ورّط الطيب فى أزمة مؤتمر أهل السنة والجماعة بالشيشان ■ سليمانى من أصل ألبانى يعمل أستاذاً للعلوم الإسلامية بجامعة روما وزامل «الطيب» فى «السوربون» ■ دبر دخول مرشدى «الإخوان» المشيخة وزار «مرسى» ب«الاتحادية» وعرقل طرد «القرضاوى» من «كبار العلماء» ■ يدخل مكتب الشيخ دون استئذان وضيف دائم فى منزل الإمام بالقرنه منذ أيام مضت خرج بيان من مشيخة الأزهر، بتوقيع الدكتور أحمد الطيب، ينفى علمه بالتوصيات التى صدرت عن مؤتمر أهل السنة والجماعة الذى انعقد فى الشيشان، منتصف أغسطس الماضى، وقال الطيب إنه حضر الافتتاح ثم غادر دون أن يعلم بالتوصيات وتبرأ وتنصل من أى علاقة له بها. المؤتمر الذى أثار اللغط فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، وحضره وفد من هيئة كبار علماء الأزهر على رأسهم الطيب، حيث استثنت التوصيات السلفيين من أهل السنة والجماعة، وهو ما أفزع المملكة العربية السعودية، التى أعلنت استياءها الشديد من البيان الذى شارك فيه الإمام الطيب حسب مصادر. الطيب تناسى وسكت لمدة تزيد على ال3 أشهر ولم يرد أو ينفى علاقته بالمؤتمر، ثم عاد دون أى مقدمات ليعلن براءته وتوبته من المؤتمر فى محاولة منه للخروج من الأزمة بالقول إنه شارك فى المؤتمر بشكل شرفى فقط ولم يكن يعلم ما يدور داخله، وتناسى تماماً ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية، عن زيارته للشيشان التى اعتبروها «تاريخية» ووصفوا المؤتمر بأنه تاريخى، وكأن شيخ الأزهر لم يكن تحت مسمع ومرأى من العالم أجمع. وينضم الموقف الأخير للطيب إلى سلسلة المواقف الحرجة والصعبة التى وقع فيها، خصوصاً بعد المواقف المتراجعة وغير المفهومة أحياناً والمذبذبة غالباً، خاصة فيما يتعلق بالشأن الدولى التى تمس سمعة المشيخة والتى ينتظر نحو مليار مسلم فى أنحاء العالم الكلمة الفصل فى العقيدة منها، ما أطلق أسئلة كثيرة عمن هو الشخص الذى يقف وراء توريط الطيب فى تلك الأزمة والأزمات السابقة مثل أزمة زيارة الفاتيكان فى منتصف مايو الماضى وغيرها من أزمات المشيخة الخارجية والداخلية . أصابع الاتهام تتجه صوب رجل واحد، يحيط به الغموض ولا يعلم أحد عنه شيئًا، وتكثر التساؤلات حوله، وهو محمد سليمانى، مستشار شيخ الأزهر، والذى لا يعلم أحد طبيعة مهامه التى ليس لها توصيف أو تحديد على الأوراق، ولا يعرف أحد أيضاً ماذا يفعل سليمانى وما هى الأوراق التى يعتمدها، خاصة مع عدم تداول أى ملفات تحمل توقيعه أو ماذا يفعل داخل مكتبه الذى لا يجلس فيه تقريباً لأنه ملاصق للدكتور الطيب فى مكتب الأخير، ويحضر معه أى لقاء أو اجتماع ولا يغادر سوى مع الطيب، ورغم ملاصقته لشيخ الأزهر، يجهل جميع العاملين فى المشيخة ما الذى يقوم به سليمانى بجوار الشيخ أو ما الذى ينصح به، لكنهم متأكدون أن كل ما يصدر عن الإمام منبعه الجزائرى سليمانى. سليمانى، جزائرى من أصل ألبانى، حاصل على بكالوريوس العلوم الإسلامية من فرنسا وكان زميل دراسة مع الطيب فى السبعينيات عندما كان الأخير يدرس فى جامعة السوربون، وكان ثالثهما الراحل الدكتور محمود العزب، مستشار شيخ الأزهر للحوار، والذين جمعتهم صداقة الغربة لسنوات طويلة تقاسموا فيها الدراسة والعمل ورحلات الأصدقاء فى باريس، وريفها أثناء الإجازات الطويلة. عاد الدكتور أحمد الطيب إلى القاهرة وعمل بجامعة الأزهر واستمر كل من الراحل العزب وسليمانى فى باريس ولكن لم ينقطع التواصل بينهم حتى وصل