بعد تضارب الأنباء، اكتشف الجميع فى النهاية، أن حسناء بولحسن، ابنة خال عبدالحميد أباعود، العقل المدبر لعملية باريس، لم تفجر نفسها بحزام ناسف، بينما كانت تقف وراء الانتحارى أثناء تفجير حزامه الناسف فى مواجهة قوات الشرطة أثناء مداهمتها لشقة «سان دونى». وعلى هذا النحو حُرمت بولحسن من تسجيل اسمها كأول انتحارية لتنظيم «الدولة الإسلامية داعش» فى فرنسا، وكنجمة انتحارية جديدة فى صفوف التنظيمات الإرهابية، فى نفس الأسبوع الذى نجحت فيه انتحاريتان من تنظيم «بوكوحرام» فى تنفيذ عملية تفجير موازية أيضا بسوق تجارى شرق نيجيريا. العملية أسفرت عن مقتل 15شخصاً، وذلك بعد بضعة أشهر فقط، من إغلاق ملف العراقية «ساجدة الريشاوى» أشهر انتحاريات تنظيم القاعدة، والتى كانت بدورها حديث وسائل الإعلام العربية والدولية بسبب ارتباط اسمها بواحدة من أبشع عمليات القتل التى أقدم على تنفيذها تنظيم داعش، حيث قام بإعدام الطيار الأردنى معاذ الكساسبة حرقا، بعد أن رفضت السلطات الأردنية مقايضته بالريشاوى التى كانت محتجزة فى السجون الأردنية على ذمة حكم قضائى بالإعدام لم يكن قد تم تنفيذه. 1 عقد قران إجبارى لانتحارية «الأربعاء الأسود» الريشاوى التى سارعت السلطات الأردنية بتنفيذ حكم الاعدام «المؤجل» فيها شنقا ردا على إحراق «داعش» للكساسبة، كان من المفترض أن تتقاسم مع زوجها على حسين الشمرى العملية الانتحارية الدموية بقاعة أفراح فندق راديسون بالعاصمة الأردنية عمان فى التاسع من نوفمبر2005 ، كجزء من ثلاثة عمليات انتحارية متزامنة لتنظيم القاعدة هناك. لولا أن ساجدة فشلت فى تفجير حزامها الناسف، بعد أن كان زوجها قد انتهى من دوره فى عملية أسفرت عن 57 قتيلاً و115 جريحاً، فيما عرف بيوم «الأربعاء الأسود» فى عمان. وأصبحت ظاهرة لجوء التنظيمات الإرهابية، لاستخدام الانتحاريات كآلية جديدة فى تنفيذ عملياتها وصراعها مع الأجهزة الأمنية فى العالم، نقلة نوعية كبرى فى «التكتيك» الاستراتيجى، يحقق لها مزيداً من النجاحات على الأرض، بحسب الإحصائيات التى تشير إلى ارتفاع نسبة العمليات الانتحارية التى تقوم بتنفيذها سيدات إلى 10% من أصل 220 عملية انتحارية جرت فى العالم. وعلى عكس الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية، كداعش وبوكوحرام وجبهة النصرة وغيرها، كانت لدى التنظيمات الإسلامية المسلحة فى طبعتها الأولى، متمثلة فى تنظيم القاعدة وحركة طالبان، فى بداية التأسيس، موانع شرعية، ضد انخراط النساء فى العمليات والمواجهات، فى إطار قناعة فقهية بأن المرأة مكانها المنزل. ولهذا السبب الشرعى بالتحديد قرر تنظيم القاعدة فى العراق عقد قران ساجدة الريشاوى على زوجها قبل تنفيذ عملية تفجيرات عمان بأسبوع واحد، ليكون لديها مصوغ شرعى لمرافقته، وهو ما يزيد من احتمالات أن حسناء بولحسن متزوجة من أباعود أو غيره من أعضاء الخلية الإرهابية التى كانت مقيمة