اللجنة القضائية المشرفة على الجمعية العمومية لنقابة المحامين تعلن الموافقة على زيادة المعاشات ورفض الميزانية    وزير الاتصالات: تجديد رخص المركبات أصبح إلكترونيًا بالكامل دون أي مستند ورقي    وزير الاتصالات: فرص العمل الحر في التكنولوجيا قد تصل إلى 100 ألف دولار    اللمسات الأخيرة.. تفاصيل التجهيزات النهائية لافتتاح مركز الإسماعيلية التجاري    9 قتلى و10 جرحى فى حادث انقلاب حافلة بولاية بنى عباس جنوب غرب الجزائر    الاتحاد الأوروبى: سنركز على الوحدة فى مواجهة النزاعات العالمية    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الحكومة البريطانية تبدأ مراجعة دقيقة لأنشطة جماعة الإخوان.. ماسك يدعو إلى إلغاء الاتحاد الأوروبى.. تقارير تكشف علاقة سارة نتنياهو باختيار رئيس الموساد الجديد    جيش الاحتلال يطلق قنابل ضوئية في محيط مخيم البريج وسط غزة    الرئيس السوري: إسرائيل نفذت أكثر من ألف غارة جوية و400 توغل بري على سوريا منذ ديسمبر الماضي    آخر مباراة ل ألبا وبوسكيتس أمام مولر.. إنتر ميامي بطل الدوري الأمريكي لأول مرة في تاريخه    وكيل بنتايج بعد فسخ عقده مع الزمالك: اللاعب لم يحصل على مستحقاته منذ 3 أشهر ونصف    أخبار × 24 ساعة.. متى يعمل المونوريل فى مصر؟    مصدر أمني ينفي وجود إضرابات عن الطعام بمراكز الإصلاح والتأهيل    أول صورة لضحية زوجها بعد 4 أشهر من الزفاف في المنوفية    أخبار مصر اليوم، نتائج ال19 دائرة الملغاة وجولة الإعادة في إطسا الخميس المقبل، موعد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول بالجامعات، الأرصاد تعلن درجات الحرارة غدا    تكريم القارئ الشيخ طه الفشني في الحلقة الثامنة من "دولة التلاوة"    الحق قدم| مرتبات تبدأ من 13 ألف جنيه.. التخصصات المطلوبة ل 1000 وظيفة بالضبعة النووية    محمد متولي: موقف الزمالك سليم في أزمة بنتايج وليس من حقه فسخ العقد    الوطنية للانتخابات: نتائج ال19 دائرة الملغاة وجولة الإعادة في إطسا الخميس المقبل    التحفظ على 5 مركبات تلقي المخلفات في الشوارع بكرداسة (صور)    ارتفاع سعر "هوهوز فاميلي" من 35 إلى 40 جنيهًا    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ يتفقد مستشفى دسوق العام    أصالة تحسم جدل انفصالها عن فائق حسن : «الناس صارت قاسية»    تأجيل محاكمة 25 متهما بقضية "هيكل اللجان الإدارية" لجلسة الغد    الجامعة اليابانية تبرز زيارة "أخبار اليوم".. شراكة لنموذج تعليمي فريد    جولة إعلامية موسعة لوزير السياحة بالولايات المتحدة لتعزيز مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية    شيكابالا يطالب مجلس الزمالك بالرحيل بعد أسوأ فترات النادي    أول ظهور فني لزوجة مصطفى قمر في كليب "مش هاشوفك"    محمد كريم على السجادة الحمراء لفيلم جوليت بينوش In-I in Motion بمهرجان البحر الأحمر    طالب يُنهي حياته شنقًا داخل منزل أسرته في قنا    بعد 4 أشهر من الزفاف.. زوج ينهي حياة زوجته بالمنوفية    هرتسوج معلقًا علي طلب ترامب العفو عن نتنياهو: إسرائيل دولة ذات سيادة    تعليق مفاجئ من حمزة العيلي على الانتقادات الموجهة للنجوم    «هيئة الكتاب» تدعم قصر ثقافة العريش بألف نسخة متنوعة    جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لنشر ثقافة الكلمة المسؤولة    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    قطر وسوريا تبحثان تعزيز التعاون التجاري والصناعي    أسلوب حياة    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    الرئيس الإماراتي يبحث مع رئيس الإكوادور علاقات التعاون ويشهد توقيع اتفاقيات بين البلدين    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    عاجل استشاري أمراض معدية يحذر: لا تستخدم المضادات الحيوية لعلاج الإنفلونزا    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    اسعار المكرونه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى أسواق ومحال المنيا    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    الجزائر تواجه تحديًا جديدًا في كأس العرب 2025.. مواجهة قوية للسيطرة على صدارة المجموعة    مواجهة اليوم.. الكويت والأردن فى صراع النقاط الثلاث بكأس العرب 2025    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير الشعراوي للآية 26 من سورة آل عمران
نشر في الفجر يوم 25 - 08 - 2015

قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.. [آل عمران : 26].

وساعة تسمع كلمة (ملك)، فلنا أن نعرف أن هناك كلمة هي (مُلك) بضم الميم، وكلمة أخرى هي (مِلك) بكسر الميم. إن كلمة (مِلك) تعني أن للإنسان ملكية بعض من الأشياء، كملكية إنسان لملابسه وكتبه وأشيائه، لكن الذي يملك مالك هذا الملك فهذا تسميه (مُلك)، فإذا كانت هذه الملكية في الأمر الظاهر لنا، فإننا نسميه (عالم الملك)، وهو العالم المُشاهد، وإذا كانت هذه الملكية في الأمر الخفي فإننا نسميه (عالم الملكوت). إذن، فنحن هنا أمام (مِلك)، و(مُلك) و(ملكوت). ولذلك فعندما تجلى الحق سبحانه وتعالى على سيدنا إبراهيم خليل الرحمن وكشف له ما خفي عن العيون وما ظهر، قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين}.. [الأنعام: 75].
