أعتنت دولة المماليك أيما اعتناء بالإكثار من البناء سواء أبنية دينية أو مدنية أو حربية، وكان كل سلطان من سلاطين المماليك وكل أمير من أمرائهم يتنافس مع نظيره بكثرة المعمار. يقول باسم الأشقر الباحث الأثري ومدير عام منطقة آثار الأزهر والغورية إن الخنقاوات من أهم الأبنية التي اعتنى بها العصر الإسلامي بشكل عام، ويضيف الأشقر: إن كلمة خانقاه اسم للمكان الذي ينقطع فيه المتصوفة للعبادة، واقتضت وظيفتها أن يكون لها تخطيط خاص، فهى تجمع في الأغلب بين تخطيط المسجد والمدرسة، ويضاف إلى هذين التخطيطيين الغرف التي يختلي أو ينقطع بها المتصوف للعبادة والتي عرفت في العمارة الإسلامية باسم الخلاوي. وأشار الأشقر إلى أن خانقاه بيبرس الجاشنكير، وهي تقع حالياً بشارع الجمالية وتحمل رقم أثر 32 من أبرز التحف المعمارية في العصر المملوكي الجركسي، وقال الأشقر إن السلطان بيبرس الجاشنكير، شرع في إنشائها عام 706ه، وقت أن كان أميرًا، قبل أن يلي السلطنة وألحق بها قبة كبيرة، وأكملها عام 709ه. وأضاف أن بيبرس كان من أصل شركسي، من مماليك السلطان المنصور قلاوون، تدرج في المكانة فأصبح أميرا ثم جاشنكيرًا، وكلمة الجاشنكير تعني متذوق طعام الملك وهي إحدى أهم الوظائف في الدولة المملوكية. وبعد وفاة السلطان قلاوون خدم كل من ابنيه السلطانين الأشرف خليل والناصر محمد، وفي فترة حكم الناصر محمد الثانية (1309 - 1299) تقلد منصب الأستادار، وكلمة الأستادار تعنى المسؤول عن الخراج. ويضيف الأشقر أن بيبرس الجاشنكير لعب دورًا في إخماد تمرد وقع في صعيد مصر وكذلك كان أحد قواد الجيش المصري الذي هزم المغول في معركة مرج الصفر. الوصف المعماري الواجهة الرئيسية يصف الأشقر واجهة الخانقاة قائلًا تتكون الواجهة الرئيسية للخانقاه من جزئين يبرز الثاني عن الأول بمقدار(3.12) أمتار، ويقع فيها المدخل الرئيسي وقد كسيت واجهته بالرخام الملون الأبيض المتبادل مع الأسود. يعتبر المدخل الرئيسي للخانقاه من المداخل الفريدة، إذ يتكون من عقد ثلاثي يعلوه عقد نصف دائرى، ذو صنجات معشقة، وعلى جانبيه نافذة مستديرة بصنجات مزررة حولها بالرخام الأبيض والأسود. يتوسط الخانقاة صحن كبير مستطيل الشكل أرضيته مفروشة ببلاطات من الحجر الجيري. والجهة الشرقية للصحن يوجد بها إيوان القبلة، وبالجهة الغربية له الإيوان الغربي الذي يبلغ عمقه عشرة أمتار وعرضه تسعة. وفي الجهة الشمالية للصحن توجد ثلاثة أبواب تفضي كل منها إلى خلوة، ماعدا الباب بالجانب الشمالى فيفضى إلى مرقى سلم لممر خلف الخلوات بالطابقين العلويين، والخلاوي هي أماكن تعبد وإيواء الصوفية ويعلو الخانقاة قبة ومئذنة على الطراز المملوكي البديع، حيث المئذنة مبنية بالطوب وتتكون من ثلاثة أدوار، تنتهي بخوذة مفصصة. وفي نهاية تصريحاته قال باسم الأشقر مدير عام منطقة آثار الأزهر والغوري إن خانقاة السلطان بيبرس الجاشنكير تحفة معمارية صامدة عبر الزمن منذ مايقرب من 500 عام دليلًا على ما بلغه المعماري المصري من عبقرية هندسية في العصر المملوكي.