، حدث ذات يوم، الولادة، ودور "أبو الذهب" في مسرحية أحمد شوقي "علي بك الكبير". ثم لا ننسى أن نشير إلى أن محمود المليجي قد دخل مجال الإنتاج السينمائي مساهمة منه في رفع مستوى الانتاج الفني، ومحاربة موجة الافلام الساذجة، فقدم مجموعة من الأفلام، منها على سبيل المثال: الملاك الأبيض، الأم القاتلة، سوق السلاح، المقامر.. وبذلك قدم الكثير من الوجوه الجديدة للسينما، فهو أول من قدم فريد شوقي، تحية كاريوكا، محسن سرحان، حسن يوسف، وغيرهم. لقد مثل محمود المليجي مختلف الأدوار، وتقمص أكثر من شخصية: اللص، المجرم، القوي، العاشق، رجل المباحث، البوليس، الباشا، الكهل، الفلاح، الطبيب، المحامي.. كما أدى أيضاً أدواراً كوميدية. كان عضواً بارزاً في الرابطة القومية للتمثيل، ثم عضواً بالفرقة القومية للتمثيل. لقد كان محمودالمليجي فناناً صادقاً مع نفسه.. تزوج من رفيقة عمره الفنانة "عُلوية جميل" سنة 1939 وبقى مخلصاً لها على مدى أربعة وأربعين عاماً حتى وفاته.. كان إنساناً مع زملائه الفنانين، وأباً روحياً لهم، ورمزاً للعطاء والبذل والصمود أمام كل تيارات الفن الرخيص -بالرغم من أنه اضطر للعمل في اعمال تجارية في السبعينات مثل ألو انا القطة- إلا أنه يعد رمزاً لفنان احترم نفسه فاحترمه جمهوره.