■ سألنا عن « الأسطى اللى بيطاهر البنات» فقالوا لنا: « إيده تتلف فى حرير.. ومطاهر كل بنات السيدة والإمام» ■ عمليات الختان تجرى بعد صلاة الفجر أو عقب أذان المغرب لتوفير الحماية من أعين الأمن أرق ختان الإناث المصريين لعقود، فغالبيتهم يرونه ضرورة، فهو بحسب معتقداتهم ميزان الطهر أو العهر، وبرغم الحملات التوعوية التى كثفتها الحكومة بالتعاون مع بعض المنظمات الحقوقية للتعريف بأخطاره الجسدية والنفسية على النساء، إلا أن الختان ما زال منتشرًا. الغريب فى الأمر، أننا اعتدنا طوال عقود سماع المطالبين بالختان فى المناطق الأشد فقرًا وجهلا، فى الكفور والنجوع والقرى التى لم يصل إليها علم ولم تحّصل تعليما، لكن الكارثة التى لم تخطر ببال عاقل أن يطالب أحد نواب البرلمان، وهو أحمد عبداللطيف الطحاوى، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، بوجوب ختان الإناث، وهذا ما أثار استياء المنظمات الحقوقية المناصرة للمرأة، مستندين إلى قانون الطفل 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008، فضلا عن قرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 بحظر وتجريم ختان الإناث. تواصلت «الفجر» مع إحدى الحالات اللاتى تعرضن لهذه الجريمة، بواسطة أحد حلاقين الصحة، التابعين لأحد موالد منطقة السيدة عائشة، ما تسبب فى نزيف دم حاد للحالة الأولى، دخلت على أثره للمستشفى واستغرق علاجها عدة شهور، ورغم علاجها إلا أنها عانت لفترة طويلة من أضرار فى جهازها التناسلى، وهذا ما تسبب لها فى العديد من المشاكل أثناء علاقتها الحميمية مع زوجها، ورغم مرور 30 عامًا على إجرائها لعملية الختان، تقول بأسى: لسه فاكرة اليوم الأسود ده بكل تفاصيله، لا يمكن هاعمل كده فى بنتى. ودفعت هذه القصة «الفجر» لخوض مغامرة صحفية داخل إحدى صالونات الحلاقة، التى تجرى عمليات الختان للإناث، بمنطقة السيدة عائشة، ويعرفهم أهالى الحى الشعبى ب«الاسطوات»، وذلك فى محاولة منا لكشف تفاصيل هذه الجريمة، فقمنا بالتخفى، وارتدينا ملابس شعبية بسيطة، بحثنا فى مناطق عديدة عن أوكار صالونات الختان، فاكتشفناها فى منطقة السيدة عائشة، لاحظنا ادعاء أصحاب صالونات الحلاقة بأنهم أطباء من الوحدات الصحية الحكومية. انطلقنا من ميدان السيدة عائشة، وسرنا فى الشارع المقابل للمسجد، فوجدناه مزدحما، يكتسى بالعشوائية التى رسمتها «مقالب الزبالة» المنتشرة على جانبيه، قطعنا ربع الشارع لنُفاجأ بأننا فى وسط سوق الجمعة، كان يصطف على جانبى الشارع بائعو الحيوانات والطيور مختلفة الأنواع والأشكال، فى مكان أبسط ما يسيطر عليه الرعب والروائح الكريهة. سألنا امرأة عجوز تتكئ أمام «قفص» للخضراوات: «هو فين الراجل اللى بيطاهر البنات هنا ياحاجة، عندنا بنتين عاوزين نطاهرهم؟» فردت: «ده عند مدافن الإمام الشافعى، موجود هناك كل يوم، ده هو اللى مطاهر كل بناتنا وبنات قرايبنا، الراجل ده هنا من زمان جدًا، ده أنا حتى لسه مطاهرة بنات بنتى عنده»، ثم وصفت لنا الطريق إليه بالتفصيل وعرضت علينا أن توصلنا إليه بنفسها، فتحججنا بعدم رغبتنا فى إرهاقها. التزمنا بوصفها، وفى الطريق إليه، سألنا بعض السيدات والفتيات المنتشرات بالأزقة والحارات عن هذا الرجل، فأكدن لنا وصف السيدة العجوز، وأضافت إحداهن أن حى السيدة عائشة بالكامل يجرى عمليات الختان