توصف العلاقة بين جماعة الإخوان التي تأسست في مصر، وفرعها في تركيا، بالتاريخية، حيث تسعى طوال تاريخها إلى تحقيق حلم إحياء الخلافة الإسلامية، من خلال الشعارات الدينية والقنوات الفضائية كقناة الجزيرة القطرية، التي تروج للتنظيم، وتوطدت العلاقة أكثر بعد فوز محمد مرسي، بالانتخابات الرئاسية في يوليو عام 2012، حتى بعد عزل "مرسي" وإقصاء جماعة الإخوان عن الحكم، ظلت ولا زالت تركيا الداعم الأول للتنظيم الإرهابي. بداية العلاقات بعد إلغاء دولة الخلافة العثمانية، في تركيا، وإعلان الجمهورية، وتحديدًا في 1927، بدأ تاريخ العلاقة بين إخوان مصر وتركيا، حيث تأسست جمعية "الشبان المسلمين" في تركيا بهدف إعادة إحياء الخلافة العثمانية، وشارك في مؤتمرها التأسيسي آنذاك مؤسس جماعة الإخوان، حسن البنا.
فكان إيمان حسن البنا بضرورة إعادة الخلافة الإسلامية وتوحيد شعوب العالم الإسلامي تحت راية واحدة، هو الدافع الأساسي لتوجهه إلى تركيا، ولذلك فإن وهم الخلافة هو سر التقارب بين الإخوان وتركيا منذ النشأة وحتى الآن.
توطيد العلاقات وظلت العلاقة الأيديولوجية بين جماعة الإخوان وتركيا قائمة خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، بجهود مباشرة من قبل السكرتير الشخصي لحسن البنا، سعيد رمضان.
هذا ويرى الإخوان المسلمين، تركيا محطة من المحطات الهامة للجماعة بعد الحملة الواسعة عليهم عقب محاولة اغتيال الرئيس السابق جمال عبد الناصر عام1954، وكان سعيد رمضان صاحب الدور الأكبر في نشر الأفكار الإخوانية في تركيا من خلال مشاركته في العديد المؤتمرات التي عمل من خلالها على توثيق الصلة بالمثقفين الإسلاميين بتركيا.
التغلغل الفكري للجماعة وفي عهد عدنان مندريس الذي ترأس الحكومة التركية ما بين عامي 1950- 1960، بدأ التغلغل الفكري للجماعة داخل المجتمع التركي الذي كان يعاني من تاريخه العثماني ذو الأصول الإسلامية وبين علمانية الجمهورية الجديدة.
وبدأ بعض السياسيين الأتراك في الإفصاح عن ميولهم الإسلامية ومحاولتهم الاستفادة من المكانة وبالشعبية للإسلام هناك في تقديم أفكارهم الإخوانية، تحت مظلة مندريس ذو التوجهات الإسلامية، والذي لم يستطع الصمود طويلًا أمام مدافعو العلمانية بتركيا.
وبحلول العقد الثامن من القرن الماضي ظهر جيل من السياسيين الأتراك أخذوا علانية في تحدي النخبة العلمانية الحاكمة لبلادهم والمناداة بعودة القيم الإسلامية إلى تركيا، والتي كان أشهرها نجم الدين أربكان.
ازدهار العلاقات ومع قدوم رئيس الوزراء التركي الأسبق، نجم الدين أربكان، معلم وقدوة إردوغان، ازدهرت العلاقات بين الجماعة وتركيا، إذ تحالف أربكان مع الحركة النورسية، التي كانت تتبنى فكر الإخوان، ما اتضح في العديد من المواقف التاريخية، مثل ما شهده المؤتمر الشعبي الذي عقده أربكان بمدينة إسطنبول عام 1998، لإحياء الذكرى السنوية لفتح المسلمين مدينة "القسطنطنية".
حيث وقف إلى يساره على المنصة، زعيم جماعة الإخوان في باكستان، قاضي حسين أحمد، بينما على يمينه وقف كل من المرشد الأسبق لجماعة الإخوان، مهدي عاكف، ونجل مؤسس الجماعة، سيف الإسلام حسن البنا.
وفي عهد أربكان، استضافت تركيا، العديد من المؤتمرات الشبابية التابعة لجماعة الإخوان، وذلك تحت إشراف مهدي عاكف، وقيادي الجماعة جمعة أمين عبدالعزيز، إذ كانت تهدف تلك المؤتمرات إلى تغلغل أفكار ورسائل حسن البنا داخل المجتمع التركي.