معهم فى شقة سان دونى. 2 الأرامل السود تحولت أيضا ظاهرة «الاستشهاديات الفلسطينيات» فى مطلع الألفية الثالثة، وفى مقدمتهن وفاء إدريس التى فجرت نفسها أثناء دورية إسرائيلية فى القدس 2002 إلى مصدر إلهام نسائى لدى التنظيمات المتطرفة وقواعدها النسائية للمبادرة فى تنفيذ عمليات انتحارية مماثلة، بالتوازى مع ظاهرة نسائية انتحارية أخرى أكثر إلهاما لدى تلك التنظيمات، تعرف ب»الأرامل السود» الخاصة بانتحاريات التنظيمات الشيشانية ضد روسيا من النساء اللواتى فقدن أزواجهن أو أشقاءهن أو آباءهن برصاص القوات الروسية ويسعين للانتقام، وكن يرتدين الحجاب الأسود طوال الوقت دلالة على الحزن . ووصلت نسبة العمليات الانتحارية التى نفذتها «الأرامل السود» إلى 40% من عمليات التنظيمات الشيشانية مجتمعة داخل روسيا. وعرفت حواء براييف بالمجاهدة الأشهر فى صفوف التنظيمات الإسلامية فى روسيا، فيما كانت عملية مسرح دوبروفكا فى موسكو عام 2002هى الأكثر شهرة كذلك فى تاريخ العمليات الانتحارية التى نفذتها نساء فى روسيا، حيث قام 40 انتحاريا متشددا بينهم 19 امرأة باحتجاز 1000 رهينة وأسفرت العملية عن مقتل 119 رهينة و39 من الانتحاريين. ضربات الانتحاريات الشيشانيات كانت فى الأغلب موجعة جدًا لروسيا مخلفة ضحايا بالمئات ومنها تفجير قطارين، ونسف طائرتين على الخطوط الروسية بزرع قنبلتين على متنهما، إضافة لتفجير انتحارية أخرى نفسها فى قطار لمترو الأنفاق. عمليات كبرى أخرى لا تقل أهمية أيضا قامت بها انتحاريات شيشانيات ضربت أهدافًا وحافلات ومراكز عسكرية لموسكو واسقطت عشرات الجنود والضباط والطيارين الروس، فى وقت برزت فيه أهمية مدرسة الانتحاريين التى أسسها «خطاب الشيشانى»، وقامت بتخريج عدد من الدفعات كان نصفهم من الشابات اللواتى تتراوح أعمارهن بين 16و22عاماً. 3 انتحاريات الزرقاوى لم تكن القيادة المركزية للقاعدة، قد استقرت على تأصيل شرعى يسمح بمشاركة المرأة فى أعمال الجهاد، حينما حسم أبومصعب الزرقاوى، زعيم تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، أمره بإعادة إنتاج كاتالوج خطاب الشيشانى فى صناعة كتائب من النساء الانتحاريات فى العراق، نظرًا لأنهن عادة أقل إثارة للشكوك وأقل عرضة للتفتيش الأمنى الدقيق، فشهد عام 2005 قيام أول انتحارية تنتمى للقاعدة، البلجيكية موريك ديغوك «مريم»، 38 عاما، بتفجير نفسها أثناء مرور دورية أمريكية شمال العراق كانت «كتيبة الخنساء» هى أول كتيبة أسسها الزرقاوى فى العراق، وضمت فى البداية 26 انتحارية من أقارب عناصر التنظيم، فيما أسست زوجته الكتيبة الانتحارية الثانية «أم سلمة»، وظهرت أسماء نسائية شهيرة كانت لهن الريادة فى تجنيد الفتيات الانتحاريات فى العراق، أشهرهن ابتسام عدوان (أم فاطمة) ورانيا العبكى، وسميرة جاسم المعروفة بأم المؤمنين، والتى جندت بمفردها 28 انتحارية نفذن عمليات للتنظيم بالعراق، كانت أصغرهن على الإطلاق رانيا إبراهيم 15عاماً. 