تاريخ جماعة الإخوان في تركيا لا ينطوي على سنوات حكومة «العدالة والتنمية» الراهنة، بل يمتد إلى تاريخ تأسيس الجماعة في مصر قبل نحو تسعة عقود، وكانت أزهي عقود التقارب والتعاون بين الجماعة في مصر والقيادات بتركيا في عهد رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، وفي عهد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان. كان حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان عام1928 دائما ما ينظر إلى تركيا بكونها دولة الخلافة، ومصدر حماية وجمع شتات الأمة الإسلامية، والأمل في إعادة فكرة الخلافة الإسلامية التي طالما ناشدت بها قيادات الجماعة، وذلك ما يفسر سر حرص الجماعة توطيد علاقاتها مع مسؤولي تركيا. «الخلافة».. بداية العلاقات كان إيمان حسن البنا بضرورة إعادة الخلافة الإسلامية وتوحيد شعوب العالم الإسلامي تحت راية واحدة، هو الدافع الأساسي لتوجهه إلى تركيا. ويقول الدكتور محمد عمارة في مقالا له بموقع «بوابة الحركات الإسلامية»، إن وهم الخلافة هو سر التقارب بين الإخوان وتركيا منذ النشأة وحتى الآن. ويوضح عمارة، أن الإخوان المسلمين يرون تركيا محطة من المحطات الهامة للجماعة بعد الحملة الواسعة عليهم عقب محاولة اغتيال الرئيس السابق جمال عبد الناصر عام1954، وكان سعيد رمضان صاحب الدور الأكبر في نشر الأفكار الإخوانية في تركيا من خلال مشاركته في العديد المؤتمرات التي عمل من خلالها على توثيق الصلة بالمثقفين الإسلاميين بتركيا. وفي عهد عدنان مندريس الذي ترأس الحكومة التركية ما بين عامي 1950- 1960، بدأ التغلغل الفكري للجماعة داخل المجتمع التركي الذي كان يعاني من تاريخه العثماني ذو الأصول الإسلامية وبين علمانية الجمهورية الجديدة. وبدأ بعض السياسيين الأتراك في الإفصاح عن ميولهم الإسلامية ومحاولتهم الاستفادة من المكانة وبالشعبية للإسلام هناك في تقديم أفكارهم الإخوانية، تحت مظلة مندريس ذو التوجهات الإسلامية، والذي لم يستطع الصمود طويلا أمام مدافعو العلمانية بتركيا وبحلول العقد الثامن من القرن الماضي ظهر جيل من السياسيين الأتراك أخذوا علانية في تحدي النخبة العلمانية الحاكمة لبلادهم والمناداة بعودة القيم الإسلامية إلى تركيا، والتي كان أشهرها نجم الدين أربكان. -معسكرات إخوانية وعن مدى التواجد الفعلي لجماعة الإخوان في تركيا خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، قال الكاتب التركي والصحفي المختص في شؤون الشرق الأوسط فائق بولوت، إن تركيا استضافت عناصر تابعة لجماعة الإخوان داخل أراضيها في المناطق الحدودية مع سوريا، وخاصة في مدن مرسين وجيلانبينار وإسكندرون ويالوفا، ووفرت لهم أماكن إيواء ومعسكرات للتدريب على حمل السلاح ودعم لوجيستي وسهلت تحركاتهم وعبورهم الحدود الجنوبية بهدف التجسس ورصد أنشطة منظمة حزب العمال الكردستاني. وبسبب الضغوط الحكومية على قيادات الإخوان في سوريا اضطر البروفيسور السعودي من الأصول السورية محمد محمود الصواف، إلى اللجوء إلى تركيا برفقة عدد آخر إلى مدينة يالوفا التركية ما بين عامي 1982-1986 هربا من حافظ الأسد. وهناك رسخوا تواجد جماعة الإخوان داخل الأراضي التركية. -الإخوان في تركيا تضم تركيا على أراضيها العديد من العناصر والقيادات الإخوانية سواء الهاربة إليها من مصر وبعض الدول العربية أو القيادات المستبعدة من قطر في سبتمبر 2014، وترتكز معظم هذه العناصر في مدينة إسطنبول. كما تستضيف إسطنبول برلمان الإخوان «الموازي» الذي شكله عدد من أعضاء البرلمان السابقين المنتمين إلى جماعة الإخوان، وفي ديسمبر 2014 أعلن الإخوان تنصيب القيادي الإخواني السابق بحزب غد الثورة ثروت نافع رئيسا للمجلس المزعوم، والقيادي جمال حشمت ونائب رئيس حزب الوسط حاتم عزام وكيلين. ويجتمع