■ ملابس نسائية وأدوات تجميل فى مخبأ "سفاح إسطنبول".. وحبيبة مجهولة يراسلها قائد "هجمات باريس" من سجنه "أنا أحبك جدًا.. أنت مجنون للغاية"، الجملة السابقة ليست مقطعاً من رواية عاطفية ساخنة صدرت حديثاً، أو جزءا من حوار فيلم رومانسى يعرض حالياً فى دور السينما، لكنها جملة من رسالة غرامية بطلها عبدالقادر ماشاريبوف، «سفاح إسطنبول» الأشهر عالمياً الآن!. لم تكن الرسالة التى عثر عليها الأمن التركى بين متعلقات «السفاح الأوزبكى» هى الوحيدة من هذا النوع، فهى مجرد واحدة بين عدة مفاجآت "غير متوقعة"، وعملات ورقية، ورسائل غرامية أخرى، امتلأت بالقلوب الحمراء والمشاعر "الملتهبة" التى تمت كتابتها إلى ماشاريبوف، وجاء فى إحداها وقد بدت فيها الحبيبة يائسة "افعل ماشئت.. لم أعد اهتم.. لا أستطيع مساعدة نفسى والآخرين.. ولكن فى حال أردت فعل ذلك فلا بأس، ولكن سأكون فى مكان بعيد عن هنا". امتلأت شقته بأدوات الماكياج من كل شكل ولون، وعاش برفقته فيها، ثلاث نساء من جنسيات «مصرية» و»سنغالية» و»صومالية» فى نفس الوقت، جسدن مفاجأة بالغة الإثارة إعلامياً، واحتللن صدارة مشهد القبض على «سفاح اسطنبول» بالكامل، وهن من تكفلن بالتمويه على مكان وجود أبومحمد الخراسانى، كماهو اسمه الحركى، وتولين خدمته وشراء كافة مستلزماته، طيلة 16 يوما قضاها فى مخبئه بعد أن هز العالم بأكمله فى الساعات الأولى من مطلع العام الجديد، بمذبحةً ملهى «رينا»، التى أسقط فيها 39 قتيلاً، أطلق النار عليهم مباشرةً. فيما أثارت النساء الثلاث أيضا ورسائلهن، علامات الاستفهام مجدداً، حول ماهية «المصوغات الشرعية» و«الضوابط» الموجودة لدى «داعش»، والتى يسمح بموجبها بالخلوة بين مقاتليه وأعضائه، مع النساء اللواتى أصبحن ضلعاً أساسياً وعاملاً مشتركاً فى أغلب عملياته الإرهابية تقريباً، بدءا من عملياته فى السعودية والعراق وسوريا وصولا إلى عمليات التنظيم فى أوروبا وأمريكا، خاصة فى مهام التمويل والدعم اللوجستى، والتمويه أيضاً، وحول إذا ماكان التنظيم يشترط لذلك زواجا شرعيا كتنظيم القاعدة، أم يدرجه فى خانة «جهاد النكاح» أو تحت مسميات أخرى. علماً بأن أشهر تلك الوقائع، كانت بطلتها المغربية حسناء بولحسن التى لقيت مصرعها فى المنزل الآمن، الذى اختبأ فيه قريبها عبدالحميد أباعود العقل المدبر لهجمات باريس وخليته أثناء مداهمة الشرطة الفرنسية للشقة، فيما لم تعلن أى من السلطات الفرنسية أو تنظيم داعش حتى الآن أن بولحسن كانت زوجة شرعية من أباعود أو أى من أفراد خليته. وأفادت بعض التسريبات الأمنية فى تركيا، أن النساء الثلاث الصومالية والمصرية والسنغالية، اللاتى رافقن سفاح اسطنبول، فى مخبأه بعد تنفيذ المذبحة، هن فى الواقع مكافأة له من التنظيم، قام بمنحهن له كزوجات، فيما تم إلقاء القبض على زوجته الوحيدة «الرسمية» مع ابنته التى تبلغ عاماً من العمر. ولم تكن الرسائل الغرامية ل»سفاح