الطيب إلى منصب رئيس جامعة الأزهر، وفكر فى إنشاء مشروع كبير وقوى يربط جميع خريجى الأزهر فى العالم الإسلامى والدارسين للعلوم الإسلامية عن طريق «رابطة خريجى الأزهر»، تكون مهمتها التواصل مع جميع خريجى الأزهر، وتقديم المشروعات التى تخدم الإسلام، وهى الفرصة التى أتاحت لسليمانى أن يكون أحد مؤسسى الرابطة عام 2006 . كانت الرابطة هى البوابة الرسمية التى دخل بها سليمانى القاهرة ليرتبط بالأزهر، حيث أسند إليه صديقه الطيب مهام التواصل مع الأزهريين فى أوروبا ومع المراكز المسيحية والمراكز الدينية الكبرى هناك، وسمحت له تلك المهام بالتواصل مع العديد من المراكز الإسلامية التى يسيطر عليها التنظيم الدولى لجماعة الإخوان خصوصاً أن سليمانى تربطة علاقة صداقة قوية جداً بمحمد رفاعة الطهطاوى الذى عمل متحدثاً رسمياً لمشيخة الأزهر، ثم انتقل للعمل كرئيس ديوان رئاسة الجمهورية فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي. فى صيف 2010 كانت مشيخة الأزهر شاهدة على الصداقة القوية التى جمعت كلاً من الطهطاوى وسليمانى من ناحية وبين كل من الطيب والراحل محمود العزب من ناحية أخرى، عندما تم تعيين الطيب شيخاً للأزهر، واستحداث منصب جديد فى المشيخة وهو مستشارى الإمام الأكبر، واختار صديقه العزب وطلب منه قطع إقامته فى فرنسا والعودة لخدمة المشيخة، واستعان بمستشارين من وزارة الخارجية منهم الراحل محمد عبد الجواد، والعديد من مستشارى مجلس الدولة، وكان مبرر الطيب وقتئذ أن منصبه له ثقل فى العالم الإسلامى، ولا يجب أن يقع فى أخطاء ساذجة مثلما حدث مع الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى. وقتئذ كنت أحد الصحفيين الموجودين فى المشيخة، ولاحظنا شخصاً قريبا من الطيب يتحدث معه، اعتقدنا من الوهلة الأولى أنه أحد مستشارى الطيب وكشفت لكنته الغريبة أنه ليس مصرياً، وعلمنا فيما بعد أنه سليمانى أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة روما، وأنه أحد مستشارى الطيب ولكن لم نعلم مستشاره لشئون ماذا؟ ومن وقتها وجميع الأبواب مفتوحة أمامه، يدخل على الإمام فى أى وقت، دون استئذان، لكنه لا يحضر أى لقاء إعلامى ولا يتحدث للصحافة ولا يتكلم مع أحد نهائياً داخل المشيخة سوى مع الطيب. كان السبب الواضح الذى أقنع الطيب باختيار السفير الطهطاوى ليكون متحدثا رسميا باسم شيخ الأزهر أن سليمانى أقنعه بامتلاك الطهطاوى علاقات واسعة ودولية، وأن اسم جده سيساهم فى رفعة الأزهر، وسيكون سببا مباشرًا فى فتح صفحة جديدة مع المراجع الشيعية فى إيران والتقارب بين المذاهب ما يخدم عالمية الأزهر التى يحرص الطيب عليها. اختيار سليمانى للطهطاوى لم يكن لتلك الأسباب ولكن لسبب واحد وهو الصداقة التى تجمعهما سويا، ولاعتبارات أخرى كان يديرها وينظمها التنظيم الدولى للإخوان، خصوصاً أن الطهطاوى شارك فى مظاهرات ثورة 25 يناير نزولاً على قرار من مكتب إرشاد الجماعة، وقدم استقالته من منصبه على الهواء دون الرجوع لمشيخة الأزهر، وكان المقصود وقتئذ الإيحاء بأن المشيخة توافق بشكل ما على موقفه. لم يقم الطيب بتوجيه اللوم لسليمانى على توريطه فى رفاعة الطهطاوى ولكنه سكت وتعامل بمنتهى الحيرة والتردد فى إعلان موقف واضح من الثورة رغم إلحاح سليمانى على الطيب بإعلان موقف مؤيد للمتظاهرين، لأن الطيب كان يخشى إحراج النظام الذى قام بتعيينه شيخاً للأزهر . تجلت قدرات وقوة سليمانى وسيطرته على