التكيّة، كلمة تركية موازية للخانقاه والزاوية. وكلمة تكية نفسها أصلها غامض وفيها اجتهادات. فبعضهم يرجعها إلى الفعل العربى «اتكأ» أى استند، خاصة أن معناها بالتركية يعنى الاتكاء إلى شيء للاسترخاء. ما يعنى أن التكية مكان الراحة. ويعتقد المستشرق الفرنسى «كلمان هوار» أنها مأخوذة من «تكية» الفارسية بمعنى جِلد، ويعيد إلى الأذهان، أن شيوخ الزوايا الصوفية كانوا يجعلون جلد الخروف أو غيره من الحيوانات شعارا لهم. ............................................. والواقع أن التكية أخذت تؤدى الوظيفة نفسها التى كانت تقوم بها الخانقاوات، وكانت مخصصة للمنقطعين للعبادة من المتصوفة، وخلال العصر العثمانى قامت بتطبيب المرضى وعلاجهم وهو دور تقوم به البيمارستانات فى العصر الأيوبى والمملوكي، وفى العصر العثمانى أهملت البيمارستانات وأضيفت مهمتها إلى التكايا. وتطور دور التكايا لاحقا، وأصبحت خاصة بإقامة العاطلين من العثمانيين المهاجرين من الدولة الأم والنازحين إلى الولايات الغنية مثل مصر والشام، ولهذا صحَّ إطلاق لفظ «التكية»، ومعناها «مكان يسكنه الدراويش»، وهم طائفة من الصوفية العثمانية مثل المولوية والنقشبندية، وأغراب، وغالبا ليس لهم مورد رزق. وأُوقفت الأوقاف على التكية، وصرفت لها رواتب شهرية؛ لذا سُمى محل إقامة الدراويش والتنابلة تكية؛ لأن أهلها متكئون فى أرزاقهم على التكية، واستمر سلاطين آل عثمان وأمراء المماليك وكبار المصريين فى الإنفاق عليها وسكانها. وجمع التكية تكايا. وهى من العمائر الدينية المهمة التى ترجع نشأتها إلى العصر العثماني، سواء فى الأناضول أو فى الولايات التابعة للدولة العثمانية. وكانت مبانيها تتألف من قاعة داخلية واسعة تسمى الصحن، وقاعة السمعخانة وتستخدم للذكر، والصلاة والرقص الصوفى الدائري. بجانب غرف ينام فيها الدراويش، وغرفة لاستقبال العامة، وكان قسم الحريم مخصصا لعائلات الدراويش. وهناك قاعة طعام جماعية، ومطبخ، ومكتبة، ودورة مياه، وحمام. وأسقفها قباب متفاوتة الحجم؛ فقبة حجرة الدرس كبيرة، وقباب سكن الدراويش أقل ارتفاعا منها، وقباب الظلات أقل ارتفاعا من سكن الدراويش. ويقول علماء الآثار والعمارة الإسلامية إن «التكية» تطور للخانقاه التى كانت فى العصر الأيوبي، واستمرت وازدهرت فى المملوكي، وتتشابه مع الخانقاه فى إقامة حلقات الدروس للمتصوفة، لكن الدراسة فى الخانقاه كانت إجبارية، ويتولى مشيختها كبار العلماء والفقهاء وتمنح الدارسين إجازات علمية، أما التكية فلا التزام على المقيمين فيها، ولا تقام فيها فصول دراسة منتظمة، وإن لم يخل الأمر من محاضرات للوعظ والإرشاد، وحلقات الذكر. ويختلف تصميم التكية المعمارى عن عمارة الخانقاه، فبينما يحتوى الاثنان على صحن (فناء مكشوف مربع، إلا أن تحيط بصحن الخانقاه إيوانات متعامدة تستخدم لعقد حلقات الدراسة، وهذه الإيوانات تتعامد على الصحن المربع، وفى أركان هذا المربع توجد خلاوى الصوفية، أى الأماكن أو الحجرات السكنية الخاصة بهم. أما التكية فهى فى جميع الأحيان عبارة عن صحن مكشوف يأخذ الشكل المربع تحيط به من الجوانب الأربعة أربع ظلات، كل ظلة مكونة