فريق رابع لا يعرف عنه أحد شيئاً، وهو الفتيات اللائى دخلن تلك السلخانة.. ماذا جرى لهن بعد انتهاك أجسادهن على المذبح المقدس للعادات والتقاليد، وكيف أكملن حياتهن.. هل انطفأت رغباتهن بالفعل.. وهل ظل هذا الانطفاء بعد الزواج.. وماذا فعلن حينئذ.. وماذا فعل أزواجهن.. هل ندمن على الختان.. هل يعشن حياتهن الجنسية بصورة طبيعية، وإذا كانت الإجابة بالنفى.. فهل حاولن علاج ما أصابهن من تشوه؟.. عشرات بل مئات الأسئلة التي لن تجد لها إجابات جامعة مانعة، مجرد حكايات مبتورة يغلفها الخجل والرغبة في الحفاظ على «أسرار البيوت» والإيحاء بأن «الزواج زى الفل». لذلك كان هذا القرار.. قرار خوض تجربة حية لإجراء عملية ختان على يد «داية» لرسم صورة حقيقية أو تقترب من الحقيقة عما يحدث في ظلمات الليل والمجتمع، وهو قرار لم يكن سهلاً، لكن ما شجعنى عليه حديث دار بينى وصديقة طبيبة في مرحلة الامتياز من محافظة قنا قررت التخصص بقسم النساء والتوليد، إذ أكدت لى أن الختان حلال ولا يوجد نص قرآنى يحرمه، وأنها أجرت الجراحة في صغرها وكذلك أخواتها على يد طبيب، وستجريها لبناتها في المستقبل لقناعتها بأن الختان يقلل الرغبة الجنسية، فضلاً عن أنه عفة وطهارة. النتيجة التي انتهى جدالى معها أشعرتنى باليأس، والتأكد من أن جميع ما يكتب ويقال عن مناهضة الختان وتجريمه مجرد «أذان في مالطا»، فقررت دون تردد أن أرتمى بكل مشاعرى المرتبكة وخوفى من المجهول في ساحة التجربة، ربما أستطيع التعبير بالكتابة عن ملايين الفتيات اللائى يخجلن من الإفصاح ولو عن جزء يسير مما جرى لهن. أبلغت والدتى برغبتى في إجراء عملية ختان، فرفضت بشدة، فأخبرتها برغبتى خوض التجربة لكى أعيش ما تعيشه أي فتاة مثلى، حتى أنقل بصدق طبيعة التجربة وحجم المعاناة، فاقتنعت بشرط أن ترافقنى خوفاً علىّ. بدأت التجربة بالعثور على «داية» وهو أمر لم يكن سهلاً، واستمر نحو أسبوعين، حتى توصلت إلى امرأة عجوز تجرى الختان تحت ستار التسول، وتقول إنها ورثت «المهنة» عن جدتها ووالدتها، وبحثت عن شخص يكون مصدر ثقة لها ويطمئنها بأننى لن أشى بها عند أجهزة الأمن، خاصة بعد تجريم الختان في قانون العقوبات، والقبض على من يجريه، سواء كان طبيبا أو داية، وبعد تحقق الثقة عقد اللقاء في سرية تامة. «ص.ح» داية تنتمى لإحدى عائلات الغجر المنتشرة في عدد من قرى البحيرة، عمرها 55 سنة، 25 سنة منها تواصل فيها مسيرة العائلة، صنعتها الوحيدة وباب رزقها الذي لم تطرق غيره، وبلغ متوسط الفتيات اللائى قتلن رعباً أمامها وهى تمسك «الموس» بيديها الجافة نافرة العروق، ما بين 3 و5 فتيات يومياً في قرى ومدن البحيرةوكفر الشيخ وأطرافهما، تمر على المنزل باستدعاء من ربته أو ربه، وبعد انتهاء مهمتها تدفع كل عائلة حسب قدرتها، والبعض يعطيها سلعاً مثل القمح والسكر. رحلة شاقة من القاهرة كانت تزداد رعباً كلما اقتربت قرية «الغابة» بمحافظة البحيرة، كانت يدى تمسك في يد والدتى وتزداد ضغطاً عليها كلما أشار السائق إلى قرب الوصول، وكاد قلبى يتوقف بمجرد أن سقطت عيناى على لافتة صدئة عليها اسم القرية بحروف باهتة، وفى عقلى تتصارع الأسئلة، إذا كان هذا شعورى وأنا في الطريق، فما بال شعور ملايين الفتيات وهن على «المذبح المقدس»؟ لم نسأل أحداً في القرى المجاورة عن اسم الداية إلا وكان يعرفها، بل ويعرف وظيفتها، ويجيب بابتسامة ماكرة عن الطريق إلى منزلها الذي وصلنا إليه بعد نحو 3 ساعات، وجلسنا في انتظار المصير المحتوم، و«ص.ح» التي غالباً ما تفارق البيت في الصباح الباكر وتعود مع غروب الشمس. ساعات الانتظار جعلت الخوف الثائر في أحشائى يخرج إلى وجهى وعيناى وكل جسدى، بل ويتسلل إلى والدتى، إلى أن جاءت «ص.ح» حاملة على رأسها «مشنة» من الخوص بها الكثير من القمح وأكياس السكر وزجاجات الزيت، بمجرد أن رأيتها تساءلت في مرارة «ترى كم فتاة كانت ثمناً لهذه الغنيمة»، ناولت «المشنة» إلى ابنتها وجلست معنا، سيدة عجوز ترتدى خماراً أسود فوق عباءة سوداء، وعلى وجهها الأسمر آثار الشقاء والقسوة وربما غلظة القلب، فليس من المعقول أن تكون مرهفة الحس وخلفها كل هؤلاء الضحايا، وزادها الوشم على يديها وأعلى ذقنها غموضاً وهيبة. بدأت والدتى الحديث بأننا من طرف فلانة «بائعة الخضار» وأنها تريد تختين حفيداتها، وإذا كانت هناك إمكانية لتختينى أنا، حيث تعديت الثلاثين من العمر، لكن يبدو أن «ص.ح» لم تكن قد اطمأنت، فتململت وهى تقول إنها توقفت عن الختان منذ فترة، لكن والدتى حاولت طمأنتها بطريقة أخرى إذ أخرجت لها مبلغاً من المال (100 جنيه)، فاعترفت بأنها ما زالت تمارس المهنة في القرى، لكنها لا تصرح بذلك حتى لا يلقى القبض عليها. جاء دورى في الحديث، فسألتها عن مخاوفى من العملية وطالبتها بأن تطمئنى بالرد على أسئلتى، فأجابتنى بحذر في البداية إلى أن اطمأنت بأننى ليست لى علاقة بأجزهة الأمن أو وسائل الإعلام، خاصة أننى توجهت إليها عبر صديقة لها تعرفها جيداً هي بائعة الخضار، وسألتها عما إذا كان قد سبق لها أن أجرت عملية ختان لأحد في مثل سنى، فردت: «ختنت اللى في سنك واللى أكبر منك، فعلى مدار أكثر من 25 سنة ختنت بنات من سن 5 سنوات إلى 35 سنة، أطفال، وبنات، وستات متزوجات، وأغلب المتزوجات سبق تختينهن على أيدى أطباء، بس تم تشويهم فجاءونى لإصلاح ما أفسده الطبيب، الختان صنعة مش أي حد يجيله قلب يعملها، وانتى ديتك بس شفرة موس وكيس بنج موضعى وتخلصى وتتعففى وتدينى الحلاوة ومتقلقيش، وبعدين بطلى خوف هتودينى في داهية بخوفك ده، وجاءنى من هم أكبر منك في السن منذ أسبوعين، حيث زارنى رجل من إحدى القرى المجاورة ومعه زوجته التي خلفت بدل الطفل تلاتة، وطلب منى أختنها بعد زواج مر عليه أكثر من 6 سنوات، لأنه يرى أنها أشبه بالرجل، ويريد أن يزيل جزء من أعضائها التناسلية المشوهة بسبب عملية ختان أجريت لها عند طبيب وهى صغيرة ولديها جزء ينبغى إزالته، لأنه عانى كثيراً في علاقته الحميمية بها إلى أن قرر تختينها، لكنها رفضت خوفاً من العملية، إلا أنه أصر وهددها بأنها إذا لم تجر الختان فسوف يتزوج عليها، وبالفعل أجريت لها الختان ولم يكن معه مال، فأعطانى حلق زوجته الدهب، ووافقت وقمت بتختينها بوضع بنج موضعى اشتريته من الصيدلية وموس حلاقة لا يزيد ثمنه عن 25 قرشا». تواصل «ص.