المشروع النووى لتوليد الكهرباء حلم راود رؤساء مصر منذ أكثر من 60 عاماً، حينما وقع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اتفاقية «الذرة من أجل السلام» مع الاتحاد السوفيتى للتعاون فى المجال النووى السلمى. ظل هذا الحلم معلقاً بين السعى لتحقيقه وعراقيل تحول دون تنفيذه، إلى أن وقعت الحكومة المصرية اتفاقاً مع روسيا لتنفيذ المشروع بمدينة «الضبعة» بمحافظة مرسى مطروح. ما أثار حالة من الجدل بين خبراء الطاقة، بعضهم اعتبرها فرصة ذهبية للقضاء على مشكلات الكهرباء فى مصر، وآخرون شككوا فى تنفيذه بسبب عدم توافر المقومات الأساسية لإنشائه فى مصر .. «الفجر» أجرت ثلاث مناظرات لكشف الأبعاد الخفية عن هذا المشروع. الموازنة لن تتحمل مليماً من التكلفة ولدينا كفاءات لإدارة المشروع أكد الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، أنه لا بديل عن تنفيذ مشروع الضبعة النووى، للقضاء على أزمة الكهرباء بشكل نهائى، لافتاً إلى أن المرحلة الأولى من المشروع ستضيف للشبكة القومية للكهرباء 4800 ميجاوات. وأشار شاكر إلى أن روسيا قدمت تسهيلات كبيرة على هامش إنشاء مشروع الضبعة، منها الموافقة على سداد قرض المشروع الذى يقدر بنحو 20 مليار دولار على مدار 35 عاماً. وأضاف «شاكر« ل«الفجر»، أن سداد التكاليف لروسيا سيكون من عائد إنتاج المشروع دون أن تتحمل الموازنة العامة أى أعباء مالية، مؤكدا فى الوقت ذاته أن هناك كوادر مصرية وعقولا تتمتع بكفاءة عالية تؤهلها للعمل فى المشروع. وأوضح وزير الكهرباء، أنه تم توقيع ثلاث اتفاقيات فى إطار المشروع النوى، منها الاتفاقية الخاصة بإنشاء المحطة النووية، والثانية متعلقة بالتمويل والقرض، وتمَّ التوقيع عليها من قبل وزير المالية هانى قدرى مع نائب وزير المالية الروسى، والاتفاقية الثالثة والأخيرة عبارة عن مذكرة تفاهم للتعاون بين هيئة الأمان النووى والخاصة بالرقابة النووية والإشعاعية فى مصر ومثلها فى روسيا. وبشأن ما تردد عن نقص الكوادر المؤهلة لتشغيل المحطة، قال شاكر: مصر لديها أبناؤها البارعون فى المجال النووى، كما أن روسيا قدمت 50 منحة لتعليم بعض المتخصصين فى المجال النووى، بهدف تبادل الخبرات. ورداً على ما قيل بأن محطة «الضبعة» مهددة بالانهيار حال إنشائها، علق: هذه شائعات لا أساس لها من الصحة، خاصة أن المحطة الجديدة ستصمم بشكل يجعلها قادرة على التصدى للزلازل والأعاصير والعواصف والانفجارات الشديدة. وحول ما تردد بشأن خطورة المشروع على حياة أهالى منطقة الضبعة، رد قائلاً: هذا «كلام فارغ»، وعلى مسئوليتى الأمان فى المحطة 100%، وهيئة الأمان النووى هى المسئولة عن مراقبة الإشعاع، مختتماً: «صحة أهالى الضبعة خط أحمر .. كلام مفيهوش هزار». واختتم وزير الكهرباء تصريحاته، قائلاً: المشروع النووى المصرى ليس هدفه إنتاج السلاح النووى، وإنما توليد الكهرباء، مضيفاً أن تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة النووية أرخص بكثير من المصادر التقليدية كالفحم والرياح. السيسي توقيع اتفاقيه الضبعه.tif باحث فى الطاقة النووية: التخلص من النفايات المشعة ونقص الكوادر ومصانع الإنتاج.. 3 عقبات فى طريق « الضبعة» .. ومستشار وزير الكهرباء للطاقة النووية الأسبق يرد: المحطة الأعلى أماناً على مستوى العالم انتقادات كثيرة وجهت إلى مشروع الضبعة، فى مقدمتها افتقاد المحطة لمعايير الأمان النووى، وهو ما رد عليه الدكتور إبراهيم العسيرى، مستشار وزير الكهرباء الأسبق لشئون الطاقة النووية، خلال حواره مع «الفجر»، قائلاً: «اللى بينتقدوا فى المشروع.. مش بيحبوا الخير لمصر». ■ بدايةً.. كم عدد الشركات التى تقدمت لإنشاء المشروع؟ تقدمت 6 شركات من الصين وفرنسا واليابان وأمريكا وكوريا الجنوبية وروسيا للفوز بإنشاء المحطة، ولكن تم اختيار الروس لخبراتهم الطويلة فى المجال النووى، فضلاً عن أنهم يمتلكون جميع مكونات تصنيع المحطة النووية دون الاستعانة بأى طرف ثالث، كما أنهم قدموا قرضاً يغطى ما يقرب من 90٪ من تكاليف إنشاء المحطة. ■ متى ستبدأ روسيا فى تنفيذ المشروع على أرض مصر؟ الخبراء الروس تسلموا موقع المحطة منذ أسبوعين، وسيتم البدء فى تنفيذ المشروع من يناير المقبل. ■ هل بناء المحطة يمثل خطرا على سكان منطقة الضبعة؟ سكان الضبعة هم المستفيدون من بناء المحطة لما سوف تمثله من نقلة نوعية فى مطروح، مع العلم أنه تم حظر البناء حول المحطة لمسافة 2.5 كيلو متر، لتأمين سكان المنطقة من الأخطار الإشعاعية. ■ البعض يشكك فى معايير الأمان النووى بالمحطة.. ما تعليقك؟ المحطة آمنة للغاية خاصة أن المفاعلات المستخدمة تنتمى إلى الجيل الثالث الذى يعد الأكثر أماناً من بين المفاعلات المستخدمة فى العالم. ولكن « فى شوية من الناس اللى بينتقدوا المشروع .. مش بيحبوا الخير للبلد.. ومش عايزينها تنهض أو تتقدم». ■ ما سبل توفير الوقود النووى اللازم لتشغيل المحطة؟ سيتم استيراد كميات الوقود النووى اللازمة للمحطة من روسيا على مراحل ووفق الاحتياجات، مع العلم أنه سيتم التخلص من النفايات النووية المستهلكة عن طريق إنشاء أسطوانات مثبتة أعلى قاعدة خرسانية لحين إعادة تدويرها والاستفادة منها. ■ أخيراً .. ما أوجه الاختلاف بين محطة الضبعة والمحطات النووية الأخرى؟ هناك أكثر من 400 محطة نووية على مستوى العالم، ولكن محطة «الضبعة»ستكون من أحدث المحطات التى ستدار وتنفذ تكنولوجيا نووية عالية لأنها تستخدم مفاعلات أكثر أمانا. فى الوقت الذى أكد فيه المسئولون بقطاع الطاقة النووية على الالتزام بأعلى معايير الأمان النووى فى تنفيذ مشروع «الضبعة»، حذر مصطفى شلبى الباحث فى شئون الطاقة النووية، من ثلاث عقبات تعترض تنفيذ المشروع. العقبة الأولى التى أشار إليها شلبى فى تصريحاته ل«الفجر»، صعوبة التخلص من المواد المشعة والنفايات النووية، قائلاً: على الرغم من أن الاتفاق المصرى الروسى تضمن مسئولية روسيا عن التخلص من النفايات ودفنها، إلا أن الواقع سيفرض على مصر دفنها فى ظل اتساع صحاريها، وهو ما ينذر بكوارث بيئية، خاصة أن خطورة هذه النفايات لا تقل عن الألغام، وتسبب السرطان بمجرد التعرض لها. شلبى أوضح أن أضرارها لا تقتصر على الإنسان فقط، بل تصل مخاطرها التى قد تؤدى للموت إلى الحيوانات والنباتات، خاصة مع تزايد نسب الإشعاع، مشدداً على إجراء مزيد من الدراسات الخاصة بعوامل الأمان، حتى لا تنجم أزمة يصعب علينا مواجهتها، مضيفاً: اليابان لا تزال تعانى إلى الآن من نسب مواد مشعة فى بعض الأطعمة بسبب قنبلة هيروشيما منذ عام 1948. العقبة الثانية التى حذر منها الباحث النووى، نقص الكوادر العلمية المؤهلة فى مجال الطاقة النووية، قائلاً: هيئة الأمان النووى المنوطة بمراقبة أى تسرب إشعاعى، تعانى من نقص شديد فى الكوادر والعلماء، خاصة أن أغلبهم هاجر إلى الخارج، ويتبوأون مناصب مرموقة، لكن فى مصر لا يقدرهم أحد، مطالباً الحكومة المصرية باستقدام أبنائها المتخصصين فى المجال النووى، للاستفادة من خبراتهم فى المشروع. الباحث النووى أكد أن المشكلة الأكبر التى تواجه مشروع الضبعة، هى عدم وجود مصانع للوقود النووى، متسائلاً: كيف يمكن البدء فى هذا المشروع، ولا توجد لدينا مصانع كافية لإنتاج وقود «اليورانيوم المخصب» المسئول عن تشغيل المفاعلات، متابعاً: دول عديدة مثل الهند والأرجنيتين، وفيتنام، شيدت مصانع الوقود النووى قبل المفاعلات، موضحاً أن ما طرح بشأن استيراد « اليورانيوم» من روسيا، سيكلف مصر ملايين الدولارات على مدار السنوات القادمة.