استمرار خروج مصر من القائمة السوداء يعكس التزامًا دوليًا بالإصلاحات    أسعار الذهب في بداية ثالث أيام عيد الأضحى المبارك    استئناف توزيع المساعدات في غزة اليوم    ترامب يهدد بتدخل فيدرالي في كاليفورنيا ولوس أنجلوس لوقف الشغب والنهب    مسؤولون أمريكيون: الرد الروسي على هجوم المسيرات الأوكرانية لم ينته بعد    إصابة المرشح الرئاسي الكولومبي ميغيل أوريبي بطلق ناري في العاصمة بوجوتا    مواجهات بين الشرطة ومعارضين للمداهمات ضد المهاجرين في لوس أنجلوس    الشناوي: مباراة باتشوكا إعداد مثالي لمواجهة إنتر ميامي ووجود صورنا مع ميسي فخر لكل الأهلاوية    ألمانيا وفرنسا يتنافسان على برونزية دوري الأمم الأوروبية 2025    إنذار جوى بشأن حالة الطقس: استعدوا «بؤونة» أبو الحرارة الملعونة    انتشال جثمان غريق من ترعة الإبراهيمية بالمنيا    هشام عباس يتألق بأغانيه في حفله بعيد الأضحى على مسرح البالون (صور)    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    مقتل امرأة برصاص الشرطة بعد طعنها شخصين في ميونخ    مقتل شاب على يد آخرين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء بالمحلة الكبرى    بالأسماء| إصابة 4 من أسرة واحدة فى انقلاب سيارة ملاكي بصحراوي سوهاج    موعد مباراة البرتغال ضد إسبانيا والقنوات الناقلة في نهائي دوري الأمم الأوروبية    الدولار ب49.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 8-6-2025    أوليه: ريفر بليت حاول ضم رونالدو لأجل كأس العالم للأندية    مجلس الشيوخ الأمريكى يقر شطب سوريا من قائمة الدول المارقة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. ثالث أيام العيد    تريزيجيه يعلق على انضمام زيزو ل الأهلي    زيزو: إدارة الكرة في الزمالك اعتقدت أن الأمر مادي.. وأنا فقط أطالب بحقي وحق والدي    عقرهم كلب.. كواليس إصابة طالبين في مشاجرة داخل سايبر بالعجوزة    مصرع طفل وإصابة آخر دهستهما سيارة ربع نقل في قنا    إصابة أسرة كاملة في تصادم سيارة بموتوسيكل أعلى دائري الهرم    زيزو بعد وصوله ميامي: متحمس جدا لخوض كأس العالم للأندية لأول مرة في حياتي    عرض مسلسل فهد البطل على قناة MBC1    نسرين طافش جريئة وميرنا نور الدين أنيقة..لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    زيزو يكشف سر رقم قميصه مع النادي الأهلي.. ويختار اللاعب الأفضل في مصر    مدير عام "تأمين الغربية" يتفقد مستشفى المجمع الطبي بطنطا في جولة عيد الأضحى    بعد تناول لحمة عيد الأضحى.. 5 أعشاب لتنظيف وتطهير القولون والتخلص من السموم    بسبب بكتيريا السالمونيلا.. سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق الأمريكية    البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    أصابوه بعاهة.. التعدي على مسؤول حماية الأراضي خلال تنفيذ إزالة بأرض زراعية بسوهاج "فيديو"    «المشروع إكس» يتصدر إيرادات أفلام عيد الأضحى    معتز التوني: الإخراج أقرب لقلبي.. وأتمنى تقديم مسلسل اجتماعي بعيدا عن الكوميديا    محافظ الغربية: ذبح 1168 أضحية مجانًا داخل المجازر الحكومية خلال العيد    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال يقصف خيمة للنازحين في المواصي غربي خان يونس    «صندوق المكافحة»: أنشطة بالمناطق «بديلة العشوائيات» للتوعية بأضرار المخدرات    صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 8 يونيو 2025    «باعتبرها أمي».. شريف منير يوجه رسالة مؤثرة إلى زوج ابنته أسما (فيديو)    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 8 يونيو 2025    في ذكرى وفاة المشير الجمسي، تعرف على آخر وزير حربية بمصر والمصنف ضمن أبرع 50 شخصية عسكرية بالعالم    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    تعرف على الخطأ الطبي الجسيم وفقا للقانون    تعرف على برجك اليوم 2025/6/8.. «الثور»: تمل من العطلة.. و«العذراء»: تمر بحالة من الهدوء والتأني    81 عاما من العطاء.. قضتها "نفيسة" في محو الأمية وتحفيظ القرآن للأهالي مجانا    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    كل عام ومصر بخير    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    البابا تواضروس يلتقي شباب الإسكندرية بمنتدى كنيسة العذراء بسموحة يوليو المقبل    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف أهل مكة من الإسراء والمعراج
نشر في الفجر يوم 22 - 04 - 2017


مكة في صباح ليلة الإسراء والمعراج
لا يستطيع أحد أن يصف الأحاسيس التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعر بها في هذا الصباح! إن الفرحة التي في قلبه لا يمكن وصفها، فقد شاهد من المشاهد السعيدة والمفرحة؛ وهو ما يحتاج إلى شهور وسنوات لاستيعابه؛ ومع ذلك فهناك قلق عميق يعتريه؛ لأنه مُطَالَب بأن يحكي قصة الإسراء للمشركين، كنوع من الآيات الكثيرة التي يُقَدِّمها لهم ما بين الفترة والفترة؛ لكي يُصَدِّقوا بنبوته، ويؤمنوا برسالته، وهو يعلم أن الناس سيُكَذِّبونه لا محالة؛ فالطريق من مكة إلى بيت المقدس يحتاج شهرًا كاملاً، فكان صلى الله عليه وسلم يحمل همَّ هذا التكذيب، كما هناك مؤمنون لم يعتنقوا الإسلام إلا منذ فترة بسيطة، وقد يقودهم هذا الخبر إلى التكذيب والارتداد عن الدين؛ ثم إن عليه أن يجلس جلسات طويلة مع المؤمنين ليحكي لهم هذه المشاهد كلها، فإن هذه الرحلة بكل تفصيلاتها صارت من الغيب الذي ينبغي للمسلمين أن يؤمنوا به.