ح» فخرها بعملياتها وهى تقول: «ختنت بنت الشهر اللى فات قبل فرحها بأسبوعين، وهى وقفتنى في الشارع وطالبتنى بختانها لأنها ترى أن عضوها التناسلى يشبه عضو الرجل، وأن والدتها أجبرتها على الختان، رغم أنها ختنت مرة في الصغر، ونظراً لتعجلها على الزواج قمت بتختينها بالطريقة القديمة باستخدام موس حلاقة وشوية تراب فرن، أعملها إيه كانت مستعجلة وعايزة تخلص ومش عايزة تروح لدكتور وتتكشف عليه، وخايفة خطيبها يعرف فعملتهالها بسرعة وعدت على خير». حتى هذه اللحظة كان الأمر عادياً إذ لم يتجاوز مرحلة الكلام، لكن الطلب الذي طلبته بعد ذلك قلب كيانى رأساً على عقب، إذ طالبتنى بالتعرى لمعرفة ما إذا كنت في حاجة للختان أم لا، فما كان منى إلا أن تعللت بأننى لست مستعدة الآن، وطالبتها بالحضور إلى منزلى حتى أكون مستعدة، وسألتها عن الأدوات المطلوبة لإنهاء الأمر، فقالت «يدوبك بنج موضعى وأمواس حلاقة»، وعندما رأت فزعى مما ذكرته، ضحكت وواصلت «إنتى كده في عز وأمان، إنتى ما تعرفيش زمان من 15 سنة كنت باختن إزاى، هو موس حلاقة، وبدل البنج شوية تراب فرن لكتم الدم بعد التختين». تحكى بعضاً من تاريخها وهى تخرج من جيوب ملابسها بعض شفرات الحلاقة وتضعها جانباً، وكيف أنها تعلمت التختين من جدتها ووالدتها شلبية الحداد لأن الختان صنعتهم الوحيدة، وتؤكد أن كل بنات الوجه البحرى تُختن على يديها ويد والدتها وجدتها، وأنها زمان كانت تمر على البيوت وتعرض على أصحابها خدماتها بتختين البنات باستخدام الموس وتراب الفرن: «زمان كنت باشترى الموس بقرش صاغ، ومعاه شوية تراب فرن من أي بيت أدخله، دلوقتى لازم أمشى ومعايا كيس بنج موضعى ثمنه حوالى 30 جنيه يكفى لتختين أكثر من بنت، وموس حلاقة ب25 قرش بينهى القصة ويختن مرتين، وكلها يومين بعد الختان والبنت تستحمى بميه دافيه وتقوم زى الحصان». تواصل «ص.ح» حكايتها وطريقة عملها: «بلف كل يوم من الساعة 8 الصبح لحد الساعة 4 العصر في القرى، يوم في كفر الشيخ ويوم في البحيرة لطلب الحسنة شوية قمح أو درة، وبعد ما أدخل البيت لطلب الحسنة وأتكلم مع أصحاب البيت واطمن لهم ويطمنولى وأعرف رغبتهم في تختين بناتهم، أعرض عليهم الختان، وفيه كتير بيترددوا دلوقتى، بس أنا بقنعهم إن الختان عفة وحلال ويحصن البنت من الحرام، خاصة لو سافرت اتعلمت وجلست مع شباب، وحصيلة اليوم بتكون بنتين أو أربعة، خاصة في القرى والأسر الفقيرة، لكن صعب أروح المدن لأن الدكاترة مسيطرين عليها، وده السبب اللى خلى الإقبال انخفض عن زمان بسبب انتشار الدكاترة اللى بيشتغلوا في الختان، زمان مندرة بيتى كانوا بيقفوا فيها طوابير، دلوقتى يا دوب واحدة أو اتنين بسبب الدكاترة اللى قطعوا علىّ رزقى، عشان كده بدأت أستخدم البنج عشان أطمن الأهل». تعترف «ص.