ننشر فتاوى «داعش» و«الإخوان» للاستيلاء على أموال «الحكومة» و«الأقباط» و»المواطنين» من جديد تفرض لعبة الكراسى الموسيقية بين «الجماعات الإرهابية» و«عالم الجريمة المنظمة» نفسها على الجميع، ينتقل بها الإرهابيون من كواليس العالم السفلى للجريمة إلى خنادق التنظيمات المسلحة بمنتهى السلاسة والمرونة، وتتحول بفضلها جرائم التهريب والسطو المسلح، وتجارة المخدرات والسلاح وغسيل الأموال، إلى ركيزة أساسية فى مصادر تمويل الأنشطة الإرهابية حول العالم فى عصر «القاعدة» و«داعش». تلك الظاهرة أصبحت الآن جزءا من المشهد المصرى، وتحولت إلى واقع حقيقى ترصده حالياً كواليس التنظيمات والخلايا، وتوثقه تحقيقات النيابة وتفاصيل العمليات على الأرض. لذا لم يعد من قبيل المفاجأة، أن ينتقل ذلك إلى المشهد المصرى، ويتحول إلى واقع حقيقى ترصده الآن كواليس التنظيمات والخلايا، وتوثقه تحقيقات النيابة وتفاصيل العمليات على الأرض. وشهدت الفترة الماضية منذ ثورة 30 يونيو معدلات متصاعدة لجرائم السطو المسلح والسرقة ب»دوافع إرهابية»، تم تسجيلها فى القاهرة والمحافظات، فى ظل وجود مد عنف إخوانى خارج حتى عن سيطرة الحسابات التنظيمية «المركزية» فى كثير من الأحيان. ومع وجود تنظيمات صغيرة، وخلايا «عنف عشوائى» تبحث عن تمويل لنفسها، وعلى وقع ضربات دولية متلاحقة، وموجعة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية داعش». تلك الضربات أصبحت تحد بدورها من القدرات التمويلية واللوجستية ل»داعش»، كتنظيم مركزى فى المنطقة، فيما بدأت أعراضها فى الظهور على فروعه فى الدول الأخرى، فتحولت - الأخيرة- للاعتماد على نفسها بشكل أكبر والبحث عن مصادر تمويل «محلية» بديلة. والأخطر، مع وجود فتاوى إرهابية «قديمة» و»حديثة» على كل شكل ولون، تزيد من المشهد تعقيداً، وترشح الظاهرة للزيادة فى سبيل سد فجوة «التمويل» لدى هذه الخلايا والتنظيمات. وكشفت تحقيقات النيابة فى قضيتى خليتى الجيزة وحلوان الإرهابيتين قبل أيام، أن المتهمين، بالإضافة إلى ارتكابهم عمليات اغتيال لضباط وأمناء وأفراد الشرطة والشروع فى قتل أعداد أخرى منهم، واستهداف مركبات شرطية ومنشآت عامة ومصالح حكومية، فإنهم قد ركزوا نشاطهم أيضا على عمليات سرقة بالإكراه وسطو مسلح، كان أشهرها سرقة مكتب بريد ثامن مايو بمدينة 15 مايو. وهى المفاجأة التى تفصلها أيام فقط، عن كشف لغز جريمة السطو المسلح على شركة تحويل الأموال «ويسترن يونيون» فرع المعادى قبل عامين، عندما نجح ثلاثة ملثمين فى الاستيلاء على مبلغ 123 ألف دولار أمريكى، وفروا هاربين، ولم يتم التوصل لهوية مرتكبى الواقعة وقتها. وعقب مرور شهرين من التحقيقات، أمرت النيابة بتقييد القضية ضد مجهول، ولا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل، إلى أن نجحت الأجهزة الأمنية فى إلقاء القبض على عضو بتنظيم أنصار بيت المقدس هو على صبحى فرحات لاتهامه بالاشتراك فى حادث اغتيال ضابطين بالقوات المسلحة بمنطقة جسر السويس وأبو زعبل فى سبتمبر الماضى، فكانت المفاجأة باعترافه فى التحقيقات بأنه هو من قام مع اثنين من أعضاء التنظيم بعملية السطو على خلفية تمويل عمليات «أنصار بيت المقدس». وكان تنظيم أنصار بيت المقدس الذى تحول الآن إلى ولاية سيناء، قد ثبت تورط أعضائه فى عناصر سطو مسلح أخرى أيضاً كان أشهرها ، الاستيلاء على سيارات نقل الأموال، وسيارات البريد، فنفذ عمليات سطو على سيارات بريد أبو صوير، والمطرية، وبلقاس، والتجمع الأول، والشيخ زايد، وسيارة نقل أموال تابعة لشركة «أمانكو» وسرقتها، وسرقة أموال ماكينة الصراف الآلى التابعة لبنك الإسكندرية فرع القنطرة غرب. وعلماً أيضاً بأن جميع التنظيمات الإرهابية التى تمارس عمليات السطو المسلح والسرقة، بهدف تمويل عملياتها الإرهابية، سواء تنظيم «ولاية سيناء» أو غيره من الخلايا والتنظيمات، تعتمد جميعاً فى ارتكاب تلك العمليات الإجرامية على مصوغات شرعية، تتفاوت فيما بينها، وتبدأ جميعا، من التأصيل بدايةً بتكفير الحاكم، ثم الحكم ب»كفر أنصار الحكام المرتدين» باعتبار أن كل من قاتل فى صف الكفار أو نصرهم بالقول والفعل فهو محكوم بكفره، واستحلال ماله وممتلكاته كغنائم. وذلك بقياس وتأويل