"مصر تحوي ثلث آثار العالم" العبارة السابقة نسمعها مرارًا وتكرارًا، وتحاول وزارة الآثار جاهدة أن تنهض بمستوى الآثار، وبالفعل يتم إنفاق مبالغ مهولة علي الترميم والصيانة، غير أن هذا الإنفاق لا تتم قبله دراسات جادة ومتأنية، كما لا يتم ترتيب أولويات الوزارة جيدًا. يقول المهندس أحمد سعد، رئيس قطاع المشروعات السابق بوزارة الآثار، إن المباني الأثرية سواء مساجد أو كنائس أو معابد، والمنقولات الأثرية والعملات، وكل ما يتم العثور عليه بباطن الأرض مما تركه الأقدمون هو ميراث، والمالك الحقيقي لهذا الإرث هو الشعب المصري، وعلي الجهة الحكومية المسؤولة عن الآثار أن تتعامل علي هذا الأساس، وتبذل قصاري جهدها للإفادة من هذا الميراث الأضخم على مستوى العالم.
وتابع "سعد" قائلًا: "قطاع الآثار مهمل بشكل تام، والإهمال هنا ليست في عدم الإنفاق على الأثر، وإنما في عدم ترشيد هذا الإنفاق ووضعه في الاتجاه الصحيح، حيث ضرب مثالًا بالمشروع الأخير الذي أعلنته الوزارة، وهو مشروع ترميم القاهرة التاريخية بتكلفة مليار و720 مليون جنيه مصري، مضيفا أن المشروع جيد، ولكن ما هي الجدوي الإقتصادية الداعية لإنفاق هذا المبلغ الضخم في هذا الوقت ونحن نعاني من كساد سياحي تام سيستمر لمدة سنوات قادمة وعلي أقل تقدير ثلاث سنوات؟.
وأكمل "سعد" قائلا: "إنه من المفترض ألا يتم ترميم سوى المهدد بالسقوط في الوقت الحالي، فالذي سننفقه الآن علي ترميم الأثر كيف سنسترده؟، وهل بالفعل تمت دراسة مستوفاه حول الجدوى الإقتصادية لمشروع مثل مشروع القاهرة التاريخية؟".
وكان رد المسؤول عن مشروع القاهرة التاريخة محمد عبد العزيز أن "مشروع ترميم القاهرة التاريخية" ليس كله ذا جدوى اقتصادية فعلى سبيل المثال من ضمن الآثار التي سيتم ترميمها "المعبد اليهودي" بتكلفة 100 مليون جنيه، ولا جدوى اقتصادية ملموسة من وراء ترميمه، إلا أن الضرورة ملحة لهذا الترميم لأن الأثر مهدد بالسقوط جراء تعرضه لفيضان الإسكندرية منذ أعوام.
وتابع أن هناك مشاريع أخرى سيكون لها عائدا اقتصاديا مثل مشروع ترميم قصر البارون إمبان بمنطقة مصر الجديدة، ومشروع ترميم وكالة قايتباي بالجمالية، فحديقة الأول يأتيها استثنمارات ضخمة، والوكالة ستكون فندقًا على الطراز الإسلامي، من المتوقع أن يتمتع بجذب سياحي عالي.
وتابع المهندس أحمد سعد، رئيس قطاع المشروعات السابق بوزارة الآثار، أن هناك الكثير من المشاريع التي تم تقديمها للوزارة، والتي من شأنها توفير عوائد مادية مجزية، من شأنها التحسين من رواتب العاملين، إضافة إلي صيانة وترميم الأثر، ولكن هذه المشاريع بعد دراسات ومحاورات ونقاشات ولجان يكون مصيرها بالأدراج؛ وكأنها ارتكبت جرمًا لأنها ستأتي بدخل جيد للوزارة الأفقر علي حسب تصريحات قياداتها. وضرب مثالًأ بمشروع المدينة العائمة، وهو مشرع قدمه المهندس أحمد سعد، منذ ما يقرب من عام ومعه دراسة جدوي أجرتها عدة شركات عاملية، والتي كانت نتيجتها أن المشروع كفيل بتوفير عائد ما يقرب من 600 ألف يورو سنويًا. "للتعرف علي تفاصيل المشروع اضغط هنا".
وأكمل "سعد" أنه تم تقديم مشروع آخر وهو مشروع "كشك الآثار" وفكرته قائمة علي بيع التحف المقلدة بواسطة معامل الترميم، مع استغلال جدرانه في الدعاية، وكذلك مساحاته في بيع اليوميات الإخبارية، وقد عرضت عدة مؤسسات -علي حسب قوله- استغلاله من الورازة، حيث سيوجد كشك في كل متحف على مستوي الجمهورية، وخصيصًا بالأماكن ذات الإقبال السياحي، وقد تم تقديم المشروع لأحمد شرف رئيس قطاع المتاحف السابق، وتم تقديمه للوزير ممدوح الدماطي الذي وافق عليه ولكنه حتى الآن حبيس الأدراج بمكتب الوزير خالد العناني، والمشروع -على حسب قوله- يضمن دخل شهري يتجاوز 500 ألف جنيه، لقطاع المتاحف فقط.
ويقول د. أحمد الدسوقي، أستاذ علم الآثار، أنه لابد أن يكون هناك أولوليات في ترميم الآثار، فمثلًا خطوة ترميم شارع المعز لدين الله خطوة ممتازة، وتدر دخلًأ علي الوزارة، ولكن مثلًا متحف الجوهرة بقلعة صلاح الدين تعرض للحريق عدة مرات ومهمل تمامًا، ومنطقة العزل بالقلعة لازالت تحت الترميم منذ عام 1992م، وكذلك قناطر ابن طولون مهددة بالإندثار، حيث يتم الاعتداء كل عدة أعوام وتتلاشي أجزاء منها وهي تعد أقدم الآثار الإسلامية بمصر.
وعلق "الدسوقي" علي ضخامة المبلغ وقال أنها مريبة فكيف تتكلف ثمان مشروعات هذا المبلغ الضخم ووضع بعد تساؤله علامة استفهام كبيرة.
فيما علق بسام الشماع الخبير الأثري قائلًا: "إن أولويات الوزارة غير مرتبة فكيف يتم تكلفة شخشيخة بمعبد –يقصد المعبد اليهودي- لا يدخله سوي 6 أفراد مبلغ 40 مليون جنيه، وجواره المتحف اليوناني روماني الذي ياتي إليه الآلاف كل عام مغلق منذ عام 2005 م، بحجة أعمال الترميم، فأيهما أولي بالترميم أو بأسبقية الترميم، وقال يجب أن يتم ترتيب أولويات الوزارة وأن تتسم بشفافية أكثر من ذلك". تساؤلات طرحها ويطرحها العديدين من المهتمين بالشأن الأثري في مصر والتي تنتظر ردودًا أكثر وضوحًا من قيادات الوزارة الأهم في مصر، وزارة الآثار.