وقد كُلِّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُخْبِر أهل مكة المشركين عن رحلة الإسراء فقط؛ أما رحلة المعراج فهي للمؤمنين فقط، والسرُّ في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يُقَدِّم أدلة مادية على صدقه في رحلة الإسراء كما سنتبيَّن، أما رحلة المعراج فلن يؤمن بها ويُصَدِّقها إلا مَنْ آمن بقدرة الله سبحانه، وتيقَّن من صدق الرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومن ثَمَّ فلا معنى للحديث عنها مع أولئك المشركين الذين لا يؤمنون بالله أصلاً ولا برسوله صلى الله عليه وسلم.
ولنراجع الروايات التي وصفت ردود الأفعال في مكة؛ لنرى ما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصباح!
روى أحمد -بإسناد صحيح- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ". فَقَعَدَ مُعْتَزِلاً حَزِينًا، قَالَ: فَمَرَّ به عَدُوُّ الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". قال: ما هو؟ قال: "إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ". قال: إلى أين؟ قال: "إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟" قال: ثم أصبحتَ بين ظَهْرَانَيْنَا؟ قال: "نَعَمْ". قَالَ: فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ حَتَّى قَالَ: فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ". قالوا: إلى أين؟ قال: "إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ". قالوا: ثم أصبحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قال: "نَعَمْ". قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، مُتَعَجِّبًا لِلكَذِبِ زَعَمَ، قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَرَأَى الْمَسْجِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ". قَالَ: "فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ". قَالَ: "وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ".قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ". قَالَ: "فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ..".
وروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الحِجْرِ، فَجَلاَ اللهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ".
وروى البيهقي -بإسناد صحيح- عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قال: "قلنا: يا رسول الله، كيف أُسْرِيَ بِكَ؟ قال: "صَلَّيْتُ لأَصْحَابِي صَلاَةَ الْعَتَمَةِ بِمَكَّةَ مُعْتَمًّا، وَأَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَقَالَ: ارْكَبْ فَاسْتَصْعَبَتْ عَلَيَّ، فَدَارَهَا بِأُذُنِهَا، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهَا، فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا: يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، حَتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذات نخل فَأَنْزَلَنِي، فَقَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِيَثْرِبَ، صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ. فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا فَقَالَ: انْزِلْ. فَنَزَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِمَدْيَنَ، صَلَّيْتَ عِنْدَ شَجَرَةِ مُوسَى عليه السلام، ثُمَّ انْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا بَدَتْ لَنَا قُصُورٌ، فَقَالَ: انْزِلْ. فَنَزَلْتُ، فَقَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، قَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عليه السلام المسيح ابن مَرْيَمَ. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِيِّ، فَأَتَى قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ فَرَبَطَ بِهِ دَابَّتَهُ، وَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ مِنْ بَابٍ فِيهِ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَصَلَّيْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، وَأَخَذَنِي مِنَ الْعَطَشِ أَشَدُّ مَا أَخَذَنِي، فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الآخَرِ عَسَلٌ، أُرْسِلَ إِلَيَّ بِهِمَا جَمِيعًا، فَعَدَلْتُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ هَدَانِي اللهُ عز وجل فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُ، حَتَّى قَرَعْتُ بِهِ جَبِينِي، وَبَيْنَ يَدَيَّ شَيْخٌ مُتَّكِئٌ عَلَى مَثْرَاةٍ لَهُ، فَقَالَ: أَخَذَ صَاحِبُكَ الْفِطْرَةَ إِنَّهُ لَيُهْدَى. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادِي الَّذِي فِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا جَهَنَّمُ تَنْكَشِفُ عَنْ مِثْلِ الزَّرَابِيِّ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ وَجَدْتَهَا؟ قَالَ: "مِثْلُ الْحُمَةِ السُّخْنَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِي فَمَرَرْنَا بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ، فَجَمَعَهُ فُلاَنٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا صَوْتُ مُحَمَّدٍ. ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ، فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ كُنْتَ اللَّيْلَةَ فَقَدِ الْتَمَسْتُكَ فِي مَكَانِكَ. فَقَالَ عَلِمْتَ أَنِّي أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ فَصِفْهُ لِي. قَالَ: فَفُتِحَ لِي صِرَاطٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ فِيهِ؛ لاَ يَسَلْنِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَنْبَأْتُهُ عَنْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْظُرُوا إِلَى ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ". قال: فقال: "إِنَّ مِنْ آيَةِ مَا أَقُولُ لَكُمْ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لَكُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَجَمَعَهُ فُلاَنٌ، وَإِنَّ مَسِيرَهُمْ يَنْزِلُونَ بِكَذَا ثُمَّ بِكَذَا، وَيَأْتُونَكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَقْدُمُهُمْ جَمَلٌ آدَمُ عَلَيْهِ مِسْحٌ أَسْوَدُ وَغِرَارَتَانِ سَوْدَاوَانِ". فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَشْرَفَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى كَانَ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ حَتَّى أَقْبَلَتِ الْعِيرُ يَقْدُمُهُمْ ذَلِكَ الْجَمَلُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم".
وروى أحمد -بإسناد صحيح- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ، وَبِعَلاَمَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِعِيرِهِمْ، فَقَالَ نَاسٌ: نَحْنُ نُصَدِّقُ مُحَمَّدًا بِمَا يَقُولُ؟ -وفي رواية أخرى عند أبي يعلى والنسائي بسند صحيح: "فَقَالَ نَاسٌ: نَحْنُ لاَ نُصَدِّقُ مُحَمَّدًا بِمَا يَقُولُ!"- فَارْتَدُّوا كُفَّارًا، فَضَرَبَ اللهُ أَعْنَاقَهُمْ مَعَ أَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، هَاتُوا تَمْرًا وَزُبْدًا، فَتَزَقَّمُوا. وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ، لَيْسَ رُؤْيَا مَنَامٍ، وَعِيسَى، وَمُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ"، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّجَّالِ؟ فَقَالَ: "أَقْمَرُ هِجَانًا" -قَالَ حَسَنٌ: قَالَ: "رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا أَقْمَرَ هِجَانًا (الأبيض)"- "إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ، كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كَأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ، وَرَأَيْتُ عِيسَى شَابًّا أَبْيَضَ، جَعْدَ الرَّأْسِ، حَدِيدَ الْبَصَرِ، مُبَطَّنَ الْخَلْقِ، وَرَأَيْتُ مُوسَى أَسْحَمَ آدَمَ، كَثِيرَ الشَّعْرِ شَدِيدَ الْخَلْقِ، وَنَظَرْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَلاَ أَنْظُرُ إِلَى إِرْبٍ مِنْ آرَابِهِ، إِلاَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ مِنِّي، كَأَنَّهُ صَاحِبُكُمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه اللام: سَلِّمْ عَلَى مَالِكٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ".
وروى الحاكم في مستدركه -وصحَّحه الألباني- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المسجد الأقصى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ. قَالُوا: أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لأَصُدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ؛ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ. فَلِذَلِكَ سُمَيَّ أبو بكر الصديق".
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، قَالَ: "هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ"، قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ}، قَالَ: "هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ".
من مجموع الروايات السابقة نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر الناس في اليوم التالي للإسراء والمعراج بما تمَّ له في الإسراء دون المعراج، ومع ذلك كان الأمر فتنة كبيرة للناس، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام الحجَّة البالغة على صدق كلامه؛ فإضافة إلى إخباره بأمر العير وما حدث معها، فإنه شرح للناس شكل المسجد الأقصى وصورته، ووصف تفصيلات لا يعرفها رجل لم يَزُرْ هذا المكان البعيد.
