لكل بيئة طريقتها في كشف الكذب بالقضايا التي تُطرح على المحكمين في تلك البيئة، لذا ابتدع القضاء البدوي طريقة غريبة تسمى "البِشّعَة" تعتبر بمثابة جهاز لكشف الكذب عند الحكم بأزمات القبائل. ماهي "البِشّعَة"؟ وهي طريقة من طرق التقاضي مألوفة لدى البدو ويلجؤون إليها لإظهار الجرم المنكور وتوجد عائلات مخصصة لذلك ولا يستطيع أي من البدو أن يكون مبشعاً، والمدعي هو الذي يطلب بشعة المدعى عليه في أغلب الحالات وهو الذي يختار المبشع. والبشعة -بكسر الباء- هي قطعة معدنية أشبه ب "الملعقة" الضخمة يتم وضعها على نار ملتهبة حتى يصبح لونها مثل الجمر لتوضع على لسان المتنازعين، ويجتمع الخصوم في مجلس عربي عند شخص يقال له المبشّع ويقوم بإحماء "المحماس" وتجهيز زجاجة ماء أمامها، لكي يقوم "المتهم" بلعقها بلسانه قبل أن يشرب القليل من الماء. ويلحس المتهم المحماس ثلاث مرات وهو بيد المبشع ثم يتمضمض ببعض الماء، إذا ظهر على لسانه أي أثر للنار قالوا "موغوف" أي مذنب وإلا فهو بريء.
لماذا سميت ب"البِشّعَة"؟ وقد اشتق مسمى البشعة من بشاعة الموقف، حيث يتعرض المتهم لموقف صعب ومخيف يمثل لحظات حاسمة فى تقرير مصير قضيته، ويتم تحديد المبشع الذى سيذهب إليه الطرفان، عن طريق (العَدّف) حيث يستثنى كل طرف مبشع، والمتبقى هو من يذهبان إليه، أما اليوم فلم يبق إلا العيادي. وبشعة العيادي محصورة فى عائلة أبو عويمر من المحاسنة من السلاطنة من قبيلة العيايدة فى سيناء، ومقرها اليوم فى الإسماعيلية. والبشعة بمثابة محكمة نهائية لا تقبل النقض أو الاستئناف، إذا أن من ثبتت براءته أو جُرمه ليس له أن يتمادى فى التقاضى مع خصمه، بل أن يعطى خصمه حقه أو يأخذ منه حقه إذا كان بريئا لقاء التشهير والاتهام بالباطل. قضايا "البِشّعَة" وتتنوع القضايا المقدمة للبشعة، ما بين الخوض في الأعراض، والسرقات والتعديات على حرمات البيوت والقطاعات. ويعقد القاضي المبشع -كما يلقبونه- جلسة واحدة لإعادة الحقوق إلى أصحابها، لا تقبل نقضًا أو استئنافا، كما يحصل القاضي على أجر رمزي حسبما يتردد، ويدعي القائمون على العمل في البشعة، أن سرها يحتفظ به المبشع وحده، ولا يطلع عليه سواه؛ للاحتفاظ بسر المهنة.