البحر الفرعوني اسم ارتبطت به مشاكل عدة، ما بين التعدي عليه وإلقاء الملوثات وتفشي الإهمال الحكومي تجاهه، الأمر الذي أدى لمئات الاستغاثات من قبل الصيادين. «الفجر» انتقلت إلى ذلك البحر ورصدت عدد من ملابسات تلك الواقعة، لمعرفة تداعياتها والوقوف على مسبباتها. فيقول الدكتور مؤنث بدير، أحد شباب ائتلاف "هيت"، بمحافظة المنوفية، إن البحر الفرعونى - أو كما يُطلق عليه البحر الأعمى- كانت له فتحه خاصة على الرياح المنوفي أمام قرية كفر الخضرة بمركز الباجور، تمده بمياه النيل وتجددها بين حينٍ وآخر، ولكن لأسبابٍ مجهولة، قامت المسطحات المائية بأغلاق هذه الفتحة، فأصبح البحر حبيسًا، تزداد به نسبة الملوحة والترسيبات القادمة من صرف الأراضي الزراعية، ومع ركود المياه لسنوات، أدى ذلك لارتفاع معدلات التلوث والرصاص والمعادن الثقيلة ونتج عنه نقص كميات الاوكسجين بالمياه.
وتابع «بدير»، منذ فترات بعيدة تقوم عربات الكسح بألقاء مياة الصرف الصحى به باستمرار، وخاصة بقرى شنشور، وتلوانه، وفيشا الكُبرى، مؤكداً ان قرية فيشا بها معمل للألبان والجبن يلُقى بمخلفاته فى البحر الفرعونى، مما ساعد على تزايد اعداد البكتريا الضارة بالمياه، وحولت المكان بأكملة الى بركة مليئة بالتلوث، وفوجئ أهالى القرية منذ ايام بوجود كميات كبيرة من الأسماك النافقة، طافية على سطح الماء، وأكد انه قام بفتح أمعاء أحدى الاسماك، ووجد ان "مرارتها" متحجرة ومكتظة بالطين، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذه الاسماك تتعرض للسموم بشكل يومي، وتناولها سيأذى الأطفال والكبار، ويُعرض حياتهم للأمراض والموت. وناشد المئات من أهالي قرية هيت بمركز منوف، الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالتدخل فى القضية والتوجيه بحلها، لأنقاذ حياة المواطنين من الفشل الكلوي والبلهارسيا، مؤكدين أن إهمال البحر الفرعوني بدأ منذ سنوات طويلة، وأشاروا كذلك بضرورة تحرك لجان المعاينة من مراكز ومدن منوف والباجور وأشمون تحت إشراف الدكتور هشام عبدالباسط محافظ المنوفية، لتحليل المياه، وتحديد المُقصرين فى تسميم الثروة السمكية، ووجه أئتلاف شباب قرية هيت، دعوه الى اهالى قريتهم تطالبهم بضرورة مقاطعة الأسماك حفاظًا على أرواحهم. كما انتقلت عدسة «الفجر»، إلى قرية كفر الخضرة ورصدت الفتحة المغلقة، وتابعت ردود الفعل الغاضبة من جموع الصيادين، والذين طالبوا بسرعة فتحها لأنقاذ الاسماك، إذ يهدد مصدر رزقهم الوحيد. ويقول «رضوان خضرجى»، أحد الصيادين بقرية كفر الخضرة، أن سمك «البوري»، يزيد وزنه بشكل سريع ويصل وزن الواحدة منه إلى 5 كيلو وأكثر، لكنه يحتاج إلى أعماق تصل إلى 5 أمتار تمكنه من العيش والتكاثر، و الكراكات وأدوات تطهير البحر الفرعوني لا تأتي، مما جعل المياه ضحله بتلك المنطقة وتسبب ذلك فى طرد السمك البوري منها إلى الاماكن الأكثر عُمقاً والتي تشعره بالأمان، وهناك انواعًا أخرى من الأسماك مثل "البيسه، الشال، انومه" لم تتكيف مع مياه البحر الفرعوني نتيجة ارتفاع البكتريا الموجودة به وتلوث مياهه.