وقد أكَّد العارفون بالمسجد الأقصى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك أكَّدت القافلة كلامه عندما قدمت في الموعد الذي حدَّده، وبالوصف الذي وصفه. لقد كان الأمر في غاية الوضوح لكل عاقل؛ ومع ذلك فقد انقسم الناس تجاه هذه المعجزة الظاهرة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هو قسم الكفار؛ الذين ازدادوا كفرًا بعد رؤية الآيات الباهرات، فزادت المعجزة الجديدة من حقدهم وحسدهم، فقلبوا الأوضاع دون حياء؛ فاستخدموا الآية العظيمة في تنفير الناس وإبعادهم عن دين الله، وكان على رأس هؤلاء أبو جهل؛ الذي حرص على جمع الناس ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بحقٍّ فرعون هذه الأُمَّة، وفعل كما فعل فرعون عندما جمع الناس ليروا معجزة العصا واليد لموسى عليه السلام؛ ظنًّا منه أن هناك فرصة للانتصار على الإيمان، وعندما ظهرت المعجزة كذَّب وعصى! هكذا فعل أبو جهل تمامًا! لم يكتفِ بالتكذيب؛ إنما جمع الناس، وسار بينهم يُشَوِّش على المعجزة الظاهرة؛ بل أخذ يسخر في سطحية بالغة لا تتناسب مع مكانته كزعيم لمكة؛ ولكن هكذا عندما يُحارِب الكبراءُ دينَ الله يأبى الله إلا أن يُظهرهم في هذا المظهر التافه! كان هذا هو القسم الأول من أهل مكة.
القسم الثاني: هم قلَّة؛ ولكنها قلَّة مؤسفة! إنها مجموعة من المسلمين الذين لم يستوعبوا المعجزة، فارتدوا بعد إيمانهم كفارًا؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90]، ويبدو أن هؤلاء كانوا حديثي الإسلام، أو أنهم اعتنقوا الدين قناعةً بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، أو انبهارًا بشيء معين رأوه في الإسلام أو الصحابة؛ ولكنهم لم يؤمنوا على وجه الحقيقة بقدرة الله تعالى وقوته، وإلا فإن هذه الرحلة ما هي إلا آية من آيات العزيز القدير، ولو قدروا لله قَدْره ما تركوا الإسلام قط؛ بل والله لازدادوا له تقديرًا وحبًّا؛ قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{ [الزمر: 67]. والذي يدعونا إلى افتراض أنهم قلَّة، وأنهم من حديثي الإسلام، أننا لا نعرف أسماء أحدٍ منهم، ولو كانوا من القدامى لاشتهروا وعُرِفوا، ولو كانوا كثرة لأحدثوا هزَّة في مكة، وهذا لم يحدث، كما أن الكفار لم يذكروا أمرهم، ولم يُعَيِّروا المسلمين بهم، وهذا كله يُثبت أن قصتهم كانت قصة عابرة غير مؤثِّرة في مسار الدعوة.
القسم الثالث: هو قسم المؤمنين الذين ازدادوا إيمانًا برؤية هذه المعجزة الباهرة، وكان على رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بموقفه الشهير، الذي عَبَّر فيه عن حقيقة الأمر عند المؤمنين. إن بيت القصيد في فهم الإسلام هو أن تؤمن بوحدانية الله وقدرته وعظمته وحكمته وكل صفاته، وكذلك أن تؤمن بالرسول العظيم صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله ليُقيم حجَّته سبحانه على خلقه؛ عن طريق المعجزات والآيات التي لا تقبل شكًّا ولا ريبًا، ويدعوهم إلى الإيمان به سبحانه وتوحيده، ويُعَلِّمهم كيف يعبدونه ويُقَدِّسونه؛ هذه هي الحقيقة المجرَّدة، فمن لم يؤمن ابتداءً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم لن يقبل بالتبعية تشريعات الإسلام وقوانينه؛ ومن هنا كان مفتاح الدخول إلى هذا الدين هو قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. هذا القسم من أهل مكة ازداد قناعة بهذا الدين العظيم، الذي كثرت الأدلَّة على صدقه وحقيقته، وازدادوا حبًّا لرسوله المكرَّم صلى الله عليه وسلم بعد أن عرفوا مكانته عند ربِّ العالمين، كما ازدادوا إيمانًا بالغيب بعد أن رآه الرسول المُصَدَّق صلى الله عليه وسلم، وكذلك ازدادوا اشتياقًا إلى الجنة بعد أن حكى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها.
إن رحلة الإسراء والمعراج كانت كما لخَّصها الله تعالى في كلمات معدودات! قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]. كان الأمر إذن فتنةً واختبارًا، فمِن الناس مَنْ نجح وسبق، ومنهم مَنْ فشل وانتكس، والمُوَفَّق مَنْ وَفَّقَه الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.