لم يكن صباح هذه الجمعة مثل أي عطلة اعتاد عليها المصريون، فهي اليوم الأول لتطبيق قرار زيادة أسعار تذاكر المترو، التي أقرتها الحكومة البارحة، في إطار برنامج للإصلاح الاقتصادي بدأ في 2014، وحصلت مصر بموجبه العام 2016 على قرض بقيمة 12 بليون دولار على ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي. خارج محطة مترو الدقي كانت الشوارع هادئة وساخنة تليق بموجة الربيع الحارة التي تضرب البلاد، وبالعطلة الرسمية في البلاد، بينما كانت المحطة من الداخل مختلفة تماما عن الجمعة المعتادة، وذروة الأيام الست الأخرى، إذ امتزج المشهد بمزيج من الغضب والحذر الأمني. حتى مساء أمس، كان ثمن التذكرة جنيهين فقط بغض النظر عن عدد المحطات، أما بداية من صباح اليوم، أصبح كل راكب مضطرا إلى دفع ثلاثة جنيها إذ كان سيقطع تسع محطات أو أقل، وخمسة جنيها إذا تراوح عدد المحطات ما بين 9 إلى 16، وسبعة جنيها إلى كان عدد المحطات أكثر من 16. وأمام شباك التذاكر، الذي تعلوه لافتة بالأسعار الجديدة، طابور طويل متعرج، اصطف فيه الركاب، يحاولون قتل الوقت بالحديث عن الزيادة الجديدة، وكانت العبارات الاعتراضية الغاضبة من جميع الاتجاهات هي السائدة: "هما مش لسه رافعينها؟!"، فيرد آخر: "حرام والله هنجيب منين؟!"، وثالث يقول: "يعني ادفع 14 جنيه في اليوم الواحد.. دا كتير". لم تمنع هذه الهمهمات والاعتراضات، سيدة خمسينية من الوقوف في طابور التذاكر والسؤال عن مقدار الزيادة، وفور وصولها إلى الشباك، أخبرها الموظف بالزيادة الجديدة التي وصلت إلى ثلاثة أضعاف، إذ أنها سيتجه إلى محطة حلوان ما يعني دفع سبعة جنيهات، كادت أن تعترض لولا أنه رأت الانتشار الأمني في كل مكان بالمحطة حتى أخرجت المبلغ المطلوب وهي تقول "حسبي الله ونعم الوكيل".
بيد أن موظفي بيع التذاكر كانوا غير قادرين على حساب عدد المحطات، إذ جلا ارتباكهم كأنهم فوجئوا بالأسعار الجديدة عقب مجيئهم إلى المترو هذا الصباح، فما أن يسألهم الراكب عن المبلغ الذي سيتعين عليه دفعه، نظروا إلى ورقة أمامهم، وزعتها عليهم هيئة المترو، بأسماء المحطات وعددها. وأمام ماكينة التذكر، حاولت سيدة وأمامها صغيريها الاثنين، النفاذ بتذكرة واحدة، لكن اختلطت أجسادهم بين مواسير الماكينة الثلاثة، فمرّ ابنها وابنتها فقط، بينما وقعت هي في يد الأمن الواقف أمام ماكينات التذاكر، الذي لم يوقع عليها الغرامة مكتفيًا بمطالبتها بالحصول على تذكرة. وعلى الدرج المؤدي إلى العربة، ساد الصمت بين الركاب، بينما عادت الثرثرة والمناقشات حول قرار الزيادة، على رصيف العربة التي ما أن جاءت اندفع الجميع داخلها، وبدأت جولة جديدة حول الحديث عن أسعار التذاكر، وبين الغضب والاستنكار وشكوى الحال ومحاولة إيجاد الحلول، سادت ابتسامات عاجزة، وعمّت الأصوات المتداخلة أجراء العربة: "هنجيب منين"، "فين أيام زمان" "لازم نقاطع المترو"، "كدا هنرجع نركب الأتوبيسات"، "لازم نرجع للشارع تاني"، "ما باليد حيلة".