اسطنبول»، بمفردها محط أنظار جهات التحقيق ووسائل الإعلام العالمية، ففى نفس التوقيت ظهرت رسالة موازية، لداعشى آخر، هو صلاح عبدالسلام، الناجى الوحيد من منفذى هجمات باريس فى نوفمبر 2015 ومسئول الدعم اللوجستى بالعملية، كان قد أرسلها من داخل السجن لامرأة غامضة واظبت على إرسال الرسائل له فى محبسه، واختارها عبدالسلام للرد على رسائلها دوناً عن جميع من راسله داخل السجن. كما كانت هى المرة الأولى التى يسترسل فيها عبدالسلام فى الحديث باستفاضة عن مشاعره، علما بأنه لايزال حتى الآن يرفض الحديث إلى القضاة. فكتب إليها « أولا لا أخشى التعبير عن شيء بداخلى لأننى لا أخجل مما أنا عليه.. ثم ما الذى يمكن أن يقال عنى أسوأ مما قيل حتى الآن؟، أنت صادقة وسأكون صادقا معك وإذا كنت أسالك عن دوافعك فلأننى أريد أن أتأكد بأنك لا تحبيننى فقط لأننى نجم أو مثل أعلى لأننى أتلقى رسائل مشابهة ولا أكترث لها لأن الله وحده جدير بالعبادة». وأضاف فى رسالته: «لا أسعى إلى رفع شأنى على الأرض ولا إلى إشاعة الفوضى، كل ما أريده هو الإصلاح فأنا مسلم أى سلمت أمرى إلى الله، هل سلمت أمرك أنت؟ إذا لم تقومى بذلك بعد، سارعى إلى التوبة وتسليم أمرك إلى الله.. أصغى إلى الله وليس إلى أقوال الناس». الخطاب التجنيدى الواضح فى رسالة صلاح عبد السلام «قيادى داعش الخطر فى أوروبا» إلى تلك المرأة التى يراسلها من داخل السجن، هو أيضا امتداد لاستراتيجية التنظيم فى تجنيد النساء. وذلك عبر المراسلات الإلكترونية والعلاقات العاطفية، التى يؤكد الباحثون فى التنظيمات الإرهابية، أنها أصبحت أحد أهم استراتيجيات داعش فى التجنيد « النسائى» خلال الفترة الماضية، خاصة بين الفتيات الأوروبيات، اللاتى كان يتم استدراجهن إلى أراضى الدولة الإسلامية، بعد تجنيدهن عبر إقامة علاقات عاطفية مع أعضاء التنظيم من خلال مواقع التواصيل الاجتماعى، أو حتى عبر شباب يرتبطن معهم بعلاقات عاطفية فى الأساس، وسافروا إلى داعش ثم بدأوا فى دعوتهن بعد ذلك للحاق بهم. وتعتبر واقعة طالبة الثانوية، الروسية فارفارا كاراولوفا، تجسيدا حياً للنموذج الأول، كونها كشفت أثناء محاكمتها، كيف تعرفت إلى حبيبها أيرات ساماتوف فى شبكة «فكونتاكتى» للتواصل الاجتماعى، على صفحة مشجعى نادى «سيسكا» لكرة القدم، ثم وقعت فى حبه، واستطاع تجنيدها لصالح تنظيم داعش فى 2014، إلى أن اختفى فجأة، وانقطع عن التواصل معها بلا مقدمات، فتزوجت بعد ذلك من داعشى آخر عبر»سكايب»، وسافرت للالتحاق به فى سوريا، حيث تم القبض عليها على الحدود التركية السورية فى يونيو 2015. النموذج السابق يقابله نموذج معاكس فى عالم الإرهاب، حيث تكون المرأة أحياناً هى طرف «التجنيد»، وتنجح فى استدراج شريكها فى العلاقة العاطفية إلى الانخراط فى صفوف التنظيم وتنفيذ عمليات إرهابية، كما فى حالة تشفين مالك وزجها سيد فاروق، إرهابيا مذبحة كاليفورنيا. قصص الحب