4 جيل ثالث من الانتحاريات على خطى الزرقاوى فى تبنى التحول إلى استخدام الانتحاريات فى عمليات تنظيم القاعدة بالعراق، وكذا تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب، قررت حركة طالبان صراحة أن تجنيد الانتحاريات هو استراتيجيية جديدة للتنظيم فى عام 2011، لتبدأ العمليات على الفور فى باكستان، وأولها جرت بطريق مطار كابول وأسفرت عن مقتل 12 شخصاً. انضمام انتحاريات الجيل الأول والثانى للقاعدة كان على خلفية ارتباطهن بشكل عائلى بالتنظيم، باعتبارهن شقيقات أو زوجات أو بنات لقيادات وكوادر، كما فى حالة ساجدة الريشاوى فهى من عائلة قاعدية كبرى، ضمت ثامر مبارك عتروس الريشاوى مساعد أبو مصعب الزرقاوى وأمير التنظيم فى «الأنبار»، إضافة إلى عمار وياسر الريشاوى. لكن الجيل الثالث من الانتحاريات فى التنظيمات المتطرفة، سواء فى القاعدة أو داعش، فهن فى الأغلب تم تجنيدهن من خارج التنظيمات، وعادة ما يكن من الطبقات الفقيرة والمراهقات، ممن يسهل التأثير عليهن بدعاوى الجهاد والتأسى بالصحابيات. 5 «الأجنبية» للنكاح و«العربية» للعمليات الانتحارية أسس داعش أول معسكر لتدريب الانتحاريات بين صفوفه فى الموصل العام الماضى، تلاه تأسيس معسكر آخر فى ولاية نينوى على الحدود التركية ضم عدداً من الانتحاريات من جنسيات مختلفة، يتم تجنيدهن بتأصيلات شرعية كوجوب طاعة الزوج إذا أمرها بذلك. وتتداول بعض الروايات على لسان هاربات من داعش رفضن الانضمام إلى معسكرات الانتحاريات، أن سياسة التنظيم تفضل تجنيد النساء من الجنسيات العربية للمهام الانتحارية، مقابل الاحتفاظ بالأوروبيات لمهام أخرى منها جهاد النكاح والتجنيد الإلكترونى لصالح التنظيم. 6 انتحاريات بوكوحرام تحت تأثير المخدر يظل تنظيم بوكوحرام، أو ولاية السودان الغربى وفقا لتنظيم «الدولة الإسلامية»، التنظيم الأكثر استخداما للانتحاريات بين صفوفه بما يصل إلى 50% من مجمل عملياته الانتحارية. ووصل عدد النساء الانتحاريات اللواتى فجرن أنفسهن فى عمليات لصالح التنظيم فى عام واحد إلى 50 امرأة، غالبيتهن من المراهقات والأطفال اللواتى لم تتجاوزن 11 عاما، أو من ذوات الاعاقة الذهنية أو الفتيات اللواتى جرى تخديرهن وإرسالهن إلى المواقع المستهدفة لتنفيذ العمليات تحت تأثير المخدرات، وأحيانا ما يدفع بوكو حرام النساء لتنفيذ العمليات بهدف مزدوج هو توفير نفقاتهن. شهد عام 2009 أول عملية تقوم فتاة انتحارية بتنفيذها لصالح تنظيم بوكوحرام ، وفى 27 نوفمبر 2014، بعد أربعة أيام فقط من مبايعة بوكو حرام لتنظيم «الدولة الإسلامية» نفذت انتحاريتان تفجيرا بأحد الأسواق التجارية بشمال نيجيريا أسفر عن 78 قتيلاً، كما وصلت غزارة العمليات أن شهد العام الماضى أيضًا 4 عمليات بالكامل نفذتهن انتحاريات بوكوحرام فى أسبوع واحد، لتتوالى بعدها العمليات الدامية حتى اليوم.