في مساء ثاني أيام الشهر الكريم، قام الدكتور محمد البرادعي بتأدية صلاة التراويح في مسجد الرفاعي بمنطقة القلعة بالقاهرة، ملتقياً بلفيف من الأزهريين ومشايخ الطرق الصوفية على رأسهم الشيخ أبو العزايم شيخ الطريقة الرفاعية، عقب اللقاء عقد مؤتمر صحفي، أكد خلاله على أن التعليم بمثابة الأولية لمصر في المرحلة القادمة، وإقامة نظام مدني ديمقراطي، مشدداً على ضرورة عودة الأزهر الشريف لدور في تمثيل وسطية الإسلام. وفيما يخص فض اعتصام التحرير بالقوة من جانب القوات المسلحة، قال البرادعي، المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، أن استخدام القوة في فض الاعتصام يعد خطئا جسيماً، وكذلك ترك الميدان لأكثر من شهرين (سداح مداح) - على حد وصف البرادعي- بدون أمن لحماية للمتظاهرين وتنظيمهم أيضاً كان خطئاً جسيماً.
وطالب المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية بضرورة إحداث توازن بين حق أي مواطن مصري في التظاهر أو الاعتصام في كرامة وطمأنينة من ناحية، وحق القوات الأمنية في تسيير حركة المرور والحفاظ على حقوق الآخرين ومصالحهم من ناحية أخرى.
وحول محاكمة الرئيس السابق؛ قال البرادعي إنها المرة الأولى في العالم التي يحاكم فيها رئيس دولة بتهمة التحريض على قتل أبناء شعبه، مطالباً بأن تكون المحاكمة سريعة وعادلة قصاصاً لأسر الشهداء، وفي الوقت ذاته دعا البرادعي إلى الالتفات للمرحلة الجارية لتحقيق أهداف الثورة التي تتمثل في العدالة الاجتماعية وبناء الديمقراطية ومعالجة القضايا المختلفة للوطن.
وحول وجود اتجاه ليبرالي ينادي بتحالف القوى الليبرالية في مواجهة الجماعات الدينية، شدد البرادعي على عدم انضمامه لأي تحالف على حساب قوى أخرى، قائلاً: ''أنا تحالفي الوحيد مع الشعب، ويجب أن نعمل جميعاً معاً في المساحة المشتركة الكبيرة التي تجمعنا ''، مشيراً إلى الوحدة الوطنية التي شهدتها ثورة 19 تحت شعار ''الوطن للجميع ''.
وفي سياقٍ متصل؛ أضاف البرادعي أن الذي يرى ضرورة للتأكيد على هوية مصر الإسلامية لديه ''مشكلة ''؛ حيث تعيش مصر كقلب للعالم الإسلامي على مدار أربعة عشر قرناً، مضيفاً: ''مصر في حاجة إلى تعليم وتطوير للعقل المصري ودعم لقيم التسامح والعدل والمساواة والمحبة والعمل والحرية والتعايش ''.
وحول رفض الجماعات الدينية لإصدار وثيقة مبادئ فوق دستورية، قال صاحب وثيقة حقوق الإنسان المصري: ''أولا ليس هناك ما يسمى بفوق الدستور، وإنما هناك مجموعة من المبادئ العامة الأصيلة التي تعد جزءاً من الدستور ''، وانتقد الحاصل على دكتوراه في القانون ما أسما ب ''عشوائية المفاهيم '' ما بين ليبرالية وعلمانية ومدنية وسلفية وإسلامية، قائلاً: ''نعيش فوضى من المسميات ''.
وقال البرادعي إن الطريق الأنسب من البداية كان يستلزم الاتجاه لوضع دستور البلاد، مضيفاً: ''ولكن حدث ما حدث في ظل فوضى سياسية ودستورية وانشق الصف الوطني، الآن يجب أن نعود إلى وحدتنا من جديد ''، مشدداً على رؤيته بضرورة الوصول إلى توافق وطني حول حقوق الإنسان المصري الأصيلة التي لا تتغير بتغير النظام، وكذلك معايير اختيار الهيئة التأسيسية لوضع الدستور الجديد.
وحذّر البرادعي من خسارة تلحق بالجميع في حالة استمرار التشرذم الوطني، قائلاً: ''على المجلس العسكري ومختلف التيارات أن يفهموا هذا ''، مشيراً إلى أن التوافق حول مبادئ لمصر الحديثة لا يعد التفافاً على الإرادة الشعبية وإنما استكمالاً لها، مطالباً المجلس العسكري بالعمل بحسم وجدية للوصول إلى توافق وطني.
وانتقد صاحب التسعة وستين عاماً الذي أحدث حراكاً سياسياً في فترة ما قبل الثورة وتنبأ بأن ''2011 عام الخلاص ''، طريقة إدارة المرحلة الماضية، قائلاً: ''خلال ستة أشهر لم نقم بفعل أي شيء في بناء أساس الدولة الحديثة ''، مضيفاً: ''بعد مرور هذه الأشهر الشعب يشعر بأن شيئاً لم يحدث وأن هناك ضرورة ملحة لبناء نظام مدني ديمقراطي بالكامل ''، مشدداً على تفاؤله بأن مصر ستسير في طريق التغيير التي قامت من أجله الثورة.
وأخيراً شدد الدكتور محمد البرادعي على دور الأزهر الشريف خلال المرحلة القادمة، قائلاً: ''من الأهمية أن يستعيد الأزهر دوره كممثل للأزهر الوسطي، ''، مطالباً بإعادة الانتخاب لمنصب شيخ الأزهر واستقلاليته وإعادة الأوقاف للأزهر، وإعادة هيئة كبار علماء الأزهر، مضيفاً: ''جزء أصيل من بناء مصر الحديثة يتمثل في عودة الأزهر لمكانته كقبلة للعالم الإسلامي ومنارة للقيم للحضارة والقيم الإسلامية السمحة ''.
وتعد هذه الزيارة إلى ساحة الصوفية بأحد أكبر مساجد القاهرة؛ هي اللقاء الثاني بين الدكتور البرادعي وأحد التيارات الدينية بالمجتمع المصري، إذ التقى الحائز على جائزة نوبل منذ أسابيع بجماعة الإخوان المسلمين في مقر حزب الحرية والعدالة.
كما علم مصراوي أنه من المقرر أن تكون الدعوة السلفية، التيار الذي يقف على خطوات بعيدة من البرادعي، هي المحطة الثالثة التي يلتقي بها صاحب وثيقة حقوق الإنسان المصري وذلك عبر اجتماعه مع أحد كبار المشايخ السلفيين؛ لتوضيح الرؤى وتقريب الموقف في إطار لقاءاته مع التيارات الدينية في مصر ومختلف القوى السياسية.