"الصيدليات" تبيع أدوية الغلابة في السوق السوداء ممرضات المستشفيات يسرقن "الأنسولين" مخازن "الصحة" في متناول تجار المخدرات دول خليجية وجهة السماسرة لجلب الأدوية وبيعها بسعر أعلى
أزمات تتوالى ما بين اختفاء أدوية الأمراض المزمنة من الصيدليات والمستشفيات الحكومية، وتخزينها من قبل الشركات الكبرى، بغرض بيعها بالسوق السوداء بأسعار مرتفعة حتى سرقة الأدوية الخاصة بالتأمين الصحي والتجارة فيها بواسطة بعض الممرضات، وفي محاولة لكشف الأسباب الخفية وراء ذلك، ذهبنا لرصد حقيقة ما يحدث.
وفي جولة ل"الفجر"، لرصد وتوثيق لبعض الصيدليات والمستشفيات الحكومية على مستوى القاهرة الكبرى وبعض المحافظات، عقب كثرة الشكاوى من قبل المواطنين بعد عجزهم عن توفير "بنسيتارد" حقن البنسيلين الممتد المفعول، لمرضى الحمى الروماتيزمية، ثبت لنا أن هذه الأزمة المتهم الحقيقي فيها هو جشع أصحاب الصيدليات وشركات الأدوية في ظل غياب رقابة الدولة.
واكتشفت محررة "الفجر"، خلال جولتها بداية من بعض الصيدليات بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، حتى النزهة الجديدة، توافر حقن "بنسيتارد" ولكن بأسعار باهظة الثمن بحسب اختلاف الأماكن، فبعد التردد على الصيدليات بمنطقة الجيزة لأكثر من مرة، والمطالبة بتوفير الحقنة بعد ضغط شديد على المسئولين في هذه الصيدليات، طلب أحدهما فترة زمنية تتعدى يوم لتوفيرها لكن بسعر مرتفع، فبعد أن كان سعر الحقنة المستوردة 9 جنيهات أصبح 105 جنيه، وبالفعل، ذهبت المحررة لنفس الصيدلية في اليوم التالي ووجدت الحقنة، وحاولت تتفاوض على السعر لكن المسئول لم يقبل، فتركته وذهبت إلى صيدلية أخرى تدعى "ه. م"، بمنطقة النزهة الجديدة، عقب التأكد بأن هذه الحقنة متوفرة هناك من إحدى المرضى بالمنطقة، ولتوثيق المعلومات فقد توجهنا لذات الصيدلية وتعاملنا كمواطنين نسعى للحصول على الحقنة لنكتشف أنها تباع بسعر أغلى، حيث وصل سعرها 120 جنيه للمستوردة، وذلك عقب رحلة من العذاب والتردد على الصيدلية لأكثر من مرة لكي يوفر الطبيب الصيدلي الحقنة.
وبتوجهنا إلى بعض المواطنين أمام أحد الصيدليات الخاصة بالمستشفيات العامة، بعد عدة أيام من رحلة البحث عن " بنسيتارد" داخل محافظة الدقهلية، اكتشفت المحررة أن سعرها وصل إلى 90 جنيه للمستورد، واختفاء المصري منها، الذي يبلغ سعره 7 جنيهات تمامًا من الصيدليات والمستشفيات الحكومية، بحسب ما قالت "إ.ع" إحدى المرضى، والتي كانت تقبع أمام إحدى صيدليات المستشفى العام بأحد مراكز المحافظة، قائلة: إنها "حامل في الشهر الثالث وبحاجة شديدة ل بنسيتارد مرتين في الشهر، نظرًا لسوء صحتها، ولكنها لم تستطيع توفيرها"، إلا من خلال شرائها عن طريق إحدى الصيدليات بمركز منية النصر والتي تدعى "ف. س"، المجاورة لمسكنها فوعدها أحد العاملين بها، بتوفيرها مقابل 90 جنيه، بعد عدة ساعات من موافقتها، وبسؤالها عن ارتفاع سعرها خاصة أنها كانت ب(9) جنيهات، أجابها أنه سوف يشتريها من بعض السائقين الذين يسافرون إلى دول خليجية عن طريق نويبع، بسعر أعلى، وقامت بشرائها مرتين، ولم تستطيع بعد ذلك شرائها لعدم توفرها، متوقعة السبب المساومة بسعر أعلى.
