تاريخ جماعة الإخوان في تركيا لا ينطوي على سنوات حكومة «العدالة والتنمية» الراهنة، بل يمتد إلى تاريخ تأسيس الجماعة في مصر قبل نحو تسعة عقود، وكانت أزهي عقود التقارب والتعاون بين الجماعة في مصر والقيادات بتركيا في عهد رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، وفي عهد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان. كان حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان عام1928 دائما ما ينظر إلى تركيا بكونها دولة الخلافة، ومصدر حماية وجمع شتات الأمة الإسلامية، والأمل في إعادة فكرة الخلافة الإسلامية التي طالما ناشدت بها قيادات الجماعة، وذلك ما يفسر سر حرص الجماعة توطيد علاقاتها مع مسؤولي تركيا. أحزاب ب «فكر إخواني» مع بداية حقبة الخمسينيات من القرن الماضي شهدت تركيا الإعلان عن بعض الأحزاب السياسية ذات منهج وفكر منبثق عن جماعة الإخوان، ورغم أنها لم تعلن ذلك صراحة إلا أن التقارب في العلاقات والأفكار تكشف عكس ذلك. -الحزب الديمقراطي دشن عدنان مندريس مع مجموعة من أصدقائه حزب «الديمقراطي»، وفاز حزبه بالأغلبية وشكل الحكومة في عام 1950، وأصبح رئيسا للوزراء لمدة عشر سنوات، حتى تم الانقلاب عليه وإعدامه بتهمة محاولة الاعتداء على علمانية الدولة. ووضع مندريس منهجا سياسيا يتبعه الآن جماعة الإخوان في اليمن وتونس وليبيا وتركيا نفسها، أتبعوه من قبل في مصر لكن لم يستطيعوا إكماله. -النظام الوطني يعد حزب «النظام الوطني» أول حزب تركي يُنشأ بشكل واضح على منهج جماعة الإخوان، تأسس عام 1970 برئاسة أربكان تلميذ الحركة النورسية وهي جماعة منهجها مثل منهج الإخوان، وتدرس رسائل الإمام البنا وكتب الإخوان المسلمين. والهوية الإسلامية الواضحة للحزب دفعت إلى حله بقرار قضائي بعد تسعة أشهر من تأسيسه، نتيجة ضغوط القوى العلمانية آنذاك وأطلق أربكان شعار: «الوحدة الإسلامية هي الحل» بما يتشابه مع شعار جماعة الإخوان «الإسلام هو الحل». -حزب السلامة يصف المحللين حزب السلامة الذي تأسس عام 1972 بأنه «الذراع الأقوى لجماعة الإخوان في تركيا»، إذ تبنى مبادئ الإسلام في سياسته، وكان حظ هذا الحزب أفضل من سابقيه قليلا، إذ تمكن من تشكيل ائتلاف حكومي فاز بسبع وزارات عام1973، وسقطت هذه الحكومة بعد نحو عشرة أشهر، ما دفع الحزب إلى تشكيل ائتلافا جديدا مع أحزاب أخري، واستمر في التواجد على الساحة السياسية بتركيا حتى عام1980، حيث تم إيداع قيادته السجن وتم حله. -حزب الرفاه استكمالا لمسيرة الأحزاب السابقة، أسس أربكان حزب الرفاه عام 1983. وخاض الحزب انتخابات البلدية والتشريعية منذ تأسيسه وحقق تقدماً ملحوظاً. وفاز الحزب عام 1994 في أكثر من 400 بلدية داخل تركيا، و158 مقعدا بالبرلمان، وفي العام التالي تولي أربكان رئاسة الحكومة، وأصدر العديد من القرارات الداعمة للتوجه الإسلامي، مثل إصدار عفوا سياسيا بشأن الإسلاميين، وبناء الكثير من المساجد، وتشكيل إدارة للأوقاف الإسلامية، والدعوة إلى إلغاء الربا والعودة إلى الحروف العربية بدلا من اللاتينية وتأسيس العديد من مدارس الأئمة. كما شكل مجموعة الثماني الإسلامية، التي تضم أكبر سبع دول إسلامية: إيران، باكستان، إندونيسيا، مصر، نيجيريا، بنجلاديش وماليزيا، فضلا عن تركيا. وعقد مؤتمرا عالميا يضم قيادات العمل الإسلامي، بمشاركة قيادات إخوانية بارزة آنذاك. وتم حظر نشاط الحزب عام 1998 بزعم محاولة أربكان انتهاك مواثيق العلمانية المنصوص عليها دستوريا، وفُرض حظرا قضائيا بمنع مزاولة أربكان النشاط السياسي داخل تركيا خمس سنوات. -حزب الفضيلة حزب الفضيلة يعد وليد حزب الرفاه، ذو توجهات إسلامية، وكانت نهايته مماثلة لنهاية الأحزاب السابقة، تأسس في ديسمبر 1998، وبعد ثلاث سنوات تم حظره دستوريا، ووقف نشاطه لاتهامه بتبني سياسات هادفة لإعادة الخلافة الإسلامية وتهديد العلمانية. وكان عبدالله جول ورجب طيب أردوغان من أبرز الرموز الشبابية بالحزب. وتأكد جيل الشباب الحزبي من حاجة الحركة الإسلامية لإعادة ترتيب أوراقها بما يناسب الحالة التركية، وعليه أسسوا حزب «العدالة والتنمية»، بينما أسس شيوخ حزب الفضيلة المحظر حزبا جديدا باسم «السعادة» وفق نهج وفكر أربكان. -حزب السعادة رغم كونه استمرار ووليدا جديدا لمسيرة أربكان الحزبية، إلا أنه لم يحقق نجاحا أو انتشارا داخل المجتمع التركي، تأسس عام2002، وحصل على نسبة 2.5 بالمئة بالانتخابات البرلمانية آنذاك، و4 بالمئة من انتخابات البلدية، وهي النسبة الأكبر لمسيرة الحزب حتى الآن. وترأس أربكان الذي لُقب بزعيم التيار الإسلامي السياسي، حزب السعادة ما بين عامي 2003 و2007. العدالة والتنمية حزب العدالة والتنمية هو الحزب رقم 193 في الحياة السياسية التركية. ويعد امتدادا فكريا لجماعة الإخوان المسلمين على الرغم من نفيه أن يكون حزبا إسلاميا، ويصف نفسه بالحزب المحافظ. تأسس عام2002، بزعامة رجب طيب أردوغان. وكانت بداية الحزب قوية، إذا فاز ب363 مقعدا في أول انتخابات برلمانية خاضعها، وتواصلت نجاحاته السياسية داخل المجتمع التركي وفقا لنتائج مختلف الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية التي خاضها الحزب. ويحكم الحزب تركيا منذ اثني عشر عاماً ويمسك بمفاصل الدولة. وقال الكاتب والمفكر التركي جنكيز تشاندار، إن «الساسة والأكاديميون بتركيا يرون أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم يمثلان فرع جماعة الإخوان في تركيا». وأوضح الدكتور عمارة أن «العدالة والتنمية تبنى الفكر البراجماتي، بما يحافظ على المشروع الإخواني الدولي من خلال استقطابه للقاعدة الإسلامية العريضة في تركيا».