أملاكه تتخطى المليون جنيه.. ووصيته تكشف حجم تبرعاته ل«داعش» بطولات قوات الجيش الثالث الميدانى فى سيناء لا تنتهى، وخلال وجود محرر «الفجر» العسكرى معهم طوال 7 أيام كاملة حاول رصد بعضها، والتى نشرنا جزءا منها الأسبوع الماضى، واليوم نستكمل الحلقة الثانية. ولكن تجدر الإشارة إلى أننا حاولنا جاهدين نقل الصورة من خلال الكلمات، لكن الحقيقة هى أن ما يبذل على أرض الواقع فى سيناء الحبيبة أكبر من أى كلام قد يكتب عنه. 1- وحوش الصاعقة تصطاد تكفيريًا أثناء المداهمة إحدى المهمات التى تم تكليف أبطال الجيش الثالث الميدانى بها، كانت تمشيط الجبال؛ للبحث عن أى كهوف أو أوكار يختبئ فيها التكفيريون أو يستخدمونها فى تخزين السلاح أو الذخيرة أو مواد إعاشتهم. وفور صدور التعليمات، حاصر أبطال المجموعة القتالية الجبل المراد تمشيطه وحددوا نقاط السيطرة والتمركز، وبدأ سلاح المهندسين العسكريين مسح المكان للكشف عن العبوات الناسفة أو الألغام الأرضية. وبعد الانتهاء من ذلك قسم ضابط المجموعة القتالية أنفسهم، ثم تجمعت القوات حول قائد المهمة، لقراءة الفاتحة قبل الترجل من المدرعات، للتمشيط والمداهمة بدون المركبات والعربات المصفحة، التى لا تستطيع صعود الجبل؛ نظراً لتضاريسه الوعرة. الجبل لا يمكن تسلقه من اتجاه واحد، لأكثر من سبب، مثل ضخامته وانحداره وتعرجاته شديدة الخطورة، لذلك قامت قوات الصاعقة والمشاة والمدرعات والمهندسين العسكريين بالسير 20 كيلو مترا لصعود قمة الجبل، محافظين على تمشط كل شبر فيه، وتفقد كل الكهوف والمخابئ. غابت الشمس وحل مساء الليلة الأولى للتمشيط، ووقف أبطال الجيش الثالث الميدانى من القوات المداهمة لمراقبة كل جزء من الجبل، بينما تولت مجموعة منهم مهمة تأمين زملائهم الموجودين فى الأسفل. وبعد أربع ساعات من شروق فجر اليوم الثانى للعملية، انتشرت القوات ورصدت أحد العناصر التكفيرية المسلحة على إحدى النقاط العمياء بالجبل، حيث صنع لنفسه مخبأ واستطاع التمويه حتى لا تراه قوات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب المقاتلة، وبالفعل طوقت القوات مناطق متفرقة من الجبل لتطويقه، ومحاصرة ذلك العنصر الإرهابى حتى يكون اصطياده مؤكداً. واستطاع مقدم مقاتل بطل تحديد موقع التكفيرى بدقة، وتم إعلام باقى القوات بذلك، وسط ترقب الجميع للحظة ترك التكفيرى لسلاحه، وحينها اصطاده المقدم المقاتل فى نقطة قاتلة، وقنصه برصاصة نافذة فى الرأس، ليهز صياح الجنود «الله أكبر» الجبل. وبعد تمشيط المكان بدقة وصلت بصحبة القوات إلى مكان تصفية ذلك الإرهابى فوجدناه ملقى على الأرض، وبالنظرة الأولى إليه اتضح لنا أنه يبدو فى العقد الخامس من عمره، ملتحى وشعر رأسه كثيف وطويل.. يصل حتى كتفيه، يرتدى جلبابا وسترة، وبحوزته هاتفان موجود بهما خطوط اتصال إسرائيلية، حتى يستطيع إبلاغ العناصر التكفيرية الأخرى بمواقع تمركز قوات الجيش. كل هاتف تم ضبطه مع ذلك الإرهابى وجدنا عليه أكثر من 100 رقم، مسجلة على النحو التالى: «أبو عمرو ، أبو محمد، أبو سلامة» وهكذا، ووجدنا داخل مخبئه برميل ماء ومواد إعاشة تموينية للطعام، وبندقية بلجيكية الصنع ذات رصاصات تستخدم فى الأسلحة القناصة وأربع خزن سلاح آلى بها 60 رصاصة، ومنظار حديث مكتوب عليه «الصقر ضد الماء» باللغة العربية وعلى جانبه مرسوم شعار الصقر، وفى أحد الأركان وجدنا مسبحة وسواكا وبعض الوصايا من أمير جماعته الإرهابية، بالإضافة إلى وصيته الشخصية المكتوبة بخط يده. تفحصنا وصايا أمير التنظيم للعنصر التكفيرى المراقب، فكانت