الطيب بعد وفاة الراحل الدكتور محمود العزب الذى دافع عن موقف الأزهر فى ثورة ال25 من يناير دفاعاً قوياً، وكان يقف فى مواجهة محاولات سليمانى للسيطرة على المشيخة وتحويلها إلى مطية للإخوان والسلفيين لأنه كان يحب الأزهر ويخلص له . مع وصول جماعة الإخوان لسدة الحكم، حاولت توريط الطيب كثيراً وإحراجه خصوصاً أنهم كان يعلمون تفاصيل كل كبيرة وصغيرة داخل المشيخة، ولكن فى نفس التوقيت كان سليمانى يلعب دوراً مختلفاً ومغايراً، إذ كان ضيفاً دائماً على المعزول مرسى فى قصر الرئاسة، بتسهيل من صديقه الطهطاوى، الذى كان همزة الوصل بين سليمانى والجماعة. ولعب سليمانى دوراً كبيرًا فى الزيارة التاريخية التى قام بها كل من المرشد السابق للجماعة محمد مهدى عاكف، ومحمد بديع المرشد الحالى، المسجون على التورط فى الإرهاب، لمشيخة الأزهر، حيث استقبلهما وقتئذ الطيب بنفسه عند مدخل المشيخة، وحصلت الجماعة على ما كانت تريده «بركة الطيب»، ويومها كان الدكتور محمود العزب غاضبًا من وجود المرشدين عاكف وبديع فى المشيخة ودخل عليه سليمانى لتهدئته وكان صوتهما عالياً، ثم قام عبد الرحمن البر، مفتى الجماعة، بإمامة المصلين فى المشيخة حيث صلى خلفه المرشدان والطيب بتخطيط من سليمانى . بعد ثورة ال30 من يونيو وخلال اعتصام رابعة انتظر العالم والمصريين قراراً من الأزهر إما تأييد الاعتصام أو رفضه، ولكن الطيب استجاب لنصيحة سليمانى بأن يفعل ما يفعله بابا الفاتيكان عندما يعترض على شىء ما، حيث يترك الأمر برمته ويعتكف، وهو ما فعله الطيب الذى توجه إلى مسقط رأسه بمدينة القرنة فى الأقصر، حتى لا تكون له علاقة بفض الاعتصام. سليمانى ليس فقط العقل المدبر لشيخ الأزهر ولكن يلعب دوراً رئيسياً فى علاقاته الدولية وسفرياته وآخرها زيارة الطيب للفاتيكان فى منتصف مايو الماضى، استغلالاً لعلاقات سليمانى الدولية والمتشعبة كونه عمل لسنوات استاذاً للعلوم الإسلامية بجامعة روما وتربطه صلات قوية برجال دين مسيحى كبار فى الفاتيكان، حيث أقنع الطيب أن تلك الزيارة سيكون لها صدى كبير ومؤثر فى العالم كله خصوصاً مع لقاء أكبر قيادتين للدينين الإسلامى والمسيحى ما سيمنح الأزهر ثقلاً وقوة فى العالم وبالفعل أشرف سليمانى على جميع ترتيبات الزيارة وكالعادة قام بتوريط الطيب بشكل مباشر فى منظر لا يليق به كقائد دينى كبير، حيث جلس شيخ الأزهر على مقعد لا يليق به بجوار مكتب البابا فى الوقت نفسه جلس البابا على مكتبه فى صورة تضرب أى أعراف بروتوكولية بعرض الحائط. لم يورط سليمانى شيخ الأزهر عالميا وداخلياً فقط ولكن ورطه أيضاً داخل مؤسسة الأزهر، خصوصاً أنه كان سبباً مباشرًا فى تأخر قبول استقالة الدكتور يوسف القرضاوى، من هيئة كبار العلماء لفترة كبيرة، حتى خرج القرضاوى نفسه وأعلن أنه مستقيل من الأزهر، ما وضع المشيخة فى موقف محرج، واضطرت لقبول الاستقالة بدلاً من إقالة القرضاوى الداعم لجماعة الإخوان. العلاقة بين سليمانى وشيخ الأزهر قوية جداً ومتينة، ويدافع سليمانى عن الطيب دفاعا قويا فى كل كبيرة وصغيرة لا يسمح لأحد بانتقاده، وقال سليمانى عن علاقته بالطيب إن «الطيب طلب منى بشكل واضح وصريح عدم الالتفات للاتهامات التى يطلقها البعض ضدى وأنا أعمل فقط»، تلك الثقة التى يتحدث بها سليمانى لا ترجع إلا لقوة العلاقة بين الاثنين خصوصاً أن الرجل ضيف دائم على الطيب فى مسقط رأس الأخير خلال إجازاته المنتظمة التى يقضيها فى القرية.