■ تهديدات لسائقى العريش بعدم توصيل أقباط.. ومصادر: المعلومات يعرفها الإرهابيون من أهالى بالمدينة عشية الخميس الماضى، ناقش وديع إبراهيم، 57 عاماً، موظف بالمعاش، مع زوجته وأولاده الثلاثة قرار الرحيل عن منزلهم بحى المساعيد بمدينة العريش، اتفقوا على أن البقاء يعنى الفناء. لم يكن أمام الأسرة حل، سوى الرحيل المؤلم عن مكان بناه بعرقه ودمائه قبل ثلاثين عاما، ودعوا المكان واستنشقوا الأنفاس الأخيرة من عبيرها، كان الفراق قاسيا، وتلخصت لحظات السعادة الوحيدة فى البقاء على قيد الحياة، قبل بدء رحلة آلام جديدة، قاسية عاشتها الأسرة فى ساعات النزوح. لم تعلم الأسرة كيف ستنفد مخطط الرحيل، وبات فى نفوسهم أمل أخير صامت، وحلم بالعودة إلى الديار، وطنهم الصغير.. فى وقت لا يعلمه إلا الله.. لكن العزاء الوحيد هو سلامة العائلة. 1- رحيل بقرار أمنى فى ساحة الكنيسة الإنجيلية بمحافظة الإسماعيلية، جلس وديع، مرتدياً سترة صوف بنية اللون، وفى يده مظروفاً بلاستيكياً أخضر، قال إن به "حجة المنزل" وبطاقته الشخصية، وشهادات ميلاد العائلة، وإلى جواره زوجته مريم، ربة المنزل التى تبلغ من العمر 50 عاماً، تحتضن حقيبة يد سوداء "مهلهلة"، وحولهما يجلس أبناؤها، وفى يد كل منهم كيس بلاستيكى، يبدو أنه يحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه من بقايا حياتهم بالعريش. وصلت الأسرة إلى الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية مساء الجمعة، وعلى وجوههم حالة حزن ووجوم تام، فراراً من بطش ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، الذى قتل بالعريش ما يزيد على 7 مواطنين أقباط، خلال الأسبوعين الماضيين. يلتقط وديع أنفاسه، ويقول مرهقاً: "لم أتخيل أننى سأعيش إلى اليوم الذى أضطر فيه لترك العريش مرغماً، لكن هذا ما حدث"، وأضاف: إن "أبونا" أبلغنى بوجوب الرحيل، وعدم المبيت فى المنزل يوم الجمعة، فجمعت أفراد أسرتى وأبلغتهم، بأن رسالة أبونا كانت واضحة، بضرورة الرحيل عن العريش بأى شكل، وفى موعد أقصاه فجر الجمعة. وقال: فى البداية دخلت مع "أبونا" فى جدال، فحواه أننى لا يمكن أن أترك منزلى، وإن أرد الإرهابيون أن يقتلونا فنحن فداء المسيح وديننا، لكن "أبونا" حسم الأمر بإصراره على أن نرحل، وبعد نقاش داخل الكنيسة قال لى "الأمن أرسل إليه بصفته مطران الإقليم، وأكبر قيادة كنسية، والمسئول عن كنائس المحافظة، بأن يقوم بحث الأقباط على الرحيل عن المدينة، لأن حياتهم أصبحت غير آمنة، ومهددة بشكل غير مسبوق. وأضاف وديع: "أبونا" قال لي: "لو ليك أهل خارج العريش، اذهب إليهم حتى تهدأ الأوضاع"، وعندما أخبرته بعدم وجود أقارب يمكننى الذهاب إليهم، قال: اذهبوا إلى الإسماعيلية، وهناك سوف تستقبلكم الكنائس، وستوفر لكم الدولة سبل السكن والمعيشة. وأشار إلى أن عشرات الأقباط فروا من العريش خلال الأسبوع الماضى، إلى عدد من المحافظات، فى مقدمتها محافظة أسيوط، الموطن الأصلى للكثيرين منهم، فيما ذهب آخرون إلى محافظة الشرقية. تدخلت مريم، لتقول: "لم يكن لدى مشكلة فى البقاء بالعريش، ووافقت على الرحيل خوفاً على ابنى البكر، الإرهابيون يدخلون المنازل ليقتلوا الأب والابن البكر، ثم يخرجون النساء