من رواق واحد، وخلف كل رواق توجد حجرات الصوفية السكنية، وهذه الحجرات دائما ما تتكون من طابق واحد أرضي، أما فى الخانقاوات فقد تتعدد الطوابق لتصل إلى أربعة. وليس للتكية مئذنة ولا منبر، لأنها ليست جامعا ولا مدرسة، وتوجد بجهة القبلة حجرة صغيرة بها محراب للصلوات، ولاجتماع الدراويش فى حلقات لذكر الله. وشهد القرن الثالث عشر ثم القرن الرابع نشاطا هائلا فى إنشاء الخانقاوات مثل مسجد وخانقاه «إيكين البندقداري» 1284م، وخانقاه «بيبرس الجاشنكير» 1306، وخانقاه «خوندام» 1349م، وخانقاه وقبه «الأمير شيخو» 1355، ومسجد وخانقاه «نظام الدين» 1356، وخانقاه الناصر «فرج بن برقوق» 1400م، وفى نفس العام خانقاه «سعد الدين غراب»، خانقاه ومسجد «السلطان برسباي» 1432م، وأخيراً قبة وخانقاه ومدرسة «السلطان الأشرف» 1451. وبعد الخانقاوات نجد تكايا ارتبطت لحد كبير بالحكم والعصر العثمانى بما تمثله هذه التكايا من تطوير – نحو الكسل – للخانقاه .. والغريب أن أول تكية عثمانية بمصر أقيمت بعد عامين فقط من سقوط مصر تحت قبضة الحكم العثمانى ... فوجدنا تكية وقبة الكلشنى « 1519 – 1524 « وتكية السلمانية «1543 م» وتكية السلطان محمود «1750م» ثم تكية الرفاعية «1774م». ومن أشهر التكايا العثمانية فى مدينة القاهرة التكية السليمانية (القاهرة) التى أنشأها الأمير العثمانى سليمان باشا عام 950ه بالسروجية، والتكية الرفاعية 1188ه ببولاق، وهى تخص طائفة الرفاعية الصوفية، ولعل من أشهر التكايا العثمانية والتى ما زالت مستخدمة إلى الآن حيث يشغلها مسرح الدراويش هى تكية الدراويش «المولوية» نسبة لطائفة الدراويش المولوية إحدى الطوائف الصوفية العثمانية، ومسرح الدراويش تابع لقطاع المسرح بوزارة الثقافة المصرية. وقد تميزت التكايا فى مصر بإيواء الدارسين والفقراء والغرباء ورعايتهم ماديا وغذائيا .. ومن العادات المعروفة صرف ( الجراية) عليهم بعدد أرغفة محددة لليوم الواحد، والطعام موحد، وربما مصروف لليد. وأغدق الأغنياء والتجار والأشراف أموالهم على هذه التكايا كمظهر للتكافل الاجتماعى الشعبي. ونسرد هنا قصة التكية المصرية فى الحجاز التى ساهمت فى توفير الغذاء لكل محتاج داخل الأراضى الحجازية، سواء من أهلها أو من خارجها. ظهرت التكية المصرية للمرة الأولى هناك عام 1811 ميلادية بأمر «محمد على باشا» فى مكة والمدينة وجدة، بهدف خدمة الفقراء فى الحرم المكى من جميع الشعوب الذين لا يجدون مأوي، ولا طعاما، فضلًا عن خدمة أهل البلد أنفسهم. وذكر إبراهيم رفعت باشا، الذى كان يتولى حراسة المحمل المصرى وكسوة الكعبة فى كتابه «مرآة الحرمين» أن عدد الأشخاص المستفيدين من التكية كان يبلغ فى الأيام العادية أكثر من 400 شخص، ويرتفع العدد فى شهر رمضان ليصل إلى أكثر من «4 آلاف فى اليوم الواحد»، فضلًا عن موسم الحج، وكان وجباتها تقدم مرتين يوميا صباحًا ومساءً، وتتكون من رغيفين و«الشوربة»، وبعض الأسر بمكة كانت تعتمد فى غذائها على وجبتى التكية المصرية، وتزيد الكميات كل خميس، وطوال أيام رمضان المبارك، وأيام الحج، وأتيح للمصريين دون غيرهم الإقامة والسكن داخل التكية طوال مدة