بعد قرار الحكومة بنقل تبعيتها لهيئة المجتمعات العمرانية المسئولون: نسعى لتطويرها مثلما فعلنا فى "مثلث ماسبيرو".. والأهالى: "مش هنسيبها إلا وإحنا جثث" تعتزم الحكومة إنشاء مجتمع عمرانى جديد، مكان جزيرة الوراق المتهالكة نسبياً، بحسب ما كشف عنه قرار مجلس الوزراء، الذى صدر الشهر الماضى، والقاضى بنقل تبعية الجزيرة إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وبحسب الخريطة المرفقة بقرار مجلس الوزراء، فإن التخصيص سيشمل أراضى الجزيرة بالكامل. وقالت مصادر ب«المجتمعات العمرانية»: سيتم إنشاء مجتمع عمرانى جديد، ولن يتم الكشف عنه حتى تتسلم الهيئة جميع أراضى الجزيرة من الأهالى خلال 30 يوما، بموجب المادة الثانية من القرار. ووصفت المصادر المشروع الجديد بأنه تطوير لمنازل أهالى الجزيرة الذين يعانون من تردٍ فى الخدمات المقدمة إليهم، وسيماثل التطوير الذى حدث فى مشروع مثلث ماسبيرو، ما يعنى أن المشروع سيبقى على ملكيات الأهالى، كل بحسب مستندات إثبات ملكيته والبدائل المطروحة لتسكينه، وليس كما يتم الترويج له حول تسريحهم. شوارع غير ممهدة أغلبها طينية، منازل جديدة نسبياً مختلطة بزراعات غير مكتملة، كان هذا المشهد الذى رصدناه على مشارف الجزيرة، بعدما فتح لنا أيمن منير، الشاب الثلاثينى، الذى يعمل موظفاً فى إحدى الوزارات الخدمية، أبواب منزله الموجود فى الطابق الثالث بإحدى البنايات المتهالكة بجزيرة الوراق. يقول أيمن: «نعيش فى هذه الجزيرة منذ سبعين عاما، نتوارث هذه الأرض جيلاً بعد جيل، ولكن ربما أكون أنا واحداً من الجيل الأخير الذى توارث هذه الأرض»، موضحًا، يعيش المئات من أهالى الجزيرة فى حالة من القلق، عقب نقل تبعية الجزيرة إلى هيئة المجتمعات العمرانية، بعدما أصدر رئيس مجلس الوزراء السابق، شريف إسماعيل، قراراً ب«إنشاء مجتمع عمرانى جديد على أرضنا». وتابع: ينص القرار على أن تمارس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة فى المنطقة المشار إليها كل الاختصاصات المخولة لها، وفقا لأحكام القانون رقم 59 لسنة 1979، على أن تسلم كل الجهات الحكومية ذات الولاية على بعض الأراضى بالمنطقة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة كافة المستندات الموجودة بحوزتها والمتعلقة بتلك الأراضى، بما فيها تلك المثبتة لأى تعاملات تمت على أجزاء منها، أيا كان غرضها، سواء كان التعامل لجمعيات أو أفراد أو شركات، وذلك خلال شهر على الأكثر، وتقع الجزيرة على مساحة 1470 فداناً، تملكها الدولة، منها 30 فداناً تابعة لوزارة الأوقاف، تم تأجيرها للفلاحين، ويبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة. أيمن أضاف ل«الفجر»، نعلم أن الأمر مسألة وقت بالنسبة للحكومة، وأن خروجنا من منازلنا سيحدث عاجلاً أم آجلاً، ولكن هذا لن يحدث إلا على أجسادنا، نحن أصحاب حق ولدينا أوراق تثبت ملكية الأراضى لنا ولن نقبل أن نخرج منها، أعيش هنا مع زوجتى وأبنائى الأربعة، داخل شقة لا تزيد على 70 متراً، بناها والدى الذى ورث الأرض عن جدى، لا نعلم ما الذى تريده الحكومة منا، لن نترك أرضنا مهما حصل، حتى لو عرضوا علينا أموال قارون «الأرض عرض»، وكافة أراضى الجزيرة ملكية خاصة لأهاليها. القرار الجديد للحكومة يعنى أن الجزيرة ستتحول إلى مدينة عمرانية مثل المدن الجديدة، وتخضعها للقانون رقم 59 لسنة 1979، وهو ما رفضه الأهالى وصارع العشرات من محاميهم بتحريك دعوى قضائية اختصموا فيها الحكومة، ضد القرار الصادر عنها. وعقب ماجد مبروك، محام، مقيم الدعوى، على