منها، ويحرقون المنزل والجثث. وتضيف: إنها لم تسمع بذلك طوال حياتها ولم تتخيل أبداً أن أناساً يمكنهم أن يقدموا على تلك الأفعال الوحشية، وأشارت إلى قصة من الكتاب المقدس فى سفر الخروج، عندما أخرج فرعون بنى إسرائيل من مصر. 2- العالقون.. عشرات تحت الحصار تمكنت أسرة وديع من الفرار، إلا أن العشرات لم يتمكنوا من ذلك، مثل "أبو مينا"، الذى يعيش فى أحد الأحياء الفقيرة بمدينة العريش، وأكد ل "الفجر" عبر الهاتف، أنه يعيش فى منزل غير منزله، مع أحد أصدقائه المسلمين، ولا يخرج هو أو أى من أفراد أسرته مطلقاً، خوفاً على حياتهم. ويضيف أبو مينا، عامل بناء، 45 عاماً، أن الوضع الأمنى فى الحى الذى يعيش فيه حالياً، رغم أنه يعد أحد الأحياء العشوائية، إلا أنه أفضل كثيراً عن الوضع الأمنى فى المدينة، وقال: "أعيش مع زوجتى وابنى فى غرفة لا تتعدى مساحتها الثلاثة أمتار، لكن بها سريرًا، وأغطية تحمينا من البرد القارس. وأوضح أن ما منعه من الرحيل هو قلة المال، مؤكداً أنه يتدبر الأمر حالياً وسوف يرحل فى أقرب فرصة، وأشار إلى أن صديقه هو من ينفق عليه وعلى أسرته حالياً: "لا أعلم إلى متى، قمت ببيع قرط زوجتى، وأعطيته ثمنه لينفق منه، فهو أيضاً لا يملك الكثير من المال". يؤكد أبو مينا أيضاً، أنه ليس الوحيد الذى لم يتمكن من الخروج، وأن هناك العديد من الأسر ببعض القرى لم تتمكن من الرحيل، وتلك الأسر ليس لها علاقة بالكنيسة، وغير معروفين للآباء الكهنة. تمكنت "الفجر" من التحدث هاتفياً مع "نورا" - اسم مستعار- بعد أن تحدثت مع إحدى صديقاتها التى تمكنت من الهرب مع زوجها إلى الإسماعيلية، ويقيمان حالياً بمدينة المستقبل، لتطالبها بأن تخبر أحد الآباء الكهنة بإرسال مال لها حتى تتمكن من الرحيل عن العريش. قال "نورا" وهى ربة منزل فى عقدها الرابع: "لا أستطيع الخروج من المنزل، ولا أستطيع فتح الباب لمن يطرق، جارتى تجلب لى الخضار من السوق، بعد أن اتفقت معها على طريقة معينة تطرق بها الباب. 3- الواشون.. وجواسيس الإرهابيين يظل السؤال المحير لدى العديد من أقباط العريش، هو كيفية وصول الإرهابيين إليهم، حيث أكد عدد منهم أن المسلحين يقصدون منازل الأقباط، ولا يخطئون فيمن يقع الاختيار عليه، وأوضحوا أن الإرهابيين ليسوا من أهالى العريش، فكيف يعرفون هوية ومنازل من بها بكل دقة؟! أكد مصدر أمنى بالعريش، أن الإرهابيين نجحوا فى تجنيد عدد من الأهالى، مقابل المال، والبعض الآخر قبل بالتعاون معهم مقابل بقاءه حياً. وأضاف المصدر: الإرهابيون نشروا قائمة بالأقباط المستهدفين على الإنترنت، وتشمل عناوينهم وعدد أفراد أسرهم، وعملهم، ومعلومات لا تتوافر إلا لأناس مقربين أو من أهل البلد. وأشار المصدر إلى أن هناك صفحة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، تدعى "رصد" - نفى المصدر أن تكون شبكة رصد التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وأنها مجرد تشابه فى الأسماء- يقوم الإرهابيون من خلالها بتداول عناوين الأقباط، وصورهم أثناء سيرهم فى الشارع، وبعض المعلومات حول أماكن تجمعهم، ومكان عملهم، ومن ثم يسهل استهدافهم. 