يفتح المال الأبواب المغلقة، لكنه يبقى منقوصا من سلطة تحميه، فإذا تزوج بالسلطة، يملك الحماية، لكن غالبا ما ينتج عن تزاوج السلطة بالمال جنينا فى صورة مسخ اسمه «الفساد»، ينخر فى عظام الدولة، دون توقف. كانت البداية فى السبعينيات، فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، لكنه كان زواجا على استحياء حينما تولى عثمان أحمد عثمان رجل الأعمال المعروف - آنذاك– بعض المناصب السياسية، وازداد فى عهد مبارك مع دخول رجال الأعمال إلى البرلمان، وإسناد المناصب الوزارية إلى بعضهم كما كان الحال فى حكومة نظيف. هؤلاء تمكنوا من اقتحام عالم السياسة بنفوذهم المالى، فأغلبهم يملكون شركات واستثمارات كبرى كانت تمكنهم من صرف ملايين الجنيهات للدخول إلى البرلمان، ظناً منهم أن المنصب السياسى صك شرعى لبسط نفوذهم وتمرير مصالحهم. والمؤكد أن الأمثلة عديدة، منها أحمد عز صاحب إمبراطورية حديد عز الدخيلة، وكان الرجل الأول الذى يحرك برلمان 2010 بأكمله دون امتلاكه أى مقومات تؤهله لذلك، بل وسيطرته مع هشام طلعت مصطفى ومحمد أبوالعينين على لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل، التى كانت تدير مصر فى ذلك الوقت. وفى برلمان 2015، تسابق رجال الأعمال على إنفاق ملايين الجنيهات على أمل حصد مقعد برلمانى، فأغلبهم يعتقد أن الحصانة البرلمانية صفقة رابحة لتمرير مصالحهم.. لكن المفاجأة أن المادة «39» من قانون مجلس النواب تقضى بتركهم عالم البيزنس فى سبيل الاستمرار بالبرلمان. هذه المادة الواقعة ضمن باب منع تضارب المصالح بعنوان «فصل الملكية عن الإدارة» توجب على عضو المجلس فور اكتسابه العضوية أن يتخذ إجراءات لازمة لفصل ملكيته فى أسهم أو حصص الشركات عن الإدارة، وذلك خلال مدة لا تجاوز ستين يوما وإلا تعين عليه التصرف فيها خلال المدة ذاتها. وتوضح المادة «40» كيفية فصل الملكية عن الإدارة، وذلك عن طريق قيام عضو المجلس بإبرام عقد الإدارة مع شخص طبيعى أو اعتبارى مستقل من غير أقاربه حتى الدرجة الرابعة أو شركائه فى النشاط التجارى، ويجب عليه الامتناع عن التدخل فى قرارات الإدارة إلا ما تعلق منها بالموافقة على التصرف بالبيع أو التنازل، وتحدد اللائحة الداخلية لمجلس النواب إجراءات وقواعد وضوابط تطبيق ذلك. وشددت المادة ذاتها على ضرورة أن يخطر النائب البرلمانى مكتب المجلس بالأسهم والحصص التى عهد بإدارتها إلى الغير، وبيانات من عهد إليه بالإدارة وصلاحياته، وأن يقدم له تقريرا سنوياً عن نتائج أعمال تلك الإدارة. أما المادة «41» فهى التى تنظم عملية شراء الأسهم أو الحصص، وتؤكد أنه لا يجوز لعضو مجلس النواب طوال مدة عضويته أن يشترى بشكل مباشر أو غير مباشر أسهما أو حصصاً فى شركات أو زيادة حصته فيها إلا فى حالتين، الأولى: بالمشاركة فى زيادة رأس مال مشروع أو شركة قد ساهم فى أيهما قبل اكتساب العضوية، والثانية عن طريق الاكتتاب فى صناديق استثمار مصرية أو سندات حكومية مطروحة للاكتتاب العام. وفى البرلمان الحالى يوجد 116 رجل أعمال، بواقع 20% من إجمالى الأعضاء، وهى تفوق نسبة تمثيلهم فى برلمان 2010 بزيادة تقدر بنحو 2%، أشهرهم محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات ورئيس مجلس إدارة شركة السويدى للحلول الكهربائية، والمهندس