أدائهم لشعائر الحج أو العمرة. وكان يشرف على التكية «ناظر ومعاون وكتبة» يخدمون جميعا الفقراء، وتتكون التكية من طاحونة للقمح، ومطبخ به ثمانية أماكن يوضع عليها ثمانية أوان من الحجم الكبير، بجانب مخبز يخبز به العيش، ومخزن، وحجرات للمستخدمين، وبركة ماء وفيها حنفيات للوضوء، إضافة لوحدة صحية فيها كبار الأطباء المصريين، خاصة فى موسم الحج لمعالجة الفقراء مجانا، سواء المقيمين أو الوافدين، وتولى الإنفاق على التكية حكام الأسرة العلوية الذى تنافسوا على تقديم الهبات لها. وعقب ثورة يوليو، غيرت وزارة الأوقاف اسمها إلى «المبرة المصرية»، وضمها الملك عبد العزيز إثر ذلك إلى دولة السعودية، لتتولى الإشراف على إطعام فقراء الحرم بدلًا من مصر. وعام 1983، هدمت السلطات السعودية التكية المصرية كوسيلة لتنمحى ذاكرة أكثر من 170 سنة متصلة من خدمة المسلمين. حسنة أخرى للعصر العثمانى فى مصر. فإذا كانت «الأسبلة» من محاسن العصر المملوكى لتوفير المياه العذبة للمارة والسكان، مثل «سبيل السلطان الناصر محمد بن قلاوون»1326م، و «الوفائية» 1442م، وأحيانا نجد منشآت ثنائية «سبيل وكتاب» لإرواء العطشي، وتعليم الأطفال القرآن، مثل «سبيل وكتاب خسرو باشا» 1535م بعد 18عاما من دخول العثمانيين مصر، وسبيل وكتاب «قيطاس» 1630 م، و«أمين أفندى هيزع» 1646م، و«وقف أوده باشي» 1673م، و«الأمير عبد الرحمن كتخذا» 1744م، و«الشيخ مظهر»، و«سليمان أغا السلحدار» فى شارع المعز، قبل تقاطعه مع شارع أمير الجيوش الجواني. وهناك سبيل لإرواء عطش الدواب مثل سبيل وحوض «محمد أبوالذهب» 1774م. ويذكر التاريخ الشعبى السقاء الذى يحمل «قربة الماء» الجلدية على ظهره، أو فوق حماره ليوزعها على البيوت، وكان يملأها من الأسبلة النقية المنتشرة فى الشوارع. ودارت حول السقاء حكايات شعبية كثيرة فى «ألف ليلة وليلة»، وصورته الأفلام المصرية أحيانا كمرسال للغرام، والمنقذ من السجن ايضا، وشهدت العادات الشعبية الصبايا وهن يحملن جرار الماء ويرددن الأغاني. وبجانب الأسبلة والكتاتيب التى أقيم معظمها طلباً للخير وأوقف عليها أصحابها الأوقاف من أراض زراعية ومبان. نجد مظهراً آخر يؤكد حرص المصريين على النظافة الخاصة. وهى الحمامات العامة، تلك المنشآت التى أبهرت الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر واعتبروها مظهراً حضارياً أفضل مما كان موجوداً فى أوروبا بالفترة نفسها. وكانت هناك حمامات للرجال وأخرى للنساء. أو تخصص أوقاتا للرجال، وأخرى للنساء. ومن الحمامات التى وجدت فى شارع المعز ومحيطه حمام «السلطان المملوكى إينال» 1456م، و«الملاطيلي» 1780م، وفى القرن الثامن عشر نجد حمام «السكرية»، و«الطمبلي»، والقرن التاسع عشر حمام «العدوي»، و«الأمير بشتاك» و«السلطان المؤيد» على بعد أمتار غرب مسجده. وكان القائمون على الحمامات يتنافسون على إرضاء الزبائن بالماء الساخن والصابون المعطر وغيرها من وسائل النظافة. وأصبحت كل هذه العمارة الاجتماعية العظيمة تحت تهديد الاندثار، نتيجة لزحف المبانى الحديثة على التكايا والأسبلة والحمامات التى تمثل أحد أجمل وجوه القاهرة التاريخية.