ح» بأن ما تفعله غير قانونى وهى تقول: «أنا بعمل الختان في السر للناس اللى بثق فيها، وعارفة إنهم مش هيخبصوا (يفتنوا) علىّ للأمن، مع إن الدكاترة واكلينها والعة دلوقتى وشغالين في العيادات ومش بيخافوا، لكن أنا لازم أخاف، الدكاترة فلوسهم كتيرة وهيعرفوا يدافعوا عن نفسهم لو اتمسكوا، لكن أنا غلبانة أجرتى على قدى، يا دوب باخد 2 كيلو سكر أو 2 كيلو زيت وشوية رز أو قمح، ويوم ما تحلا معايا أخد 30 أو 50 جنيه على البنت الصغيرة حسب سنها، والكبيرة من 70 إلى 100 جنيه، بس ده في العائلات المرتاحة مادياً وعلى حسب قدرة كل بيت، لكن الدكاترة بياخدوا على البنت الصغيرة من 100 إلى 150 جنيه، والكبيرة 400 جنيه، وأغلب الدكاترة اللى بيعملوا الختان في المدن هنا إخوان وسلفيين، حتى بناتى ختنتهم عند دكتور إخوانى اسمه (ر.س.ر) لكن البنات الكبيرة بتجيلى أنا أو تروح لدكتورة نساء وتوليد عشان بتتكسف تتكشف على دكتور راجل». بدا أن اطمئنان «ص.ح» تجاهى وصل إلى أقصى مدى، إذ بدأت تحكى لى أسرار أسرتها: «عندى بنتين، واحدة اتجوزت والتانية مخطوبة، لكن ما جتليش جرأة اختنهم بإيدى، ووديتهم عند الدكتور لأن قلبى ما طاوعنيش، وكنت عايزة أعلم واحدة فيهم الصنعة بس خفت عليها من الأمن، خصوصا إن فيه قانون والأمن بيصطاد اللى بيعملوا العمليات دى، لكن بنت أختى شغالة فيه، والحمد لله إن صنعة عائلتى هتفضل موجودة وعايشة». اطمئنان «ص.ح» لى جعلنى أتجاذب معها أطراف الحديث: «انتى شايفة إن الختان مفيد للبنت وحلال، أصل أنا محتارة وبسمع كتير إنه غلط وبيضر البنت بعد الجواز» فقاطعتنى قبل أن أكمل السؤال: «الختان ده حلال ربنا، حلال الحلال، وفيه حديث عن أم عطية الأنصارية اللى كانت بتختن النساء في المدينةالمنورة، والنبى- صلى الله عليه وسلم- قال لها (إذا خفضت فاشمى ولا تنهكى)، وكل ما حد من العائلات يقولى الختان حرام، أقنعه بالحديث ده وأحس بقيمة عملى في تختين البنات، وبعدين الطهارة أو الختان عفة ونضافة للبنت، واللى بيقول إنه بيسبب برود للبنت ده أهبل، البنت البارده بارده، وبعدين تكون بارده أحسن ما تكون خفيفة وشبه الرجالة، والختان مالوش علاقة بالبرود أوعدم الإنجاب، كلنا اتختنا، والستات عندها بدل العيل عشرة، ولو بإيدى هعملها كل يوم وفى العلن ومش هخاف، والحمد لله أنا كنت السبب في عفة بنات كتير، واسألى عنى أنا شاطرة ومفيش بنت جالها نزيف أو حتى حصلها تشوه، الختان صنعة مش صعبة بس عايزة قلب جامد وإيد خفيفة، وأنا زعلانة لأن بعد موتى هتنقرض الصنعة من عائلتى، أنا آخر واحدة في عائلتى بتختن وبنت أختى بتختن بس مش كتير». انتهى اللقاء مع «ص.ح» بعد أن حددت والدتى موعداً وهمياً معها بعد أسبوع، لحين الاستعداد وتجهيز الأدوات المطلوبة وإحضار بنات إخوتى، واتفقت معها على أنها سترسل إليها سيارة خاصة لإحضارها، فعلت وجهها ابتسامة عريضة فرحاً بأنها ستختن ثلاث فتيات مرة واحدة، وستتقاضى 500 جنيه.