تأسس المطحن عام 1908، وكان في البداية مكتب بريد يوناني ملك سيفانوبولو الذي ورثه ابنه ميخائيلي الذي كان صديقًا لمالك المقهى بعد ذلك حسن علي طنطاوي، الذي شارك ميخائيلي عام 1932، وحولاه إلى مطحن للبن. وتقول الكاتبة داليا عاصم في مقال لها بجريدة الشزق الأوسط والمنشور بتاريخ 15 نوفمبر 2010 في العدد رقم 11675. ومن بين الحكايات الكثيرة عن تاريخ سفيانوبولو، يتذكر محمد كلام أبيه عن أهمية المحل، قائلا: «محلنا من أعظم المحلات في مصر، وكان يأتي إلينا الرئيس (أنور) السادات الذي اعتاد أن يأخذ قهوته هنا، وكانت تأتي معه 3 سيارات؛ اثنتان للحراسة وثالثة للأطباء ليتأكدوا من سلامة القهوة». ويضيف: «أيضًا أبي كان يقول إن بعض أهم الشخصيات اليونانية المقيمة في الإسكندرية كانت تشتري احتياجاتها من البن من هنا، ومن بينهم عمدة أثينا.. والمغني اليوناني (السكندري) ديميس روسوس، الذي كان والده أيضا يأتي للمحل، ولا يزال أبي على اتصال بعدد كبير من اليونانيين المصريين الذين هاجروا إلى اليونان». ويتابع طنطاوي أنه «في السنوات الثلاث الأخيرة بدأت الرحلات تعود مجددا إلى الإسكندرية بكثرة وتأتي أوتوبيسات محملة باليونانيين الذين يسعدون بوجود أشياء أو محال يونانية وتحمل أسماء أشخاص من وطنهم، وهم يشعرون بحنين بالغ وسعادة غامرة لوجودهم مرة أخرى في الإسكندرية»، مشيرا إلى أنهم يحرصون على التقاط صور تذكارية مع أحفادهم في أرجاء المحل. ويكمل محمد، مع متابعة طلبات زبائن المحل: «منذ 30 سنة، حين قرر أبي وعمي تقسيم المحل، قرر عمي فتح مقهى يخدم زبائن (سفيانوبولو)، وهو سبب وجود مدخلين منفصلين للمحل». تزين غرة المحل العريق قطعتان فنيتان نادرتان تشدان انتباه الزوار هما تمثالان غاية في الإبداع من العاج لفتاتين أفريقيتين، يقول عنهما محمد طنطاوي: «لا تقدر قيمة هذين التمثالين بثمن لأنه لا يوجد مثلهما سوى 6 تماثيل في العالم، ونحن نملكهما ولدينا شهادة بذلك معلقة على حائط في المحل. وقد تهافت كثيرون من محبي المنحوتات على شرائهما منا. كما سعت وزارة الثقافة المصرية لوضعهما في أحد متاحف القاهرة، لكن أبي رفض. ورفض كذلك عروضا بمبالغ طائلة من آثاريين يونانيين لشرائهما ووضعهما في متحف باليونان، لاعتزازه بهما. وهو يحتفظ أيضا بكل ما يتعلق ب(سفيانوبولو) عندما كان مكتبا للبريد، ومنها كتاب بخط اليد باللغة اليونانية». إلى ذلك، يرفع «سفيانوبولو» شعار «أصل القهوة»، ويوزع البن على جميع المحلات التجارية في المدينة بعدما ظل اسمه علامة للجودة والتميز في عالم القهوة، وتجد عبوات البن بشعار «سفيانوبولو» في جميع المحال الصغيرة وحتى «الهايبر ماركتس» الكبيرة. من ناحية أخرى، رغم المنافسة الشديدة بين مقاهي الإسكندرية اليونانية القديمة والمقاهي الحديثة فإن «سفيانوبولو» ليس مجرد محل لبيع البن، بل يمكنك احتساء بعض القهوة المنعشة في ركن المقهى الصغير. وهو يقدم القهوة بمذاقات متنوعة سواء بالفانيليا أو البندق أو الشوكولاته، كما يمكنك الحصول على أفخر «الإسبريسو» و«الموكا» و«الكابوتشينو» بأنواعها. ثم إن معظم زبائن «سفيانوبولو» من كبار السن يأتون إليه كما اعتادوا منذ عشرات السنين للحصول على أفخر أنواع البن العالمية وأجودها، لا سيما أنه يقدم القهوة التركية ذات المذاق الخاص من توليفة البن البرازيلي والبن الكولومبي والبن الحبشي والبن اليمني، كما يقدم البن الغامق والمحروق من توليفة بن هندي خاص درجة أولى، أما لعشاق القهوة العربية فيقدم مذاقاته اللذيذة بتحويجات الحبهان (الهيال أو الهال) أو زر الورد أو المستكة أو جوزة الطيب، فضلا عن مختلف أنواع القهوة الغربية، لا سيما الإيطالية والأميركية. وإلى جانب القهوة يجد الزبائن أيضا غاياتهم من منتجات الكاكاو والشاي بأنواعهما. وتروي ماريا كرياكوس، اليونانية المصرية (72 سنة): «مجرد جلوسي هنا يذكرني بأيام طفولتي عندما كان أبي يصطحبني لشراء البن من (سفيانوبولو)، وكنا بعدها نتجول في أرجاء محطة الرمل ورائحة البن تغمر أي مكان ندخله». سنوات وسنوات مرت على «سفيانوبولو» لم يعد خلالها مجرد مطحن للبن، بل غدا «مَعلما» من معالم الإسكندرية الكوزموبوليتانية التي تتحدى الزمن، ومزارا سياحيا يأتي إليه الزوار من جميع أنحاء العالم، وبالأخص من الجنسيات التي كانت تعيش في الإسكندرية في عصرها الذهبي.