أكبر مقصلة إلكترونية ل"أعماق" وأخواتها على الإنترنت التحدى القادم.. هزيمة التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعى عملية "متزامنة".. نفذتها دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا وكندا.. واستغرقت يومين لتعطيل "الأذرع" الدعائية للتنظيم فى إنجاز هو الأهم منذ سقوط الخلافة المركزية لتنظيم داعش، على الأرض، فى سوريا والعراق، أعلنت شرطة الاتحاد الأوروبي"يوروبول" الجمعة الماضى، عن نجاح عملية دولية مشتركة، نفذتها عدة دول بالاتحاد الأوروبى وكندا والولايات المتحدةالأمريكية، واستهدفت اختراق المنظومة الإلكترونية للتنظيم الإرهابى وشل قدرته الإعلامية والدعائية على شبكة الإنترنت. ونجحت العملية فى تعطيل المواقع الرئيسية التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية/داعش"، ووكالاته الدعائية، بشكل متزامن. 1- عملية متزامنة متعددة الجنسيات قال روب وينرايت رئيس «يوروبول» فى سياق إعلانه عن الإنجاز الدولى الجديد فى مواجهة داعش: «عبر هذه العملية غير المسبوقة أحدثنا فجوة كبيرة فى قدرة تنظيم داعش على نشر الدعاية عبر الإنترنت ودفع الشباب فى أوروبا إلى التطرف». وطالت «المقصلة الإلكترونية» التى شاركت فيها ثمان دول غربية، واستمرت على مدار يومى، الأربعاء والخميس الماضيين، أبرز المنصات الإعلامية ل«داعش»، وفى مقدمتها وكالة «أعماق»، وهى الوكالة الإعلامية «الرسمية» للتنظيم، أسسها فى أكتوبر 2014، ويستخدمها فى إصدار بياناته الإعلامية، وفى إعلان تبنيه للهجمات الإرهابية، وفى التجنيد، والدعوة لمزيد من الهجمات. وتم إطلاق عملية التعطيل «المتزامنة، متعددة الجنسيات» بحسب الوصف الرسمى لها، من «وحدة محاربة الإرهاب والجرائم الإلكترونية»، بمقر «يوروبول» بمدينة لاهاى الهولندية، وبدعم من وكالة الاتحاد الأوروبى للتعاون القضائى فى الملفات الجنائية «يوروجاست». وسبق أن نوهت المخابرات البريطانية الإلكترونية، عن تلك العملية، مطلع إبريل الماضى، وقالت إن «العالم فى انتظار تسديد ضربة قوية للقدرات الدعائية لتنظيم «الدولة الإسلامية/داعش»، تحول دون قدرته على نشر مواد متطرفة على الإنترنت». وبخلاف تعطيل وكالة «أعماق»، فقد نجحت أقوى عملية دولية تضرب النفوذ الإلكترونى لداعش، فى استهداف منصات إعلامية داعشية أخرى أبرزها، إذاعة «البيان» و«هلموا» و»أخبار ناشر» التابعة للتنظيم على تطبيق تيليجرام. وبحسب البيان الصادر عن «يوروبول»، فإن «العملية قادتها بلجيكا، ضمن فريق من بلغاريا وفرنسا وهولندا ورومانيا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، كما أن الشرطة الفرنسية والرومانية والبلغارية قد حصلت بالفعل على كميات من الأدلة الرقمية الخاصة بالتنظيم، فى وقت يسيطر فيه الآن ضباط من هولندا وأمريكا وكندا على الوسائل التكنولوجية لداعش (السيرفرات)، التى يستخدمها فى تخزين البيانات وبثها عبر الإنترنت»، كما قادت «وحدة التوجيه عبرالإنترنت لمكافحة الإرهاب» فى بريطانيا عملية تحديد وإعادة توجيه مواقع الإنترنت التى استخدمها التنظيم، وفقاً للبيان نفسه. فى نفس السياق قال مكتب الادعاء الاتحادى البلجيكى فى بيانه عن المقصلة الإلكترونية الأخيرة لداعش أن «الهدف هو زعزعة استقرار آلية الدعاية بضبط وتفكيك الخوادم «السيرفرات»، المستخدمة فى نشر الدعاية الداعشية والتعرف على المديرين والقبض عليهم». وبالتالى فمن المنتظر أن تخلف تلك الضربة الإلكترونية، القاصمة، اضطراباً فى الأداء الإعلامى لداعش، على شبكة المعلومات الدولية، بعد أن شهد تراجعاً كبيراً بالأساس منذ سقوط معاقل الخلافة الداعشية «مركزيا» فى سوريا والعراق، وانخفض إنتاج التنظيم لمقاطع الفیدیو والصور بشكل كبير، بخلاف توقفه عن إصدار مجلة «رومية» التابعة له، بحسب أبحاث ومتابعات لنشاط التنظيم، تم نشرها مؤخراً. ويمتلك تنظيم داعش فضلاً مجلة «رومية» الإلكترونية، مجلة «دار الإسلام» وتصدر باللغة الفرنسية، وأيضاً مؤسسة «أجناد» للإنتاج الإعلامى وتصدر الكتب ومقاطع الفيديو، والأناشيد، باللغات «الإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية». وتصدر عن تلك المؤسسة أيضاً، مجلة «دابق» الداعشية الشهيرة، الناطقة باللغتين العربية والإنجليزية، بشكل شهرى، بالإضافة إلى مجلة «دار الإسلام» الناطقة باللغة الفرنسية، ومجلة «القسطنطينية» الناطقة بالتركية، ومجلة «مصدر» الناطقة بالروسية. وعلماً بأن تنظيم داعش قد اهتم منذ نشأته بتطوير آلته الدعائية على شبكة الإنترنت، فى مناطق نفوذه، كما أحدث طفرة غير مسبوقة فى المجال الإعلامى للتنظيمات الإرهابية، فأطلق مؤسسة «الاعتصام» مع دخوله سوريا، بالإضافة إلى مؤسستى «الفرقان» و«الحياة» أيضاً، بحسب المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. اهتمت الشرطة الأوروبية «يوروبول» أيضاً بالتأكيد على أن العملية الإلكترونية المعلن عنها مؤخراً، هى المرحلة الأخيرة، من حملة أمنية دولية بدأت منذ عام 2015، ضد تنامى نفوذ تنظيم داعش فى الفضاء الإلكترونى. 