الفاشلة، والتعرض لهزيمة عاطفية قاسية كثيرا ماكانت نقطة التحول نحو التطرف فى حياة عدد من قيادات وكوادر الإرهابيين فى مصر وخارجها، كما فى حالة سفاح «أنصار بيت المقدس» عادل حبارة، أو زعيم تنظيم التكفير والهجرة شكرى مصطفى، فكثيراً ماكان الانتقام والرغبة فى الثأر للحبيب والزوج أيضاً سببا للتطرف والتخطيط للعمليات الإرهابية فى كثير من الأحيان، كما فى حالة تنظيم «الأرامل السود» الشيشانيات، اللاتى اتشحن بالسواد، وقررن تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الأهداف والقوات العسكرية الروسية ثأرا لأزواجهن. فى نفس الوقت استوعبت التنظيمات المتشددة منذ وقت مبكر أن تخليد قصص الحب بين زعمائهم التنظيميين وزوجاتهم، وتحويلهم إلى «أيقونات عاطفية» وأدبيات تنظيمية تمتزج فيها، مفاهيم الجهاد مع مشاعر الحب، هو عامل جذب بالغ التأثير على مريديهم وشبابهم، بحيث تلجأ التنظيمات الإرهابية عادةً إلى تلك الأدبيات، تنشرها وتعيد الترويج لها بين «القواعد» لتقوية صفوفها وتثبيت شبابها وإغرائهم بالتحول بدورهم إلى أيقونات عاطفية مماثلة، فى مراحل «الكربلائيات»و»السجون» و»المحن» الكبرى، فى مسيرة صراعها مع النظام الحاكم. وتكررت تلك النماذج فى مختلف التنظيمات، وفى مختلف المراحل أيضاً، بداية من الإخوان الذين حولوا حكايات، المرشد الأسبق عمر التلمسانى وزوجته وغيرته عليها وتدليله لها، وكذلك القيادى الإخوانى كمال السنانيرى وأمينة قطب إلى «أيقونة» من هذا النوع ونشروا قصائدها العاطفية إليه وقاموا بطباعتها فى كتب. وسارت على نفس النمط تنظيمات أخرى مثل الجماعة الإسلامية التى حاولت الترويج لنماذج شبيهة مثل عبود الزمر وزوجته أم الهيثم والحكايات عن استمرار قصة حبها رغم سنوات السجن وعدم الإنجاب، وكذلك طارق الزمر وزوجته اللذان كانا يتبادلان رسائل الحب فى أغلفة الشوكولاتة، فى أوقات الزيارة. ووصولاً أيضا إلى تنظيم الجهاد والقاعدة اللذين روجا لنموذج أيمن الظاهرى وزوجته عزة نوير «ابنة الذوات» التى تحملت حياة الخطر والفقر فى تورا بورا حتى لقيت مصرعها بغارة أمريكى. فى كل الأحوال فإن الرسائل الشخصية والعاطفية لقيادات الإرهاب، عادة ما تصبح شديدة الإثارة عند الكشف عنها حتى ولو كانت لأبنائهم، وذلك بما تفصح عنه من تفاصيل عن حياتهم الشخصية، وتكشف الوجه الآخر لهم بعيداً عن العمليات الإرهابية، ونشرات الأخبار. وبهذا المنطق، تحظى الآن الدفعة الجديدة، التى تم الإفراج عنها قبيل أيام، من رسائل مؤسس القاعدة أسامة بن لادن إلى أبنائه، باهتمام بالغ، بما فيها من تفاصيل ومشاعر عاطفية، من بن لادن إلى ابنيه عثمان ومحمد، اللذين راسلهما قبل خمسة أشهر من مقتله، فى رسالة صارحهما فيها بأنه مشتاق لرؤيتهما، لكن الوضع الأمنى لا يسمح له بذلك، وذلك بالإضافة إلى رسائل ابنته خديجة، التى تشكو له فيها من تعرضها الإجهاض، وإصابتها بأمراض الملاريا والتيفويد.