خاطئ ومتطرف على الآية القرآنية (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، وبالتلفيق على إجماع الصحابة على تكفير أنصار أئمة الردة، باعتبار أن انحياز المواطنين والمجتمع فى هذه الحالة من وجهة نظرهم، هو قتال فى سبيل «الطاغوت»بمعنى الدستور والقوانين الوضعية، بما فى ذلك من معاداة لله ولرسوله ولدينه وإماتة لشريعة الإسلام وإعلاء لشرائع الكفر وقوانينه، على حد زعمهم. ومع الوضع فى الاعتبار أيضا، باستعانة تلك الجماعات عادةً، وفقا للباحث ماهر فرغلى، ب«فقه الضرورة» وبمبدأ «الضرورات تبيح المحظورات»، وأن ضرورة الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية هى أولى الضرورات التى تستحل بموجبها كل «الموبقات» بما فيها السرقة والقتل الأيضا. الخلايا الإخوانية ، صاحبة باع كبير بدورها فى عمليات السطو المسلح لأغراض إرهابية خلال الفترة الماضية، ففى اعترافاتهم، قبل شهور، أكد أعضاء «خلية أو زعبل» - على سبيل المثال - وكانوا 11متهماً، ارتكبوا 12 واقعة، ما بين سطو مسلح على مكاتب للبريد، وقتل وحرق وتدمير لممتلكات شخصية، واستهداف رجال الشرطة والمتعاونين معهم، أنهم حصلوا على فتوى شرعية واضحة، من زعيم الخلية، وكان يدعى «الشيخ مهدي». وأباحت تلك الفتوى بجواز الاستيلاء على المال العام عموما، بما فيها مكاتب البريد وما فيها من أموال، بمصوغ شرعى مفاده أن الدولة تستعين بهذه الأموال فى شراء الأسلحة لقتل المسلمين، وأن الاستيلاء عليها ، مباح لتمويل عملياتهم. كما أفتى لهم المهدى المزعوم أيضاً بتطبيق «حد الحرابة» على كل من يعتقدون بأنه متعاون مع الشرطة، علاوة على استحلال الممتلكات الخاصة لجميع العاملين فى الدولة والمواطنين بدعوى مساندتهم ل»الكفار»، وإعانتهم لهم على حرب الإسلام والمسلمين، على حد زعمهم. فى كل الأحوال لم تكن «خلية أبو زعبل» الإرهابية أيضاً هى الوحيدة التى وضعت مكاتب البريد - كهدف سهل- على رأس أولوياتها، فاستهدفتها أيضا خلية أخرى فى القليوبية، وقامت بالسطو على «مكتب بريد قليوب»، وعلى «مكتب بريد منشية الجبل الأصفر» بالخانكة. وبعدها قامت خلية ثالثة بالسطو المسلح على مكتب بريد « قليوب البلد» واستولت منه على مبلغ تجاوز 900 ألف جنيه، وفر عناصرها هاربين، ثم على مكتب بريد» مدينة قها» واستولوا على مبلغ 650 ألف جنيه، لتتكرر بعدها وقائع سرقة مكاتب البريد فى جميع مناطق القليوبية بنفس الطريقة. ومثلما كان المسيحيون، واستحلال أموالهم، هدفاً معلنا لتنظيمات الجماعات الإسلامية فى الثمانينيات والتسعينيات، بداية من حوادث سرقة محلات الذهب الشهيرة لهم فى الصعيد 1981، بعد اغتيال الرئيس السادات، ولسنوات أخرى بعدها، عادت من جديد فتاوى استحلال أموال المسيحيين تحتل مشهد الصدارة بين فتاوى وعمليات السطو المنسوبة لتنظيم « أنصار بيت المقدس» كأحد مصادر التمويل المستهدفة له، ولغيره من الخلايا والتنظيمات الإرهابية الصغيرة الآن. وكانت حيثيات الأحكام الصادرة ضد أعضاء «خلية أكتوبر» المنتسبين إلى تنظيم أنصار بيت المقدس، وكذلك بالإعدام ضد أعضاء «خلية الزيتون» الصادرة ضدهم الشهر الماضى، تفيد بأنهم «استحلوا أموال ودماء المسيحيون والأجانب وسرقة محلات الذهب التى يمتلكها المسيحيين وقتلهم بدعوى أنهم يدعون للتنصير وهو ما يشكل محاربة للإسلام». ونفذ أعضاء «خلية الزيتون» السطو المسلح على عدد من أصحاب محال الذهب وقتلوا أصحابها بهدف تمويل أنشطتهم الإرهابية، كما نفذوا نفس العملية مع صاحب صيدلية بشارع حسن المأمون بمدينة نصر وقتلوه عن طريق حقنة بمادة سامة. وكانت غالبية السيارات التى تمت الاستعانة بها فى تنفيذ العمليات الإرهابية سواء المنسوبة لتنظيم أنصار بيت المقدس أو غيره من التنظيمات أو الخلايا الإخوانية الموجودة على الأرض، هى بالأساس سيارات مسروقة، ومملوكة لمواطنين مسيحيين قاموا بالإبلاغ عنها. ونظراً لأن الجماعات الجهادية والتكفيرية، وفقاً للباحث هشام النجار، تتعامل مع المسيحيين الحاليين باعتبارهم فى حالة صراع وخصومة مع «الأمة»، وأنهم مسيحيون «محاربون» الأمر الذى يترتب عليه استحلال أموالهم ك»غنائم» أيضاً، واستهدافها كأولوية فى توفير التمويل اللازم للعمليات الإرهابية.