محمد فرج عامر رئيس مجموعة شركات فرج الله، وسيدة الأعمال سحر طلعت مصطفى عضو مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى القابضة، والمحاسب طارق حسنين رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية وصاحب مطاحن أولاد حسنين. كما تضم القائمة المهندس أكمل قرطام رئيس مجلس إدارة مجموعة صحارى للبترول، وطلعت السويدى عضو مجلس إدارة شركة السويدى للكابلات، ووجيه أباظة رئيس مجلس إدارة مركز التجارة والتنمية «بيجو مصر» ورئيس مجلس إدارة شركة جلوبال لقطع غيار السيارات، ومحمد مصطفى السلاب رئيس مجموعة شركات السلاب ورئيس مجلس إدارة شركة «سيراميكا رويال». بعض رجال الأعمال رفضوا التعليق على هذه المواد، وآخرون أبدوا تأييدهم لهذه المواد، منهم محمد السويدى الفائز ضمن «قائمة فى حب مصر» عن قطاع شرق الدلتا، الذى قال إن القانون وضع خطاً فاصلاً فى مسألة استغلال العضوية، مؤكداً ضرورة تحسين نظم الإجراءات والشفافية فى كل أجهزة الدولة. فيما طالب محمد مصطفى السلاب، الفائز عن دائرة قطاع القاهرة، بضرورة تطبيق هذه المواد على الجميع، وعدم قصرها على رجال الأعمال، قائلاً: لا أبحث عن سلطة أو نفوذ وقد انتهيت من تجهيز أوراق وإجراءات إقرار تسليم الإدارة. وهو نفس ما أكده المهندس محمد فرج عامر، الفائز عن دائرة غرب الدلتا، قائلاً: هذه المواد أسعدتنى كثيراً لأنها تضع ضمانات قوية لمنع استغلال الحصانة البرلمانية فى التربح بغير حق. هذه المواد فى مجملها تحارب زواج السلطة بالمال.. بهذه الجملة أعرب الدكتور عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عن تأييده لهذه المواد التى تم استحداثها فى قانون مجلس النواب. وأضاف ربيع: هذه المواد جاءت لتفكيك «دولة رجال الأعمال» التى استفحل نفوذها فى عهد الرئيس المخلوع مبارك، خاصة مع إسناد المناصب الوزارية إليهم، أو بدخول بعضهم البرلمان، ما ساعدهم على التربح من المال العام مستغلاً منصبه ونفوذه. وتوقع ربيع أن رجال الأعمال لن يكونوا على نفس درجات التوحش والجشع مثل عصر مبارك، خاصة فى ظل محاصرتهم بالقوانين التى تمنعهم من استغلال سلطتهم ونفوذهم فى تحقيق أهدافهم ومصالحهم الشخصية. ويرى أسامة مراد رئيس المجلس الاستشارى لبرنامج تعزيزالنزاهة ومكافحة الفساد سابقاً، أن قرار فصل الملكية عن الإدارة الخاص بالنواب أصحاب الاعمال هو إجراء لمحاربة الفساد، لكنه مع نقل إدارة الشركة لا يمكننا منع عملية تضارب المصالح إلا فى تفعيل دور الأجهزة الرقابية. وأشار مراد إلى أن عملية تعارض المصالح ستحدث حتما نتيجة لعدم تطبيق شرط تفرغ عضو البرلمان للمجلس، قائلاً: لا بد من تفرغ كل عضو بالكامل وبدون أى استثناء للعضوية، لافتاً إلى أن رجل الأعمال يمكن أن يستفيد من عضويته فى المجلس إذا فصل تشريع خاص لأمور تهمه. فيما رأى رامى محسن مدير المركز الوطنى للاستشارات البرلمانية، أن هذه المواد تضبط عملية استفادة النواب أصحاب الأعمال من عضوياتهم، بالإضافة إلى الرقابة الشعبية والإعلامية ورقابة النواب على بعضهم. وأوضح محسن أن التجربة فى البرلمانات السابقة مختلفة، حيث كان النواب يتعمدون إخفاء ممارسات الآخرين، واستغلالهم عضوياتهم لأن أغلبهم كان متورطاً، وكانت هناك مصالح مشتركة ومتشابكة فيما بينهم.