شفاءً من الأمراض وخروجًا من الجيش وهروبًا من العفاريت وعضة الكلب هى أماكن يتبرك بها الأقباط، يأتون إليها من مختلف أنحاء مصر، ليس لسبب سوى إنها فى نظرهم السبيل الوحيد والأسهل لقضاء حوائجهم التى استعصى تحقيقها على أيد البشر. داخلها تجد العاقرات ضالتهن للإنجاب، والمرضى الشفاء من الأمراض الخبيثة مثل السرطان، والطلاب النجاح فى الامتحانات، والشباب الإعفاء من الجيش.. وغيرها. أول هذه المزارات، طاحونة البابا كيرلس السادس، بطريرك الأقباط الأرثوذكس الأسبق، والذى اعترفت به الكنيسة القبطية «قديساً» فى عهد البابا الحالى تواضروس الثانى، والموجودة بمنطقة زهراء مصر القديمة، وهى كنيسة داخل طاحونة هواء سكن بها البطريرك حينما كان راهبًا. الطاحونة تعد مقصداً أساسياً لطلاب الجامعات من الأقباط خلال أيام امتحاناتهم، ذلك لأنهم يعتبرون « كيرلس» سبيل النجاح فى أى مادة صعبة، بناءً على رواية تقول بأن الذين عاصروا هذا البطريرك، وأبرزهم القمص يؤانس كمال، راعى كنيسة الملائكة ميخائيل وغبريال بالجيزة، إنه كان يتنبأ بالامتحان المتوقع حيث كان يرشد الطالب إلى صفحة معينة من داخل الكتاب ليذاكرها جيدًا، ويأتى الامتحان المتوقع منها. كما يتردد عليها «مرضى القلب» ظناً لنيل بركة الشفاء من «كيرلس» كما يعتقدون، ويتزايد عدد زوارها، ليصل إلى الألف زائر خلال شهر مارس من كل عام، وتحديداً فى اليوم التاسع من الشهر، حيث ذكرى رحيل البطريرك المشار إليه، فينظم الأقباط الرحلات من الصعيد والوجه البحرى والدلتا ومحافظات القناة وأيضًا سيناء، لنيل بركة القديس. وإذا كان مرضى القلب من الأقباط يتبركون ب«طاحونة كيرلس»، فإن مرضى الكلى لا يجدون أمامهم سوى اللجوء إلى دير «القمص يسى ميخائيل» بمنطقة طما بسوهاج، فهم يعتبرونه قبلتهم الأساسية للشفاء، ويمارسون داخله ما يسمونه «طقس الشفاء»، حيث يوضع جوال من الرمل بجوار جسد القديس، ويحصل المرضى على بعض من الرمل، ويضعون ملعقة منه فى كوب من الماء ويشربونه، مؤمنين أن ذلك الرمل له قوة إيمانية تشفى من الحصوات والرسوب المتراكمة على الكلى. أما العاقرات اللاتى لم ينعم عليهن الله بنعمة الإنجاب هن الأكثر تهافتًا على زيارة القديسين توسلًا بهم حتى ينعم عليهن الله بالإنجاب، ويأتى على قائمة هؤلاء القديسين طفل يبلغ من العمر 12 عامًا، يدعى أبانوب النهيسى. ويؤكد التاريخ الكنسى، أن ذلك الطفل اعترف جهرًا أمام الوالى الوثنى الرومانى دقلديانوس بالسيد المسيح، مما أودى بحياته، ولهذا يكرمه الأقباط بشدة، ويعتبرونه طوق النجاة لمساعدة العاقرات والتشفع لهن أمام الله لتحقيق حلم الإنجاب. يقع مقر زيارة القديس أبانوب، والذى يعنى اسمه «أبا الذهب»، فى منطقة سمنود بالمحلة الكبرى، ويعتبر يوم 24 من شهر أبيب القبطى، أهم الأيام بالنسبة للواتى يتهافتن على الحصول على البركة من جسد الطفل أبانوب، حيث إنه ذكرى استشهاده. وفى البحر الأحمر، يوجد أهم ديرين فى مصر، الأول: دير الأنبا أنطونيوس، وهو المليونير المصرى الذى أسس مبدأ « الرهبنة» بالكنيسة وصدره إلى جميع أنحاء العالم، والثاني: دير الأنبا بولا، وهو الرجل السكندرى الذى نجح كأول من يصل إلى درج السياحة الروحية أى الانتقال بالروح