2- "السوشيال ميديا".. الخطر قائم غير أن ذلك الإنجاز الدولى الأهم فيما يخص تعطيل المنصات الإعلامية لداعش، وتقويض نفوذه الدعائى على الإنترنت، لازال يقابله تهديد بالغاً، وتحدى صعب على الجانب الآخر، حيث مواقع التواصل الاجتماعى. مع العلم بأن تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الإرهابية التى اعتمدت مؤخراً، وبشكل رئيسى، على مواقع التواصل الاجتماعى فى التجنيد والترويج والتهديد أيضاً، كانوا على إدراك تام، بأن الملاحقة التى تستهدف التنظيم على الأرض، ستنتقل إن عاجلاً أو آجلاً إلى الفضاء الإلكترونى، وأن «المقصلة الأمنية» ستصل إلى كل حساباته على المنصات التقليدية على شبكة الإنترنت، بلا رحمة. وانطلاقاً من ذلك، لا يمكن الاستهانة بما سبق أن أعلنت عنه شرطة الاتحاد الأوروبى «يوروبول» نفسها، من أنها قد رصدت تنسيقاً إلكترونياً بين تنظيم «الدولة الإسلامية/داعش»، وبين غيره من التنظيمات الإرهابية الدولية، للهروب من مواقع التواصل الاجتماعى التقليدية، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، ليس إلى موقع جديد، ولكن إلى «شبكة كاملة» هذه المرة، لأغراض الدعاية والتمويل بعيداً عن الرقابة الأمنية، فيما يشبه «فيس بوك» خاص بداعش وحلفائه، بحيث تكون لتلك التنظيمات، السيطرة المطلقة والتحكم فى منافذ الشبكة الجديدة، بشكل كامل. وكان داعش قد نجح قبل ذلك، فى تصميم غرف دردشة آمنة، وتوفير السرية المطلقة للمحادثات بين القيادات والمقاتلين، بما فى ذلك نقل التكليفات الإرهابية، من قيادة التنظيم، لفروعه، فى الدول المختلفة، بل ونجح فى استخدام موقع البحرية الأمريكية «tor» ذاته، فى المحادثات التنظيمية، وفى تشفير برامج مثل «الجهاديين»، و«شبكة الفداء»، و«شبكة الشموخ» الإسلامية. كذلك، سبق وأن حذر مارك ميتشل القائم بأعمال مساعد وزير الدفاع الأمريكى للعمليات الخاصة صراحةً من أن «القضاء على الخلافة المادية لا يمثل نهاية تنظيم الدولة الإسلامية أو جماعات إرهابية عالمية أخرى» وأنه مع فقدان التنظيم للأراضى، فسيزيد اعتماده على وسائل الاتصال الافتراضى، وسيواصل إلهامه بتنفيذ الهجمات»، وهى تصريحات تتطابق مع ما سبق أن أعلنه رون جونسون رئيس لجنة الأمن الداخلى والشئون الحكومية بمجلس الشيوخ الأمريكى قائلاً: «هذه هى الخلافة الجديدة - فى الفضاء الإلكترونى». ومن المتوقع أن يحاول تنظيم داعش عبر تلك «الخلافة الافتراضية»، التواصل مع أنصاره وتجنيد مزيد من الأتباع والذئاب المنفردة، وتنسيق مزيد من الهجمات والاعتداءات، وهو ما يعنى أن العالم، بعد سقوط معاقل «خلافة البغدادى» فى سوريا والعراق، قد دخل بالفعل حرباً معلوماتية ضارية مع التنظيم. وذلك علماً بأن تقريراً أمنياً للشرطة الاتحادية الألمانية قد حذر كذلك من طفرة مرحلية مهمة تحدث الآن، فى كثافة الدعاية الإلكترونية لداعش، على مواقع التواصل الاجتماعى القائمة بالفعل، وفى كثافة التحريض على تنفيذ هجمات إرهابية تنفذها «الذئاب المنفردة»، بصفة شبه يومية تقريباً. وهنا تحديدا تتجسد أهمية التطبيقات التى تضمن الأمان والخصوصية الكاملة، مثل «تيليجرام» و«واتس آب»، و«كيك»، حيث تتوفر امتيازات استحالة اختراق الرسائل، وتدميرها بعد ثوان فقط، كما يتم محو كل أثر لتلك الرسائل لدى المرسل له، فلا يمكن الوصول إليها أو إعادة بث مضمونها مرة أخرى، وذلك فضلاً عن التطبيقات القادرة أيضاً على تدمير البيانات مثل «ويكر» و«سورسبوت». وبالإضافة إلى أن الخبرات التقنية لدى تنظيم داعش نفسه قد نجحت فى ابتكار تكنولوجيا تضمن له تشفير التطبيقات الأخرى واستحالة اختراقها، ومن بين تلك التطبيقات، تطبيق التشفير «أسرار المجاهدين»، التى تشفر الرسائل الإلكترونية، و«أسرار الدردشة» لتشفير المحادثات.