سمي شارع عماد الدين على اسم لشيخ له ضريح بالقرب من تقاطع الشارع مع شارع الشيخ ريحان، وعليه كتابة تسجل تاريخ 1616. شارع عماد الدين هو شارع الفن فى وسط البلد فى القاهره وبيعتبر برودواى مصر او حي «وست إند» فى لندن، او حي «البوليفار» فى باريس طوله 2.5 كم، شماله شارع رمسيس و جنوبه فى منطقة عابدين ويستمر من خلال ميدان الأزبكية وميدان مصطفى كامل. ويسمى الجزء الجنوبى من الشارع محمد فريد على اسم الكاتب المشهور المدافع عن الاستقلال واللى توفى سنة 1919. كمان اتسمي ميدان سوارس القديم احد ميادين الشارع ده باسم ميدان مصطفى كامل .وجميع الشوارع المحيطة بشارع عماد الدين مسماة بأسماء الفنانين، فهناك شارع نجيب الريحانى، وشارع زكريا احمد، وشارع على الكسار، وشارع سيد درويش. من أهم ما يميز شارع عماد الدين بناياته القديمة، وطرزه المعمارية التي انقرضت والتي تعود بالسائر جوارها إلى أزمنة مضت ولن تعود، ويعود بناء بعض هذه البنايات إلى الخديو عباس حلمي الثاني، والذي أنشأ ما سماه عمارات الخديو، على الطراز المعماري الإيطالي، واستخدم الرخام فيها في الأعمدة والسلالم، ولكن بعد عزل الخديو عباس (عام 1914) آلت هذه العمارات إلى أجنبي اسمه سيتون، ثم تم تأميمها أوائل الستينيات، لتصبح مقرا للعديد من الشركات المصرية. وعلى الرغم من أن الفن والفنانين قد انتقلوا من شارع عماد الدين، إلا أنه بقيت بعض السينمات والمسارح على جانبي الشارع، فهناك سينما بيجال، وسينما كوزموس، وسينما كايرو، وسينما كايرو، وهناك أيضا مسرح الريحاني. وسيحزن لا شك من مر في الشارع من ربع قرن وعاد ليمر فيه اليوم، فالشارع أصبح مرتعا لباعة الأجهزة الكهربائية الحديثة، واكسسوارات السيارات، والأجهزة التي يحتاجها الأغنياء الجدد، في حين تراجع تماما وجود السينمات، وأصبح وجود أكوام من التراب عليها أمرا طبيعيا، أما مسرح الريحاني والذي شهد ميلاد عدد كبير من النجوم الذين نحبهم، فحاله الآن أصبح لا يسر عدوا ولا حبيبا والمسرح الآن لا يختلف كثيرا عن حال المسرح الذي أصبح مثل سجن بطلائه القديم، والدور الواحد الذي يتكون منه بجوار بنايات عالية، واكوام التراب التي تعلوه. لعل أجمل ما في الشارع ان هناك أكثر من مقهى بالقرب منه يحمل اسم سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم، فهناك مقهى ركن أم كلثوم، وآخر باسمها، لكن المحزن أن أشهر مقاهيها والذي يقع أمام سينما كايرو. الكارثة التي حلت بشارع عماد الدين بدأت مع حريق القاهرة في يناير (كانون الثاني) 1952، والذي راح ضحيته العديد من دور السينما والمسارح، لعل أشهرها ملهى صفية حلمي، وحتى الآن بإمكان المار في الشارع أن يلمح آثار الحريق على عدد من دور السينما. يحدثنا الكاتب هنا عن أجواء شارع عماد الدين الفنية والثقافية الفريدة التي كان يتمتع بها هذا الشارع الخاص جدا الرابض في قلب وسط البلد: في شارع عماد الدين أضاء المسرح بإبداع يوسف وهبي ونجيب الريحاني وعلي الكسار, وبموسيقي سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم, وتألق من النجوم منيرة المهدية والفنانة ملك وروز اليوسف وأمينة رزق وأحمد علام وحسين رياض واستيفان روستي.. إلي آخر قائمة العمالقة في دنيا الفن.. وفي مقاهي عماد الدين دارت حوارات, وأجتمعت خواطر ونشأت خيوط للإبداع. يشعر القاريء هنا بمدي الحب الذي يكنه الفريد فرج لشارع عماد الدين.. لأجوائه البديعة وسهراته ومسارحه.. هي ليست حكايات فنية عن شارع احتضن يوما في أرجائه خمس عشرة دارا مسرحية, فضلا عن المقاهي التي كانت بمثابة صالونات للفن ومنتديات للثقافة, بل هي أقرب إلي صورة خاصة جدا يلتقطها الفنان بقلمه المبدع..هنا زمن جميل عاشته القاهرة في سنوات العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن الفائت.. هنا زمن أحتفي بالفن والمسرح والطرب.. هنا سهرات وحكايات وحوارات جانبية تعكس معها أجواء شارع الفن.. هنا حواديت أخر الليل, وصوت المطربين الذي يظل يجلجل إلي أن يشقشق الفجر.. هنا السميعة والجوالون والنادلون والمهمشون الذين يجوبون المقاهي بحثا وراء لقمة العيش.. هنا قاهرة الفن الجميل... هنا مدرسة الأجيال الفنية.. يقول الكاتب: أية أطياف عاشت في ذلك الشارع الجميل لأكثر من نصف قرن..! ما أروع موجات الفن والغناء والتمثيل وتألق الترجمة والتأليف والأداء وعمليات بناء المسرح كمؤسسة اجتماعية وتعليمية وتربوية في قلب القاهرة, وفي أضوائها الجذابة الساحرة!. كلما دعتني الظروف إلي الشارع التاريخي تطوف بنفسي أطياف راسبوتين يوسف وهبي وكشكش بك الريحاني وعلي بابا علي الكسار وبيترفلاي الفنانة ملك. لم يكن شارع عماد الدين, شارع المسارح, ودور السينما فقط في سنوات العشرينيات, وما بعدها, بل كان أيضا بمثابة منارة مضيئة أضفت علي الحياة المصرية ذاتها أساليب جديدة وأفكارا حديثة وسلوكيات عصرية, وجعل للقاهرة جاذبية خاصة, فصارت مزارا للأقاليم وللأشقاء العرب علي حد كلمات الكاتب. ويمضي الفريد فرج في رسم خريطة هذا الشارع الفريد عماد الدين شارحا بالتفصيل أركانه, وتخومه وشوارعه الجانبية التي تضم وحدها إحدي عشرة دارا للسينما, وتجمع في أرجائها أكبر عدد من دور المسرح يملكها شارع واحد في القاهرة. من مسرح محمد فريد إلي مسرح الريحاني, ومسرح الكوزمو إلي مسرح أوبرا الفنانة ملك ومسرح متروبول إلي مسرح الرينسانس ومسرح برنتاينا الذي تألق في أضوائه يوسف وهبي ونجيب الريحاني ومنيرة المهدية, وشهد فيه الجمهور كشكش بك وراسبوتين و أوبريت حورية هانم وهناك كذلك مسرح الكورسال القديم ومسرح البيجو بالاس والعديد والعديد من المسارح التي أضاءت شارع الفن. يشعر القاريء, وهو يتابع حكايات الفريد فرج بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة بعظمة الدور الذي كانت تقوم به مصر في تلك السنوات. ويشعر أيضا وهو الأهم هنا في الحقيقة أن الثقافة تمثل الرصيد الأكبر الذي تملكه مصر, فيما نسميه بالدور المصري ليس فقط في العالم العربي, بل وأيضا في العالم الإفريقي والآسيوي.