ذلك بقوله: «قرار الحكومة غير قانونى وغير دستورى أيضاً، الحكومة خالفت بموجب هذا القرار الأعراف القانونية، معتمدة على وضع الأهالى أمام الأمر الواقع، عقب إخراجهم من الأرض، وهو أمر غير مقبول بالمرة لدى جميع أهالى الجزيرة». يرى الكثيرون من أهالى الجزيرة أن أيامهم عليها باتت معدودة، بعدما أيقنوا أن النية مبيتة لدى الحكومة لإخراجهم من منازلهم، مثلما فعلت مع أهالى مثلث ماسبيرو، وعن ذلك يقول أشرف يحيى، عامل، 44 عاماً: «الأمر أصبح محسوماً لدى الحكومة ونعلم ذلك ولكن لابد أن يعلموا أننا لن نخرج، الأمر يتعلق بمستقبل أولادنا، هم يهددون مستقبلنا وهددوا مسكننا، وهو ما يعنى أنهم يريدون أن يقتلونا، فليقتلونا إذا وليأخذوا الأرض». ورغم تصريح أحد المسئولين داخل هيئة المجتمعات العمرانية بأن هناك ميزانية مخصصة لتعويض أهالى الجزيرة عن أراضيهم بعد استلامها منهم، رفض الأهالى أيضا تلك التعويضات، وهذا ما أكده آدم محمد، 60 عاماً، تاجر: «عرض علينا 200 ألف جنيه فى قيراط الأرض، ولكننا رفضنا ومصرين على الرفض حتى وإن عرضوا علينا مليون جنيه فى القيراط (175 متراً مربعاً)، الحكومة مش عارفة الأرض دى بالنسبة لينا إيه، بيتعاملوا معانا على أننا بضاعة نباع ونشترى، وده مش صح». واتفق وائل مدبولى مع ما قاله سابقه، مستطردا: «تعويضات إيه التى يتحدثون عنها، الأسعار كل يوم فى ارتفاع، وأى شخص يفكر يشترى شقة بره الجزيرة محتاج مش اقل من نصف مليون جنيه، وهى أيضاً فكرة غير مطروحة للنقاش، أين نذهب نحن وأبناؤنا، سوف ينتهى بنا الأمر فى الشارع مشردين، لصالح إخلاء الجزيرة من سكانها، وكيف تفكر الحكومة، إحنا معانا عقود ملكية، مكتوبة بالإنجليزى وبالفرنسى». وانتقد ماجد مبروك الحكومة مؤكدا: «لم تكلف نفسها بالحديث مع المواطنين من باب طمأنتهم، ولكن كل ما فعلته هو أنها أصدرت قراراً لإخراج أهالى الجزيرة بالقانون، ولكن الدعوى التى أقمناها سوف توقف هذا القرار، لأن هيئة المجتمعات العمرانية فى الأساس تعمير المناطق الصحراوية وليس الأماكن المعمرة بالأساس، والأسبوع المقبل ستصدر محكمة الأمور المستعجلة حكمها فى الدعوى المقامة ضد الحكومة، وسنكسبها باذن الله، لأننا أصحاب حق ولسنا معتدين أو مجرمين، هذه الأرض ملك لنا وليست ملكا للدولة». أما متولى رمضان، 45 عاماً، محام، فأوضح «نعلم جيداً مخطط الحكومة وقرأنا أيضاً فى الصحف عما تنوى أن تفعله، فى المرة الأولى عندما أرادت أن تخرجنا من منازلنا علمنا أن شركة سنغافورية نشرت مخططا لمدينة كاملة، ستبنى لصالح أحد رجال الأعمال على مساحة الأرض التى نعيش فيها، ورأيى بدل ما الدولة تصرف الفلوس دى كلها فى التعويضات وبدل ما تفكر إزاى تطردنا من أرضنا، تفكر إزاى تطور الخدمات فى الجزيرة، من باب أولى تطور الصرف الصحى أو توفر لنا مياه شرب نظيفة، بدل المرض اللى بقى ياكل فى جسمنا كل يوم». واستنجد أهالى الجزيرة بالقضاء من أجل صد الحكومة وإرجاعها عن مخططها، كما استنجدوا باللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية، الذى سبق وأن وعدهم بأنه لن يتم المساس بأى مواطن منهم، لأنه لم يكن يعلم ما حدث من اشتباكات بين الأهالى وقوات الشرطة، كما وعدهم بأنه لن يضار أحد ولن يجبر أحد على ترك أرضه، وفقًا لتكليفات من رئيس الجمهورية بحل الأزمة. كانت اشتباكات نشبت بين أهالى جزيرة الوراق وقوات الشرطة أثناء محاولة إخلاء بعض المنازل، فى 16 يوليو 2017، نتج عنها مقتل مواطن وإصابة العشرات من الأهالى وضباط الشرطة، بحسب ما أعلنته الوزارة آنذاك.