في السياق ذاته، أكدت "م.س"، ربة منزل، أن نجلها الأصغر مريض، ويعاني من التهاب في اللوز، وتعب في القلب، والحقنة المساعد الوحيد له على العيش، قائلة: "كنت بشتريها من المستشفى عن طريق قطع تذكرة، لكن حاليًا غير موجودة في المستشفى وحاولت أدور عليها في الصيدليات ومعرفتش أوصل غير للمستورد وسعرها غالي، فكلمت ممرضة أعرفها داخل مستشفى بمحافظة الدقهلية تدعى "م. ن" المركزي وقالتلي هشوفهالك، وفعلا بعد يومين جابتلي واحدة مصرية، ولكن ابني بحاجة لها ولا أستطيع شرائها مرة أخرى"، متسائلة طالما الممرضة استطاعت توفيرها فلماذا اختفائها من المستشفيات الحكومية؟.
لم تتوقف تجارة الأدوية المزمنة من قبل الممرضات عند " بنسيتارد"، بل أكدت "م.س"، أنها مريضة سكر، وتستوجب 4 عبوات من حقن "الأنسولين"، ولكن العلاج على نفقة الدولة محدد لها عبوتين فقط، ولم تسطتيع شراء العبوتين الأخرى، لاسيما وأن سعر الحقنة وصل عقب ارتفاع أسعار الأدوية 40 جنيه، لذا تلجأ لبعض الممرضات اللائي يعملن في المستشفى السالف ذكرها، لشراء "الأنسولين" بسعر أرخص 15 جنية للعبوة، في غياب تام لدور الجهات الرقابية.
كما انتشرت بعض المجموعات والصفحات الالكترونية والتي تدعى "أدوية مستوردة لتجار الجملة بمصر"، التي تروج لبيع الأدوية الخاصة بالمستشفيات الحكومية فقط، بكميات هائلة حتى وصل التخفيض عليها إلى 50%، ك"سيفاكسون"، بالرغم من نقص هذا الدواء في المستشفيات.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل تطور إلى سرقة المواد المخدرة من مخازن التموين الطبي بوزارة الصحة و وبيعها لتجار المخدرات، بقيمة أربعة ملايين جنيه وذلك بحسب ما أكدت الأجهزة الأمنية في السادس والعشرين من أغسطس الماضي، خلال بيان رسمي للوزارة.
وبسؤال الدكتور عمرو السيد، طبيب صيدلي، عن اختفاء هذا العقار من الأسواق، أكد أن العجز في توفير حقنة "بنسيتارد"، يرجع لعدم وجود المادة الفعالة "بنسيلين"، بسبب وقف الاستيراد، بالرغم من انتشارها في إحدى الشركات لاسيما الكبرى، مضيفًا أن بعض التجار يقوموا بتخزين الحقنة لعرضها في الأسواق بأسعار مرتفعة، مدللاً على ذلك ايجادها بسعر أعلى، مشيرًا إلى أن الأزمة تعني العجز في الوصول إليها تمامًا.
أما بخصوص بيع تجارة الأدوية الخاصة بالمستشفيات الحكومية والتجارة فيها بأسعار مختلفة، كشف محمود الشيخ، مدير مناقصات وتصدير سابق لدى شركات أدوية، أن جميع المسشفيات الحكومية تقوم ببيع الأدوية حاليًا في صيدلياتها بسعر الجمهور، والضرب بأسعار توريدها التي واضحة من خلال المناقصات.