دعم "أردوغان" للإخوان ورغم ابتعاد أربكان، عن الساحة السياسية، وظهور رجب طيب أردوغان، إلا أن علاقة تركيا، بإخوان مصر، استمرت على نفس النهج، واتضح ذلك بعد فوز محمد مرسي، الرئيس الأسبق لحزب الحرية والعدالية، بالانتخابات الرئاسية في مصر، فضلًا عن تبادل زيارات قادة الجماعة في كلا البلدين.
وهنا نجد التلاحم جليّاً بين أعضاء هذا التنظيم الدولي للإخوان، فأردوغان ينتمي إلى حزب "التنمية والعدالة"، ومرسي ينتمي إلى حزب "الحرية والعدالة"، وكلاهما مؤمن بمنهج الحزب الإخواني الذي يعتمد على الولاء للحزب على حساب الوطن.
واتضح كذلك هدفه لإحياء الخلافة الإسلامية، الذي يمثل الحلم الإخواني، خلال المؤتمر الشعبي الذي عقده عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية التركية، معتبرًا فوزه انتصارًا لكل من إسلام أباد، وكابول، وبغداد، وبيروت، والبوسنه، ما اعتبره البعض إشارة ضمنية لحدود الخلافة المنشودة.
كما أعلن إردوغان بشكل صريح استضافة بلاده للقيادات الإخوانية السبعة، التي أعلنت قطر عدم الرغبة في وجودهم على أراضيها، إذ استقبلت مدينتي أنقرةوإسطنبول 4 منهم على الأقل، كما تستضيف إسطنبول "المجلس الثوري المصري"، برئاسة مها عزام، وهو المجلس الممثل لجماعة الإخوان في تركيا.
مقاطعة العلاقات عقب عزل الإخوان أما بعد أحداث 30 يونيو التي عُزل فيها محمد مرسي، بدأت تركيا في وضعٍ شرس مع المتغيرات حيث رفضت هذه الثورة وتمسكت بمصطلح "الشرعية" الذي روّج له إخوان مصر، وقطعوا التعاون مع أي نظام في مصر سوى نظام مرسي.
وبالفعل، شهدت العلاقات بين البلدين تدهورًا على خلفية الموقف التركي الداعم لجماعة الإخوان المسلمين، ورفضها لنتائج ثورة 30 يونيو، مما أدى إلى طرد السفير التركي في القاهرة للمرة الثالثة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
وتعمد أردوغان وصف ما حدث ب"الانقلاب العسكري"، ووجه انتقادات لمن يسانده.. وقد تكرر ذلك في لقاءاته وخطاباته وتعليقاته سواء في لقاءات عامة أو حزبية أو إعلامية، وكان أول هذه المواقف وضوحا في 12 يوليو 2013 في كلمته بمركز "القرن الذهبي" للمؤتمرات باسطنبول، ضمن حفل لحزبه العدالة والتنمية، وأكد في كلمته أن ما حدث في مصر "انقلاب عسكري استهدف إرادة الشعب المصري وحقه الديمقراطي".
واستمر "أردوغان" في انتقاد النظام المصري بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث قال في خطابه بالأممالمتحدة، في 25 سبتمبر 2015، واعتباره أن "الأممالمتحدة تقوم بدعم الانقلابيين العسكريين، وتقف ضد الذين انتخبوا بشكل حر وديمقراطي".
وكرد فعل على كلمة أردوغان قرر سامح شكري، وزير الخارجية، إلغاء المقابلة الثنائية، التي كان قد طلبها وزير خارجية تركيا معه على هامش أعمال الشق الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأصدرت وزارة الخارجية بيانًا استنكرت خلاله كلمة الرئيس التركي، واتهمته ب"دعم الإرهاب".
كما تطاول أردوغان، على "السيسي"، عندما صرّح أمام المنتدى الاقتصادي العالمي بأنه "لم يستطع أخذ صور مع الانقلابيين في الأممالمتحدة"، وفي رد فعل سريع أصدرت وزارة الخارجية بيانًا شديد اللهجة، قالت فيه إن "كلمة أردوغان استمرار لمسلسل الشطط والأكاذيب التي يرددها الرئيس التركي حول الأوضاع في مصر".