حتى أشهر قليلة مضت كان رفعت محمود- وهو عامل بالأجرة اليومية من الجيزة بالقرب من العاصمة المصرية القاهرة- يتحمل نفقات شراء الأدوية لابنته البالغة من العمر 13 عاماً التي تعاني من ضيق في صمام الشريان الأورطي وهي حالة تسبب انخفاض تدفق الدم بين البطين الأيسر والشريان الأورطي. وقال محمود إن "الدواء غير موجود في أي مكان. وقد أخبرني الصيادلة أن شركات الأدوية توقفت عن إنتاج دواء ابنتي". ويبدو أن الأزمة الاقتصادية في مصر بعد الثورة وتدهور الظروف الأمنية يؤثر على قدرة البلاد على إنتاج أو الحصول على الأدوية التي يحتاجها ملايين المرضى. ويقول المراقبون أن شركات الأدوية غير قادرة على استيراد الكميات اللازمة من الدواء أو المواد الخام التي يتم تصنيع الدواء منها. وقال مكرم مهنا رئيس قسم الصناعات الدوائية في اتحاد الصناعات المصرية أن مصر كان لديها 120 شركة أدوية تستورد الدواء ولكن 80 شركة منها أغلقت خلال الأشهر القليلة الماضية، ومن المتوقع أن تلحقها مصانع أخرى. وأضاف مهنا أن "التدهور الأمني والاقتصادي الذي حدث بعد الثورة تسبب في انخفاض إنتاج الأدوية المحلية بنسبة 50 بالمائة على الأقل"، موضحاً أن انخفاض قيمة الجنيه المصري مقترنة بارتفاع أسعار المواد الخام العالمية مما صعب الأمور على المستوردين. وقال خالد الروبي وهو خبير مستقل في مجال الدواء أن الحكومة بحاجة إلى إنقاذ صناعة الدواء من أجل التخفيف من معاناة ثمانية ملايين شخص يعانون من مرض السكر وأربعة ملايين لديهم مشكلات في ضغط الدم بالإضافة إلى من يتناولون العلاج لأمراض القلب والسرطان. وأعلن كبار خبراء الطب في المؤتمر الخامس لجمعية القلب المصرية في القاهرة في الأول من أغسطس/اب أن أكثر من 250 ألف شخص واجهوا خطر الشلل أو الوفاة المبكرة لأن أدوية الحوادث الدماغية المرتبطة بالأوعية الدموية لا يمكن العثور عليها في أي مكان. كما أن مرضى السكر يجدون أنه من المستحيل تقريباً الحصول على الأنسولين وإذا كان بإمكانهم الحصول عليه فالتكلفة تكون مرتفعة جداً. ويشعر محمود بقلة الحيلة عندما تشعر ابنته بآلام في الصدر أو إغماءات. فبدخل شهري قدره 500 جنية مصري (84 دولارا) يعتمد محمود على معهد القلب الحكومي في الجيزة للحصول على دواء ابنته مجاناً. ونظراً لأن المعهد غير قادر الآن على توفير الأدوية اضطر محمود إلى اللجوء إلى الصيدليات الخاصة. وقال محمود "الآن أضطر إلى دفع ثلث دخلي تقريباً لشراء الأدوية الضرورية كل شهر". الحكومة تحدد الأسعار ويقول الخبراء أن الحكومة تحدد أسعار الأدوية المنتجة محلياً وهو الأمر الذي يمكن أن يساهم في النقص الحالي في الأدوية. وإذا أعطت الحكومة مصنعي الدواء المزيد من الحرية في تحديد أسعار الدواء فإنه يمكنهم تعويض بعض خسائرهم والاستمرار في مزاولة أعمالهم. وقال الروبي أن "تحديد أسعار الدواء من قبل الحكومة يسبب العديد من المشكلات لمصنعي الدواء. فعندما ترتفع أسعار المواد الخام في الأسواق الدولية لا تتمكن شركات الأدوية المحلية من رفع أسعار الدواء الذي تنتجه. وقد أفلست بعض الشركات بسبب ذلك". وتستورد شركات الأدوية المصرية ما قيمته 673 مليون دولار من المواد الخام سنويا طبقاً لما ذكره مسؤولو اتحاد الصناعات المصرية. وقد وعدت الحكومة بإعادة النظر في أسعار الدواء ولكن بالنسبة لحوالي 20 بالمائة من السكان الذين يعيشون في فقر فإن الأدوية بأي سعر ستكون مكلفة جداً. وتلقي الحكومة باللائمة في عدم توفر بعض الأدوية المصنعة محلياً على المضاربين والسماسرة الذين يقومون بتخزين أدوية معينة لإجبار الناس على شراء البدائل المستوردة الأغلى سعراً والتي يحصلون منها على حصة أكبر من الربح. وقال مجدي أمين عضو لجنة تسعير الدواء بوزارة الصحة أن "تلك الأدوية مكلفة للغاية بالنسبة لعدد كبير من المرضى. وهذا يتسبب في معاناة لا توصف للمرضى". ميدل ايست