بعيدًا عن الجسد- حسب المعتقد الإيمانى للمسيحيين. يأتى مرضى السرطان وجميع الذين يعانون من أمراض مستعصية لصعود سلم القديس «أنطونيوس» والذى يفصل بين المغارة التى كان يعيش بها وبين الأرض، حيث تقارب تلك الدرجات ال1000 درجة، وتتكاثف الزيارات والتى تصل إلى 10 آلاف فرد فى اليوم الواحد من يوم 25 يناير إلى يوم 10 فبراير من كل عام، حيث فترة عيدى القديسين أنطونيوس ويولا. فيما يتوجه آلاف الأقباط من مختلف أنحاء مصر لزيارة القديس الطفل الصعيدى «ونس» بمحافظة الأقصر، والذى اشتهر بشكل كبير بإرجاع الأشياء المفقودة، سواء كانت سيارات أو مصوغات ذهبية أو أوراق مهمة وحتى الأطفال المفقودة، حيث ينذر الأقباط نسبة من مجمل المبلغ أو قيمة الشىء المفقود وليكن 10%، أو ذبح عجل أو خروف وإطعام الفقراء بدير القديس، ليتحقق بعدها الحلم. رغبة البعض فى عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية، يدفعهم إلى زيارة كنيسة الراهب بشنونة المقارى، فى منطقة فم الخليج بمصر القديمة، والذى اشتهر بشدة جدًا فى نجاح شفاعته والتوسل أمام جسده الذى احترق بيد جنود الوالى ضرغام بمصر منذ مئات السنين، فى الإعفاء من الجيش. وأكد عدد كبير من الشباب القبطى أن شفاعة بشنونة المقارى، أعطتهم الإعفاء من الجيش. مار جرجس، أشهر قديس فى المسيحية والذى سميت باسمه محطة مترو الأنفاق الواقعة بين محطتى الزهراء والملك الصالح، يعتبره الأقباط الرجل الخارق ويطلقون عليه «سريع الندهة»، وينظرون إليه على أنه سبيل شفاء للذين مسهم الشيطان والعفاريت، ويتوافد الزائرون يوميًا على منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة، لزيارة دير القديس جرجس للراهبات القبطيات الأرثوذكس. وهناك يقوم الزائرون بارتداء الطوق الحديد الذى كان يرتديه القديس «جرجس» حول رقبته خلال السبع سنين الذين قاسى خلالهم العذاب، تمسكًا بالشهادة للسيد المسيح حسبما تروى كتب التاريخ الكنسى، وأيضًا السلاسل التى تقيد بها، والذين يؤمنون أنه بمجرد لمس تلك المعادن التى لامست جسده فإن الشياطين تهرب من جسد الإنسان ولا تعود إليه مجددا. كما يحرص الأقباط بشكل سنوى على عمل ما يسمونه «فطير الملاك»، وهو عدد من القرص التى يوزعونها على الفقراء، باسم الملاك ميخائيل فى تذكار عيده بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إيمانًا منهم بأنه يحوطهم بعنايته وقدرته الملائكية، كنوع من أنواع التعبير عن محبته له وعرفانًا بجمائله عليهم. الأقباط لديهم أسانيد عديدة يبررون بها تبركهم بهذه المزارات، ويدافعون عنها باعتبارها ليست «خرافات»، لعل أبرزها حالة القديس «أبوتربو»، الذى اعترفت به الكنيسة الأرثوذكسية، حيث وضعت فصلًا كاملًا فى كتاب «الخدمات الكنسية» يحتوى على طقس صلاة «القديس أبوتربو» والتى تصلى على المرعوبين أو الخائفين بشكل عام، لاسيما الذين يعانون من الخوف من الكلاب، وطُبعت للمرة الأولى فى سنة 1895م، ويعتمد الطقس على تلاوة القراءات وترتيل الألحان وتناول الذى عضه سبع خبزات من الفطير وسبع قطع من الجبن بدون ملح وسبع ثمرات من البلح وقليل من الزيت والخمر، وإناء من الماء، وحضور الكاهن والشمامسة وسبعة أطفال دون سن البلوغ.