على الأراضي التركية القيادات الاخوانية السبع المستبعدة من قطر قبل عامين وهم الأمين العام للجماعة محمود حسين ووزير التعاون الدولي السابق عمرو دراج، والداعية الإسلامي وجدي غنيم، والقيادي في الجماعة وكيل وزارة الأوقاف السابق الدكتور جمال عبد الستار، والمتحدث باسم حزب «الحرية والعدالة» حمزة زوبع، وعضو الجماعة عصام تليمة، وعضو الهيئة العليا لحزب «الحرية والعدالة» أشرف بدر الدين. ومن أبرز الأسماء المنتمية إلى جماعة الإخوان والمقيمة حاليا بتركيا نائب المرشد العام لجماعة الإخوان محمود عزت، ووزير الإعلام السابق صلاح عبدالمقصود، ونائب رئيس حزب الوسط محمد محسوب، فضلا عن قيادات الجماعة مجدي سالم وخالد الشريف ومراد غراب وأشرف عبدالغفار، فضلا عن بعض القيادات السلفية التابعة للتيار الإسلامي الهاربة مثل البرلماني السابق ممدوح إسماعيل، وإيهاب شيحة، والإعلامي معتز مطر، وباسم خفاجي. -التأثر التركي بالإخوان حول مدى تأثر المجتمع التركي والساسة بالفكر الإخواني والجماعة في مصر، يوضح الكاتب السوري عبد القادر عبد اللي المتخصص في الشأن السياسي والثقافي التركي، أن «الإخوان المسلمون وأنصارهم في البلاد العربية يقدمون تجربة العدالة والتنمية الناجحة، وخاصة إذا ما قورنت بالتجارب السياسية والاقتصادية في العالم الثالث على أنها تجربة إخوان مسلمين، وهم سيحققون ما حققه هذا الحزب». وحول حقيقة العلاقة بين جماعة الإخوان والحزب الحاكم بتركيا حاليا، يقول الكاتب السوري: «المعروف أن حزب العدالة والتنمية تشكّل من انشقاق كبير داخل حزب الرفاه الذي كان يُتهم أيضاً بأنه عضو في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.. لعل اسم (العدالة والتنمية) من أكبر نقط التشابه بين الحزب التركي والإخوان المسلمين». وشدد البرلماني التركي خالوق اوزدالجا على أن «حزب العدالة والتنمية الحاكم استند في تحديد سياساته الخارجية بمنطقة الشرق الأوسط وفقا لوضع جماعة الإخوان، وتعد هذه أيديولوجية الحزب في المقام الأول قبل المصالح القومية لتركيا». وكشف الكاتب وعالم الاجتماع التركي علي بولاج المستشار السابق للرئيس التركي أردوغان، أن «الآمال العثمانية هي سر دفاع تركيا عن جماعة الإخوان»، مضيفا «عندما فاز الإخوان بالانتخابات الرئاسية في مصر، بدت آمال الامبراطورية العثمانية الجديدة، تتحقق لتنضوي تحتها كل دول المنطقة». وقال الكاتب والصحفي التركي توران كشلاكجي، والمدير العام لقناة تي آر تي العربية، إن «جماعة الإخوان المسلمين دافعت عن العثمانية وتركيا»، وذلك في حوار صحفي أجراه مع وكالة الأناضول، مشيرا إلى أن الربيع العربي عزز العلاقات بين الحكومة التركية وجماعة الإخوان. ويقول الكاتب السعودي شتيوي الغيثي: «كل ما في الأمر هو تواصل إسلامي عادي. وعلاقة التنظيمات الإسلامية في تركيا بالإخوان يعد كتأثير في تدارس كتب رسائل البنا دون تأثير مباشر لأحد قياديي الإخوان كما حصل في الخليج». وأضاف: «برأيي أن العلاقة عائدة إلى نوع من التأثير والتأثر الذي يحصل في كل المناحي الفكرية دون الاتصال المباشر ودون الإملاءات الفكرية أو الحزبية بين الطرفين كما هو الوضع في إخوان الخليج الذين ينفي كثير منهم إخوانيتهم في حين لا ينفون صلتهم الفكرية أو الوجدانية بهم». ويؤكد الكاتب السعودي ناصر الحجيلان (صحيفة الرياض)، أن بوادر النهج الإخواني ظهرت جليا بتركيا عقب أحداث ميدان تقسيم في مايو 2013، إذ تم مصادرة الآراء واتهام المعارضين. وعقب أحداث 30 يونيو في مصر «نجد التلاحم جليّاً بين أعضاء هذا التنظيم الدولي للإخوان وتركيا، فأردوغان ينتمي إلى حزب التنمية والعدالة، ومرسي ينتمي إلى حزب الحرية والعدالة، وكلاهما مؤمن بمنهج الحزب الإخواني الذي يعتمد على الولاء للحزب على حساب الوطن».