محدش عارف مين اللي سرق ضحكة مصر، الفقر ولا البطالة ولا الإرهاب ولا السياسة ولا الظلم ولا التطرف، الناس ماشية في الشوارع حزينة وشايلة الهم، كل إنسان سارح في مسؤولياته وهمومه، الضحكة بقت عملة نادرة، والإبتسامة بقت مجرد تعبير مابيقدرش يخبي الحمل الكبير اللي شايله صاحبه. وكلنا وحشتنا الضحكة دي، وبقينا بنسأل نفسنا ليه الناس حزينة كده، إمتى هنرجع نشوف الناس فرحانة وبشوشة رغم قلة الحيلة والرزق اللي على قد الإيد. طبعاً سيطرة الطابع المتشدد على المجتمع خلت الناس تحس إن عيشتها كلها حرام، وإن أي شيئ يبسطها بيغضب ربنا، وده ساهم في إختفاء مظاهر كتير بسيطة من مظاهر الفرح والبهجة، زي زينة رمضان والمسحراتي وكحك العيد واحتفالات الرؤيا والأعياد القومية، للأسف كل المظاهر دي تحولت لمجرد روتين وبروتوكولات تفتقر للبهجة الحقيقية. ولحسن حظي أتيحت لي الفرصة إني أحضر إحتفالات العيد القومي في محافظة الفيوم، وبصراحة كنت فاكرة اني هحضر احتفال تقليدي خالي من الروح لمجرد تأدية البروتوكولات الرسمية، لكن المفاجأة كانت إني شاهدت فرحة غابت عني لسنين طويلة في عيون بنات الفيوم وهما بيقدموا إستعراضات الفنون الشعبية عالمسرح وبيتمايلوا بالجلابية الفلاحي و سبت الفاكهة والملاية اللف الإسكندراني. كان بقالي كتير جداً ماشفتش بنات في مصر فرحانين من قلبهم كده، وإبتسامتهم منورة شفايفهم وخدودهم الموردة، فرحتهم كانت بتتنقل لكل الحاضرين اللي كان غالب عليهم الطابع الرسمي، وأنا كمان بدوري إنفعلت معاهم جداً ولقيتني بتابع رشاقتهم في الحركة وموهبتهم الراقية في الإستعراض، سرحت قوي في نظرة الفرحة والأمل اللي مالية عيونهم الصافية، وقولت في سري ياااااه، قد كده الفن بيهذب الإحساس وبيجمل الروح؟ قد كده تراثنا المصري الأصيل كان مليان بهجة وبشاشة؟ طيب هوا إحنا ليه إتخلينا عن تراثنا؟ والبنات دول بيتعاملوا ازاي مع المجتمع اللي عاوز يختزلهم في مفهوم"العورة"؟ البنات دول بطلات حقيقيات في مجتمع مشوه، بيقدموا فن راقي فلكلوري ناس كتير بتعتبره قلة أدب، لكن هما صمموا يعملوا الحاجة اللي بيحبوها ويغيروا نظرة المجتمع ليهم لما يعرضوا فنهم وينتزعوا الإعجاب والتصفيق الحار من كل الموجودين زي ماشفت بعيني. وبعد التجربة المبهجة دي اللي غيرتني وخلت عندي أمل كبير إن الحياة لسه حلوة طول مافيها بنات حلوة زي اللي شفتهم في فرقة الفنون الشعبية لمحافظة الفيوم، مش بس بطالب كل البنات إنهم يجمدوا ويصمموا على اللي عاوزين يعملوه ويتعلموا إزاي يفرضوا شخصيتهم عالمؤيد والمعارض، أنا كمان بطالب أن تعليم إستعراضات الفن الشعبي والفلكلور الغنائي يكون مقرر على جميع المدارس كنشاط أساسي، لازم كل الأولاد يجربوا فرحة الحرية والإنتماء للجذور من خلال حركات إستعراضية تجمع بين الرياضة والفن، لازم نهتم بالفنون اللي أهملناها واللي كانت بتجمع الأولاد على حب مصر بدال المدارس الدينية اللي بتعلمهم الطائفية والعنصرية . وأخيراً أنا إتأكدت مليون المية أن فرحة مصر في عيون بناتها، بناتها لازم يفرحوا، لازم مايتقهروش، لازم ماحدش يزعلهم، لازم يعملوا اللي بيحبوه، لازم يضحكوا ويرقصوا ويغنوا ويعيشوا حياتهم زي ما يحبوا، عشان فرحة بنات مصر لو رجعت هترجع معاها الفرحة لكل أهل مصر.