عنده، ودللت على ذلك بقولها «ده إيده تتلف فى حرير، ربنا يبارك له»، بترقب وخوف استكملنا طريقنا وسط المقابر، وعلى جانبى الطريق وجدنا 3 «صالونات حلاقة»، تجرى عمليات الختان فى مواعيد ثابتة، إما صباحًا بعد الفجر، أو مساء بعد المغرب، فى ظل خوف الحلاقين من الملاحقات الأمنية، ولتوفير أقصى حماية له. وطبقا لأقوال طفلين كانا متواجدين بالمكان فإن اسمه «محمود تته»، ويجرى عمليات الختان للإناث وللذكور، فأثارت معرفة هذين الطفلين ب«تته» انتباهنا، وعندما سألناهم عن سبب معرفتهم به، قالوا: «ده مفيش حد فى المنطقة ما يعرفهوش، ده احنا كلنا مطاهرين عنده»، تركناهم واستكملنا طريقنا، وأبدت إحدى السيدات المقيمات بالمنطقة بعدما سألنها عنه استعدادها لتتوسط لنا عنده. فذهبت برفقتنا إلى صالون حلاقة «محمود تته»، وعندما سألناه عن مبلغ العملية، قال 200 جنيه للبنت الواحدة، فحاولنا تقليل التكلفة بمساعدة السيدة التى عرضت وساطتها، فوافق بأن يأخذ 150 جنيها على البنت الواحدة، ثم التفت إلينا وقال: «اللى انتى عاوزة تدفعيه ادفعيه، مش هنختلف»، فاستغللنا عرضه وأوصلنا المبلغ ل100 جنيه على الفتاتين، على أن يجرى العملية بمنزله لتأمين نفسه، وسألناه عن الأدوات التى سيستخدمها فى العملية، فأجاب بحدة «انتى هتحققى معايا». انصرفنا من عنده بعدما اتفقنا على أن نأتى بالطفلتين غدًا، وفى طريق العودة قابلنا رجلا تخطى ال80 من عمره، يرتدى جلبابًا متهالكا، ونظارة طبية، جالس أمام كشك صغير، فسألناه عمن يقوم بإجراء عمليات الختان فى المنطقة، فقال: «هوصفلكم مكانهم بس خلوا بالكم علشان لسه عاملين عملية طهارة غلط لذكر، وكان هيموت، ولو عاوزين دكتور أنا اعرف واحد مضمون، بيطاهر البنات والولاد»، وأشار لنا على ذلك الشارع الذى كنا قد خرجنا منه، حيث يوجد «تته». تركناه وانطلقنا، فقابلنا سيدة فى العقد الرابع من عمرها، تجلس بجوار ابنتها التى تبلغ 18 عاما، وبعد حديث قصير معها علمنا أنها جاءت من منطقة البساتين إلى مدافن الإمام، لزيارة الموتى وللتسوق، فسألناها عمن يقوم بختان الإناث فى تلك المنطقة، فأشارت لنا إلى صالونى حلاقة، وقالت: «الاتنين اللى هناك دول نضاف قوى، وإحنا مطاهرين عيالنا عندهم، وبياخدوا على البنت 50 جنيهاً بس، وبسبب قلة طمعهم ونضافتهم جيبت كل جيرانى وقرايبى عندهم علشان يطاهروهم». تركناها وذهبنا إلى أحد صالونى الحلاقة التى أشارت السيدة لنا عليهما، فوجدنا على باب المحل ستارة بيضاء كبيرة، كانت مواربة بعض الشيء، لتكشف لنا عما بداخل صالون الحلاقة، فوجدنا «كنبة» عليها «ملاية» و«مخدة»، ومغطاة ببقع دم كبيرة، ومن الواضح أنها مكان إجراء عمليات الختان، وهو نفس الشكل الذى وجدناه فى صالون الحلاقة المجاور الذى تعلوه يافطة دعائية باسم «عاقيرو» وأثناء مغامرتنا الصحفية فى المنطقة، علمنا أن الحلاقين يستقطبون الزبائن يوم الجمعة أثناء وقوفهم أمام صالوناتهم، ويقوم أحد الأشخاص بدور الوسيط بين الطرفين، الحلاق والزبون، حيث يقوم بتسجيل الحالات وتحديد الموعد بناء على سن البنات الراغبات فى إجراء عملية الختان، ليتم تجهيز الفتيات قبل خضوعهن للختان، مع التأكيد على أهالى الضحايا بتوفير «بشكير» كبير من القطن، للف الفتاة به بعد ختانها، حتى لا تتعرض للنزيف، أو أية مضاعفات بعد العملية، التى تستغرق ربع ساعة فقط.