قبل اختراع الطباعة، اضطلع الرهبان الأقباط بدور محوري في نشر المعرفة والحفاظ على الكتب المقدسة من خلال النسخ اليدوي للمخطوطات. لم تكن هذه المهمة مجرد عمل تقني، بل خدمة روحية عظيمة ساهمت في حفظ التراث الديني والطقسي ونقله من جيل إلى جيل. رهبان نساخ خلدهم التاريخ خلدت الذاكرة الكنسية أسماء رهبان نساخ خدموا الكنيسة بعمرهم كله، مثل الراهب "هيراكس" المُتوحد الذي عاش في القرن الرابع وكان خطاطًا بارعًا استمر في النسخ حتى وفاته عن عمر ناهز 90 عامًا. كما نقرأ في سير القديس "مارالوس" والقديسة "ميلانيا" أن عملهما الأساسي كان نسخ الكتب. شهادة الأسقف بالاديوس عن تنظيم العمل في الأديرة في القرن الثالث، دوّن الأسقف والمؤرخ الرهباني "بالاديوس" زيارته لدير الأنبا باخوميوس، ووصف بدقة تقسيم العمل بين الرهبان، حيث قال: "واحد يعمل في الأرض، وآخر في المصبغة، وآخر في المنسخ...". المنسخ: قلب الدير الثقافي والروحي "المنسخ" أو "Scriptorium" هو المكان المخصص لنسخ المخطوطات داخل الدير، وكان يعمل به فريق من الرهبان بتنسيق دقيق. يتولى أحدهم النسخ، وآخر الزخرفة والتزيين، وثالث مسؤول عن التجميع والتجليد بالطريقة القبطية، ويقوم أخيرًا راهب بمراجعة المخطوطة وتصحيحها قبل اعتمادها. صلاة خاصة لتبريك المنسخ لما لهذا العمل من أهمية روحية وتعليمية، وضعت الكنيسة القبطية صلاة خاصة لتبريك المنسخ جاء فيها: "أيها الرب تعطَّف وبارِك هذا المنسخ الذي لخُدَّامك وكلّ ما فيه، كي إذا قرأوا هنا أو كتبوا أي كِتابات مُقدسة، يفهمونها وينتفعون منها... بربنا يسوع المسيح آمين".
أديرة تخصصت بالكامل في النسخ برزت أديرة اختصت بنسخ الكتب، مثل دير "كرفونه" بأرض الحاجر، الذي وصفه المؤرخ المقريزي بقوله: "كان يُقال له أرافونه وأغرافونا ومعناه النساخ، فإن نساخ علوم النصارى كانت في القديم تقيم به". البابا كيرلس الخامس: من راهب ناسخ إلى بطريرك عظيم من أبرز النساخ الأقباط في العصر الحديث كان البابا كيرلس الخامس، الذي عرف قبل رسامته باسم "يوحنا الناسخ" حين كان راهبًا بدير البراموس. ولا تزال مخطوطات عديدة بخط يده محفوظة حتى اليوم، شاهدة على دقة عمله وأمانته.