تحتوى على 10 وصايا، بها أخطاء لغوية ونحوية فادحة، وكأن كاتبها لم يجتز المرحلة الابتدائية من تعليمه. الوصية الأولى كانت عبارة عن توصيف للجيش المصرى بأنه طاغوت، وأن ضباطه وجنوده طواغيت يجب قتلهم، كما وصف أمير التنظيم الإرهابى سلاح الصاعقة خصوصًا بلقب «الخفافيش»، لأنه يقوم بعمليات نوعية خاصةً فى الليل ولا يمل أو يكل حتى يصطاد التكفيريين. كما احتوت الوصايا أيضًا على بعض جمل الثبات وعدم الفزع عند مواجهة قوات الجيش المصرى، والإعداد الجيد للمعركة معه، وأن الإرهاب من الدين، والكافر هو من لم يكفر الكافر، واعتبار حياة ما قبل الانضمام للتنظيم الإرهابى شركًا بالله. أما وصية التكفيرى الشخصية فوجدناها فى جيب سترته الأيمن، وكانت تحتوى فقط على بيان بكل ما أعطاه لعناصر إرهابية أخرى، من أموال أو عتاد وسلاح.. محددة بالتواريخ، وجاءت وصيته على النحو التالى: « أعطيت لفلان مبلغ 33 ألف جنيه، وبعت سيارة بمبلغ 200 ألف وأعطيت ثمنها لزميلى فلان». الوصية ضمت أيضا أملاك الإرهابى وأوضحت شراكته فى بعض المنازل والأراضى بمناطق متفرقة من سيناء، وبعد جمع أصول أموال ذلك الإرهابى من وصيته وجدناه يمتلك ما يزيد على مليون ونصف المليون جنيه مصرى، هذا بالإضافة إلى الأموال التى عثرت عليها القوات بحوزته بعد تصفيته. وبتفتيش الإرهابى عثرنا فى جيب جلبابه الأيسر على ورقة مكتوب فيها بعض الأدوات والمعدات التى يرغب فى الحصول عليها من التنظيم، حتى يستكمل مهمته، ومنها «كابل كهرباء ومفجر وأسلاك وقطع غيار خاصة بدراجة بخارية، يستخدمها للتنقل، ومواسير وعدد ربط وإصلاح ومواد إعاشة وتموين إضافية». 2- تضحيات المُسعفين تضئ أرض الفيروز «مش همشى من هنا ولا هسيب إخواتى يموتوا»، بتلك الكلمات بدأ عبدالعظيم محمد، فنى خدمات طبية بقطاع وسط سيناء، حديثه ل«الفجر»، فعلى الرغم من إصابته بطلقتين فى ذراعه وقدمه أثناء إحدى المأموريات لإسعاف الجنود المصابين، فإنه صمم على الاستمرار فى العمل، خاصةً فى قطاع الوسط، لمؤازرة القوات الأمنية. أفراد الإسعاف فى سيناء حققوا بطولات منقطعة النظير، خلال معارك عنيفة دارت بين العناصر الإرهابية وأبطال الجيش المقاتلين، وقال عبدالعظيم محمد: طلبت أن أخدم فى تلك المنطقة الخطرة، فالوطنية لا تتجزأ ولا تختلف بين ضابط مقاتل أو مسعف أو سائق، الجميع من وجهة نظرى يجب أن يكونوا مقاتلين من أجل الوطن والأرض، ومحاربة الإرهاب واجب وطنى على كل أفراد الشعب المصرى، فالإرهاب لا يفرق بين مدنى أو عسكرى، هدفه واحد.. وهو عدم استقرار مصر. وتابع المسعف الذى تجاوز منذ أيام عامه العشرين، ابن محافظة الشرقية: حصلت على دورات عديدة فى مجال الطوارئ والخدمات الطبية، لأتعامل مع الإصابات المختلفة للجنود والضباط، مشيراً إلى أنه قدم طلباً ليلتحق بقطاع الخدمات الطبية فى سيناء، إيماناً منه بالدور الوطنى والبطولى الذى تؤديه قوات إنفاذ القانون على أرض الفيروز. وروى ل«الفجر» قصته مع جندى أثناء إسعافه بعد إصابته بإصابة خطيرة فى إحدى المواجهات، هذا المقاتل البطل أوصى عبدالعزيز أن يخبر زملاءه بعدم ترك الموقع للعناصر الإرهابية، ثم لقى ربه شهيدًا من شدة الإصابة. واتفق السيد مرسى، سائق إسعاف، 49 عاماً ، مع ما قاله زميله، مؤكدًا تعرض سيارته طوال عمله فى قطاع الخدمات الطبية بسيناء لإطلاق النيران من العناصر الإرهابية، ورغم ذلك كان يصر على الوصول إلى منطقة الإخلاء لإسعاف المصابين من الجنود والضباط بأى طريقة ممكنة، مشيراً إلى أنه قضى 40 يوماً من العمل بدون إجازات؛ لمساندة قوات إنفاذ القانون خلال العملية الشاملة. وأضاف، فى إحدى مهام إخلاء بعض المصابين خلال مداهمة وكر بأحد الجبال، وجدت ثمانية جنود ينزفون، وسيارة الإسعاف مجهزة لاستقبال فردين فقط، ولكن بفضل الله وتوفيقه استطعت أن أسعف الجميع فى مدة قياسية، رغم صعوبة الطريق فى الذهاب والعودة وتفخيخه بالعبوات الناسفة من قبل الإرهابيين. وأوضح محمد عبدالجليل، سائق إسعاف، أنه قطع إجازته فور علمه ببدء العملية الشاملة فى سيناء، وعاد إلى نقطة عمله بمنطقة وسط حيث الاشتباك، لمساندة أبطال القوات المسلحة، ورغم إصابته بطلق نارى فى ذراعه بإحدى المهمات، واصلت العمل وأنقذت أرواح أبطالنا، وحصلت على 6 شهادات تقدير من قيادة الجيش الثالث الميدانى، تقديراً على المجهود الذى بذلناه. 3- البدو: أغلب الإرهابيين مضطربون نفسيًا أو مطرودون من قبائلهم لا يزال البدو يسيرون على نهج أجدادهم، مجاهدى سيناء، الذين شاركوا فى حرب أكتوبر المجيدة، فضربوا أروع أمثلة الوطنية فى مساندة القوات المسلحة أثناء العملية الشاملة «سيناء 2018» من خلال دعم قوات إنفاذ القانون بالمعلومات اللازمة عن وجود العناصر الإرهابية، ما كان له أثر كبير فى توجيه ضربات مباشرة وقوية للتكفيريين هناك. وقال أحد شيوخ قبيلة التياهة ل«الفجر»، إن القبائل والبدو عانوا لسنوات طويلة من الإرهاب، وتم إجبارهم من العناصر التكفيرية على ترك أماكن إقامتهم وهدم منازلهم، الإرهابيون فى الحقيقة عناصر إجرامية هاربة من أحكام قضائية، أو مهربين وتجار مخدرات وسلاح، بالإضافة إلى بعض العناصر الأجنبية، التى تتسلل من غزة لخدمة أهداف تنظيم داعش الإرهابى. وتابع: الإرهابى تكوينه يعتمد على العديد من المفاهيم المغلوطة عن الدين، بالإضافة إلى تكفير الآخرين الذين يخالفون معتقداته حتى لو كانوا مسلمين، وهذا عرفناه من كتبهم التى وجدناها فى الكهوف والمغارات وأماكن اختبائهم، علاوة على أنه عندما ينضم للتنظيم يلتزم بقسم الولاء لأمير التنظيم وأن يتبرأ من قبيلته وأهله وكل ما كان يؤمن به ويحبه فى السابق، إضافة إلى مبدأ السمع والطاعة فى كل أوامر، التنظيم حتى لو كان خاطئاً، فلا يناقش بل ينفذ فقط. ومعظم المنضمين للتنظيمات الإرهابية مضطربون نفسياً أو تم طردهم من قبائلهم، وأكبر دليل على ذلك أن قوات إنفاذ القانون عثرت فى كهوف التكفيريين على منشطات جنسية ومخدرات وقمصان نوم، فحياة الإرهابى ليست خالصة للعبادة كما يدعون، ولكنها تقوم فى الأساس على المتعة، حتى لو كانت بالحرام. وأكد أحد شيوخ قبيلة الترابين، توحد القبائل كلها على قلب رجل واحد، من أجل القضاء على الإرهاب واقتلاعه من جذوره، وأن دعهم للقوات المسلحة هو واجب وطنى، فسيناء أرض للمصريين ولا يمكن التفريط فيها لعناصر إجرامية تريد الخراب، ومنذ بدء العملية الشاملة فى سيناء 2018 والتنظيم الإرهابى فى «غرفة الإنعاش»، والكثير منهم يعانون من المجاعة ونقص الإمداد بعدما قطع الجيش عليهم مصادر التموين والتمويل. وبصراحة.. لمست القبائل بدايات التنمية الحقيقة، التى بدأت بتغيير نظرة الدولة للبدو، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، حتى كانوا قبل ذلك مهمشين حتى فى أقل سبل التمدن والمعيشة، ومؤسسات الدولة تعمل الآن بكد على تنمية سيناء، بالتزامن مع حربها على الإرهاب، وتم بناء عدد من الشقق السكنية للبدو فى مناطق المغفر والمنبطح وخشم الجاد، إلى جانب دخول شركة وطنية للمواد البترولية فى بعض المناطق، كما سهلت مشروعات الطرق الجديدة الانتقال من وإلى بعض المناطق فى سيناء.