4- العبور.. تفاصيل الرعب فى كنيسة الأنبا أنطونيوس، بالإسماعيلية يجلس رامى، 30 عاماً، بجواره والده المسن، ووالدته، وأبنائه الثلاثة، أكبرهم أبانوب 9 سنوات، وذهبت زوجته لاستلام الوجبات الغذائية من المسئولين عن الإعاشة بالكنيسة . تعيد والدة رامى، وهى مسنة فى العقد السادس من عمرها، ترتيب وشاحها الأسود المُترب والمهترئ حول رأسها، تلتقط أنفاسها، ثم تمسك بحفيدتها الرضيعة التى تصرخ منذ وصولهم، رغم أن الإرهاق تغلب على شقيقها الأكبر منها، وأسلمهما للنوم العميق. تقول أم رامى إنهم استغرقوا ما يقرب من خمس ساعات للوصول إلى الكنيسة، "الطريق كان وعرا،ً وكان يتم توقيفنا فى الكمائن التى نصبها الجيش على طول الطريق إلى الإسماعيلية". وأضافت: عندما وصلنا إلى القنطرة، شعرت أننا أصبحنا فى أمان، كنا نصلى طوال الطريق، كى لا يخرج علينا أحد المسلحين، لقد عشنا شهراً أليماً، لم نكن ننام، كنا نخشى بكاء الأطفال، حتى لا يستدل الإرهابيون منه بأننا ما زلنا فى المنزل. وقال رامي: "كانت الرحلة مرعبة، العثور على مواصلات للإسماعيلية شبه مستحيل، العديد من السائقين رفضوا توصيلنا، خوفاً على حياتهم، ولهم كل الحق". وأضاف: الإرهابيون قاموا بتوزيع ورقة على السائقين، تؤكد أنهم سيقتلون من يقوم منهم بتوصيل أقباط، وسوف يحرقون سيارته. ينزع رامى سترته الصوف السوداء لتغطية طفليه النائمين، ثم يستكمل حديثه قائلاً: إنه عقب فشلهم فى الحصول على وسيلة مواصلات فجر السبت، نجحوا بعد محاولات كثيرة فاشلة فى استئجار سيارة، تواصل معهم صاحبها سراً، واتفقوا على الرحيل مع انقضاء ساعات الحظر، وهو ما حدث. أيمن، 40 عاماً، سائق ميكروباص التقته "الفجر" على أحد المقاهى المجاورة لموقف العريشبالإسماعيلية، يأخذ قسطاً من الراحة، قبل أن يعود مرة أخرى إلى العريش. يقول أيمن: تلقيت تهديدات بالفعل، وعدد كبير من سائقى الميكروباص استجاب إلى تلك التهديدات، ورفض توصيل أقباط، لكنه لم يستطع ترك صديق عمره "عادل"، حائراً لا يجد من يوصله وعائلته إلى الإسماعيلية. وأضاف حذرنى عادل، خوفاً على حياتى، إلا أننى رفضت "عشنا 15 سنة، ويا نموت مع سوا، يا نعيش سوا". 5- خريطة توزيع الفارين كشفت مصادر مسئولة كنسية وحكومية، أن أعداد وخرائط توزيع الأقباط الذين فروا من العريش خلال الأيام القليلة الماضية، تم توزيعهم بين محافظاتالإسماعيلية، والجيزة، والقاهرة، وأسيوط، علاوة على محافظات وسط الدلتا. فى الإسماعيلية وزعوا على عدد من الأماكن، كان فى مقدمتها نُزل الشباب، التى استقبلت 45 أسرة بواقع 167 فرداً، فيما استقبل مركز تدريب المتدربين 23 أسرة، بواقع 74 فردا،ً واستقبل مركز القرش 17 أسرة بواقع 70 فرداً، واستقبلت مدينة المستقبل التى استأجرت الكنيسة عدداً من شققها 16 أسرة، بواقع 70 فرداً، واستقبلت بعض الأسر بشارع هدى شعرواى، أسرتين بواقع 28 فرداً، واستقبلت منطقة السلام 6 أسر، بواقع 22 فرداً، فيما استقبل شارع العشرين 5 أسر، بواقع 22 فرداً، علاوة على 6 أسر بواقع 25 فرداً بمناطق متفرقة بالمدينة. وأكدت المصادر أن ما يقرب من خمس أسر ذهبت إلى محافظة أسيوط، و6 أسر إلى محافظتى الجيزة والقاهرة، وعدد من الأسر التى يتم حالياً حصرها بدقة ذهبت إلى منطقة وسط الدلتا، ليبلغ عدد الفارين إلى ما يزيد على 600 فرد، بواقع 131 أسرة.