بعيدًا عن الأخبار والتسريبات المنتظرة من فوق طاولة المفاوضات في العاصمة النمساوية، والتي تسعى من خلالها القوى العالمية لوضع حد للأزمة السورية، نشر موقع "إيه بي سي نيوز" الأمريكي ، تقريرًا للباحثة الشهيرة سارة بروك المتخصصة في كتابة السيرة الذاتية للمشاهير والزعماء حول العالم. وجاء التقرير مفصلًا حول أبرز المحطات في حياة الرئيس السوري بشار الأسد، ووصف التقرير الرئيس السوري بأنه "العبقري غريب الأطوار".
وقال التقرير إن بشار هو الابن الثالث ضمن خمسة أبناء للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وهو الثاني في ترتيب الذكور، واختار "بشار" دراسة الطب وبعد تخرجه عمل كطبيب عيون في جامعة دمشق عام 1988، قبل أن ينتقل إلى لندن للحصول على درجة الدكتوراة وهناك في عاصمة الضباب التقى بزوجته المستقبلية، أسماء الأخرس البريطانية ذات الأصول السورية والنقطة الأبرز هنا، هي أن حياة بشار الأسد حتى هذه اللحظة كانت تخلو من أي مفهوم يتعلق بالحياة العسكرية، فهو لم يدخل الجيش، وكان يبدو بعيدًا عن المشاركات السياسية ولو بالرأي.
وتابع التقرير أنه في يناير 1994 تلقى بشار مكالمة غير متوقعة من دمشق، تبلغه بضرورة الحضور بعد تعرض شقيقه الأكبر باسل، لحادث سيارة أسفر عن وفاته، لتبدأ مرحلة مختلفة تمامًا في حياة "الأسد الصغير"، الذي كان حينها في سباق ضد الزمن بسب رغبة والده حافظ الأسد في بناء شرعية لوريثه بشار داخل الحكومة، فتم منحه سلطات واسعة داخل الحكومة، بحيث يصبح قادرًا على تولي المسؤولية، على الرغم من كون بشار معدوم الخبرة العسكرية ولا يمتلك نفس الكاريزما الخاصة بشقيقه الراحل في الشارع السوري، إذ كان "باسل" أقرب إلى شخصية الأبطال، أما بشار فهو "عبقري غريب الأطوار ". وأضاف التقرير: ينبغي هنا الإشارة إلى أن حكم الرئيس حافظ الأسد، الذي استمر قرابة الثلاثة عقود حتى وفاته، كان حكمًا متشددًا وقمعيًا في أحيان كثيرة ولكن سوريا حافظت خلال فترة حكمه، على دورها كلاعب مركزي في السياسة الإقليمية، لذا وفي غضون شهر من وفاته لم يجد بشار الأسد صعوبة في الفوز بالتزكية، ليصبح رئيسًا لسوريا تحت خلفيه بناها الشارع السوري تتمثل في أن بشار عاش لفترات طويلة في الغرب، لذا كان هناك أملا وتفاؤلًا في أن يكون الرئيس الجديد يسعى لتحديث البلاد، وبالفعل نجح الأسد الجديد في الأشهر الأولى من حكمه في تحقيق بعض الإصلاحات السياسية، وكذلك على مستوى حرية التعبير الصحفي والإعلامي، وهي الفترة التي يصفها المحللون بربيع دمشق.
وأكمل التقرير: لكن العام التالي من حكم بشار جاء مغايرًا، إذ انصاع بشار لتوجهات الحرس القديم من عهد والده، وقام بتقليص الإصلاحات الليبرالية، ولكنه على الجانب الآخر، كان خصمًا ومعارضًا قويًا للغزو الأمريكي للعراق في 2003، وقام بتدعيم علاقاته مع طهران بشكل قوي في 2006 وحتى أنه انتخب في 2007، رئيسًا لدورة ثانية بعدما حصد 97% من الأصوات، ومنذ يومه وحتى الستة سنوات التالية، ظلت الأوضاع تسير على نحو رتيب في سوريا ، مع ملاحظة أن الاحتفاء بشخص الرئيس قد قل بشكل كبير في المجتمع السوري، إذ لم يعد هناك مسيرات وحفلات كذلك اختفت اللافتات والملصقات التي تمجد بشار.
وبحلول عام 2011، كانت قبضة الأسد القوية على السلطة قد بدأت في ظل اضطرابات محدودة في الريف السوري ضد الفساد الحكومي والفقر
واستطرد التقرير: ثم جاءت نهاية اثنين من الرجال الأقوياء في المنطقة، وهما الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس المصري حسني مبارك، في موجة من الثورة الشعبية، المعروفة باسم "الربيع العربي"؛ لتجتاح الحمى الثورية العالم العربي، وفي مارس من العام نفسه اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في البلدة السورية الجنوبية "درعا"، وللتذكرهة فإن التمرد بدأء محليًا للغاية ضد قادة الأجهزة الأمنية، وجاء رد فعل الأسد عنيفًا للغاية إذ قرر إرسال الدبابات إلى درعا، وسحق التمرد والقبض على المتمردين وبسبب مخاوف العلويين - المسيطرين على قيادات الجيش السوري - من الثورة القادمة، جاء رد الجيش على المتمردين وحشيًا للغاية على عكس ما قام به الجيشان المصري والتونسي .
واسترسل التقرير: أصبح أمام الأسد خيارين، أولهما الاستمرار مع استخدام القمع الوحشي للتمرد، أو تقديم تنازلات والتعرض للأخطار، كما حدث للرئيس اليمني، لذلك عندما تحدث الأسد للمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة في مارس 2011، في كلمة ألقاها أمام البرلمان، اختار الحل الأول، وألقى باللوم على "المؤامرات الدولية"، وأكد على قمع التمرد بالقوة، وفي هذه اللحظة تغير كل شيء، وفي نوفمبر 2011، كانت الأمور قد تدهورت بشكل كبير، وبينما كان قادة العالم يدعون الأسد إلى التنحي وإجراء انتقال سياسي لتجنيب البلاد مخاطر الحرب الأهلية، كانت سوريا المنهارة تتحول بسرعة إلى جذب للمتشددين الإسلاميين، مع تدفق عشرات الآلاف من الجهاديين المسلحين لتبدأ معاناة استمرت حتى يومنا هذا، مسفرة عن أكثر من ربع مليون قتيل وقرابة أحد عشر مليون مشردًا ولاجئ، فيما ترك أكثر من نصف السكان منازلهم ونزحوا إلى مناطق أكثر أمانًا .
واختتم التقرير: يبدو أن جينات العنف انتقلت من الأسد الأب إلى خليفته بشار، ففي عام 1982 أرسل الرئيس حافظ الأسد الدبابات إلى مدينة حماة الشمالية، لقمع أحداث تمرد هناك شاركت فيها أعضاء من جماعة الإخوان وأسفرت العملية عن 25 ألف قتيل.