وقال «خضرجى»، ان الصيادون بقرى قلتى وكفر الخضرة، قاموا بعمل مزرعة صغيرة للاسماك امام مناطقهم، وألقوا بها زريعة سمك اشتروها بأموالهم الخاصة، لكن تلوث المياه الشديد اهلك تلك الاسماك وقتلها فى غضون ايام قلائل، وانتهى ذلك المشروع بالفشل، واضطر صيادون اخرون لارسال عشرات الشكاوى لمحافظة المنوفية، كى تضع حلاً جذرياً لهذه المآساه المتفاقمة، لكنهم وجودا التفاعل مع شكاويهم "وقتى" وسرعان ما تعود الامور الى سابقتها .. ويوجد بقرية كفر الخضرة نحو 18 "ونش" لرفع الرمل والطوب، غالبية العاملين على هذه الأوناش هم أبناء الصيادين، تركوا مهنة الصيد بسبب قلة رزقها ولجأوا لامتهان حرف أخرى تساعدهم على الأنفاق.
وأشار «عبدالواحد شاهين» شيخ الصيادين بكفر الخضرة، الى ان المسافة التى تفصل البحر الفرعونى عن الرياح المنوفى الواصل بنهر النيل لا تتخطى النصف كيلو، وتوجد ماسورة بالفعل، غير أن الجهات المعنية لجأت لاغلاقها دون ابداء أية اسباب للصيادين، وأشار الى ان اهالى المنطقة هنا ابتعدوا عن شراء الاسماك من الصيادين بالبحر الفرعونى نتيجة كثرة الشائعات عن تلوثه، لذا يلجأ غالبية الصياديون الى بيع حصيلة يومهم من الأسماك بمدن منوف وأشمون والباجور، ونوه الى ان الدولة لم تُلقى "زريعة السمك" منذ عام تقريباً، حيث من المفترض ان ترسل هيئة الثروة السمكية مندوبين لها لألقاء الذريعة بالبحر الفرعونى، لكنهم يختارون اماكن بعينها نظير اعطاء صيادوا تلك الاماكن مبالغ مالية لهم، مما يعد رشوة واضحة.
كما توقفت محافظة المنوفية عن تطهير البحر الفرعونى منذ عامين تقريباً، حتى غطته النباتات وورد النيل التى ساهمت بشكلٍ كبير فى نفور الاسماك من تلك المناطق، ولفت الى وجود حيوانات نافقة بنهاية البحر - امام الفتحة المغلقة - وتنتشر هناك القمامة ومياة الصرف الصحى، وتعدى الأهالى على حرم النهر بالبناء، وتوسعة مساحات اراضيهم، مما قلص من حجم البحر، وقال متابعاً "الدولة عملت حاجه كويسه بس مش كافية، حطوا 6 ماكينات ترفع المياه من باطن الارض وترميها فالبحر، لكن بتشتغل ساعه واحده ولا اتنين فاليوم، وكبيرهم يحركوا المية فى نطاق كام متر، مش فى بحر بحجم البحر الفرعونى"! ومن جانبه، أكد الدكتور مجدى أبو الليل مدير الطب البيطرى بمحافظة المنوفية ل «الفجر»، إنه لم يتلقى حتى الأن نتيجة تحليل عينات الأسماك النافقة والتى ارسلتها مديرية الصحة إلى المعامل المركزية بالقاهرة لبيان سبب النفوق، وأشار بدوره ان المديرية وجهت اوامرها بعمل حملات توعوية الى اهالى القرى على طول فرع رشيد بمحافظة المنوفية، بعدم شرب حيواناتهم من المياه بغُية تعرضها لخطر ما، حتى يتم التأكد من سلامة المياة، ونقل «أبوالليل» شهادات عدداً من الاهالي، ترجح سبب نفوق الأسماك إلى نقص الاوكسجين بالمياه، نتيجة القاء المصارف لمياه الصرف الصحي. وفى سياقٍ ذى صلة، أرجع مصطفي بيومي، السكرتير العام المساعد لمحافظة المنوفية، سبب نفوق كميات كبيرة من الاسماك بالبحر الفرعوني، الى نقص الاوكسجين بالمياة مستنداً الى تقارير مديرية الصحة بالمحافظة، وأكد ان محافظة المنوفية ضخت ملايين الجنيهات لتطهير البحر الفرعوني، وتسعى للمتابعة مع المسؤليين المعنيين قدر الامكان.