قبل واحد وخمسين عامًا، وتحديدًا مساء التاسع من يونيو 1967- عقب النكسة مباشرة- الشعب المصري على موعد مع إذاعة خطاب تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن الحكم، ورغم الهزيمة العسكرية الفادحة، إلا أن المفاجأة كانت بخروج مظاهرات جماهيرية تطالبه بالبقاء، وتهتف باسمه في جنون، عكس توقعاته. كواليس الخطاب أسرار وكواليس تدور حول خطاب التنحي الذي أعده الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل؛ "الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اتصل به مساء 8 يونيو، يسأله عن القرار المناسب الآن، ليخبره هيكل بأنه لم يتبق بعد الهزيمة سوى الاستقالة، وكان رده: "غريبة.. هذا ما فكرت فيه"، وأفصح عن نيته في أن يخلفه شمس بدران، وزير الحربية آنذاك، ثم طلب منه أن يكتب خطاب استقالته للأمة.
ويذكر "هيكل"، أنه قضى ساعات مع ناصر يتناقشان حول صياغة البيان، في وقت كان العالم من حولهما في حالة غليان حقيقي، وكانت مصر على حد الموسى -في إشارة لاشتعال الوضع- كما وصفها هيكل.
خليفة "عبد الناصر" اختيار خليفة "عبد الناصر"، مسألة خلافية بين الأخير و"هيكل"، إذ رشح "ناصر"، أن يكتب هيكل، اسم شمس بدران وزير الحربية في ذلك الوقت، لكن هيكل رفض: "أنا حاولت أكتب اسم شمس بدران ولم يطاوعني أي قلم".
وفي كتابه "حرب الثلاثين سنة. 1967 الانفجار"، يحكي "هيكل": "على الرغم من اقتناع عبد الناصر بوجهة نظري الرافضة لاختيار شمس بدران بديلًا، إلا أنه أخبرني أنه اتفق بالفعل مع عبد الحكيم عامر على اختيار بدران، فرددت عليه بأن مصير البلد أكبر من قرارات الغرفة المغلقة، فسألني: إذا لم يكن شمس فمن؟ قلت له: الأقدم بين الأعضاء الباقين في مجلس قيادة الثورة، فقال: زكريا محيي الدين. أبديت ارتياحي وهو أيضًا قال: زكريا عاقل وذكي ومقبول دوليًا وقادر على الحوار مع الأمريكان، وبالفعل اقتنع عبد الناصر".
كواليس التنحي وخرج "عبد الناصر" على جماهير الشعب المصري، قائلًا في خطاب تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية "لقد اتخذت قرارًا أريدكم جميعًا أن تساعدوني عليه: لقد قررت أن أتنحى تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر، متابعًا أن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها، وأريد أن يكون واضحاً أمامهم أنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبدالناصر.
رفض جماهيري "ناصر" توقع استياء الشعب منه عقب الهزيمة، إلا أن الجماهير خرجت في مظاهرات حاشدة تطالبه بالبقاء والاستعداد للحرب، ورضخ عبدالناصر لرغبة الجماهير واستمر في منصبه واحتجب زكريا محيى الدين للأبد. وقام ناصر بإجراء تغييرات في القيادات العسكرية، حيث عين الفريق أول محمد فوزي قائدًا عامًا للقوات المسلحة والفريق عبدالمنعم رياض رئيسا للأركان. وفي 21 يونيو 1967، بدأ إعادة تسليح الجيش ووصل خبراء سوفييت لتدريب الجيش المصري على السلاح الروسي، وفي مارس 1969 انطلقت حرب الاستنزاف، وتم بناء حائط الصواريخ، إلا أنه في 28 سبتمبر 1970، فوجئ المصريون بوفاة الزعيم جمال عبدالناصر.