أي أن الله سبحانه وتعالى أراد لسيدنا إبراهيم أن يشاهد الملكوت في السماوات والأرض، أي كل الأشياء الظاهرة والخافية المخفية عن عيون العباد. وهكذا نرى مراحل الحيازة كالآتي: ملك، أي أن يملك الإنسان شيئا ما، وهذا نسميه مالكا للأشياء فهو مالك لاشيائه، ومالك لمتاعه أما الذي يملك الانسان الذي يملك الاشياء فإننا نسميه (مُلك)، أي أنه يملك من يملك الأشياء، والظاهرة في الأولى نسميها (مِلْك) فكل إنسان له ملكية بعض من الاشياء، وبعد ذلك تنحاز الى الأقل، اي ان تنسب ملكية أصحاب الأملاك إلى ملك واحد.
فالملكية بالنسبة للإنسان تتلخص في أن يملك الإنسان شيئا فيصير مالكا، وإنسان آخر يوليه الله على جماعة من البشر فيصير مَلِكاً، هذا في المجال البشرى.
أما في المجال الإلهي، فإننا نُصعد لنرى من يملك كل مالك وملك، إنه الله سبحانه وتعالى. ولا يظن أحد أن هناك إنسانا قد ملك شيئا؛ أو جاها في هذه الدنيا بغير مراد الله فيه فكل إنسان يملك بما يريده الله له من رسالة فإذا انحرف العباد فلابد أن يولى الله عليهم ملكا ظالما، لماذا؟ لأن الأخيار قد لا يحسنون تربية الناس. {وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} .. [الأنعام: 129].
وكأن الحق سبحانه يقول: يأيها الخيِّر- بتشديد الياء- ضع قدما على قدم ولا تلوث يدك بأن تنتقم من الظالم، فسوف أضع ولاية ظالم أكبر على هذا الظالم الصغير، إنني أربأ بك أن تفعل ذلك، وسأنتقم لك، وأنت أيها الخيِّر منزه عندي عن ارتكاب المظالم ولذلك نجد قول الحق: {وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} .. [الأنعام: 129].
ونحن جميعا نعرف القول الشائع: (الله يسلط الظالمين على الظالمين).
ولو أن الذين ظلموا مُكِّن منهم من ظلموهم ما صنعوا فيهم ما يصنعه الظالمون في بعضهم بعضا. إن الحق يسلط الظالمين على الظالمين، وينجى أهل الخير من موقف الانتقام ممن ظلموهم.
إذن فنحن في هذه الحياة نجد (مالك) و(ملك) وهناك فوق كل ذلك (مالك الملك)، ولم يقل الله: إنه (ملك الملك)؛ لأننا إذا دققنا جيدا في أمر الملكية فإننا لن نجد مالكا إلا الله. {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك} إنه المتصرف في ملكه، وإياكم أن تظنوا أن أحدا قد حكم في خلق الله بدون مراد الله، ولكن الناس حين تخرج عن طاعة الله فإن الله يسلط عليهم الحاكم الظالم، ولذلك فالحق سبحانه يقول في حديثه القدسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطوى الله- عز وجل- السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟».
إياك أيها المؤمن أن تظن أن أحدا قد أخذ الملك غضبا من الله. إنما الملك يريده الله لمن يؤدب به العباد. وإن ظلم الملك في التأديب فإن الله يبعث له من يظلمه، ومن رأى ظلم هذا الملك أو ذاك الحاكم فمن الجائز أن يريه الله هذا الملك أو ذلك الحاكم مظلوما. إنه القول الحكيم يؤكد لنا أنه سبحانه وتعالى مالك الملك وحده.
إن الحق سبحانه يأمر رسوله الكريم: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك} إن كلمة (اللهم) وحدها فيها عجب من العجائب اللغوية، إن القرآن قد نزل باللسان العربي وأمة العرب فصيحة اللسان والبيان والبلاغة، وشاء الحق أن يكون للفظ الجلالة (الله) خصوصية فريدة في اللغة العربية.
إن اللغة العربية تضع قاعدة واضحة وهي ألا يُنادي ما فيه، أداة التعريف، مثل (الرجل) ب (يا) فلا يقال: (يا رجل) بل يقال: (يأيها الرجل) لكن اللغة التي يسرها الله لعباده تخص لفظ الجلالة بالتقديس، فيكون من حق العباد أن يقولوا: (يا الله). وهذا اللفظ بجلاله له تميز حتى في نطقه.
ولنا أن نلحظ أن العرب من كفار قريش وهم أهل فصاحة لم يفطنوا إلى ذلك، فكأن الله يرغم حتى الكافرين بأن يجعل للفظ الجلالة تميزا حتى في أفواه الكافرين فيقولون مع المؤمنين: (يا الله). أما بقية الأسماء التي تسبقها أداة التعريف فلا يمكن أن تقول: (يا الرجل) أو (يا العباس) لكن لابد أن تقول (يأيها الرجل)، أو (يأيها العباس)، ولا تقول حتى في نداء النبي: (يا النبي)، وإنما تقول: (يأيها النبي).
لكن عند التوجه بالنداء إلى الله فإننا نقول: (يا الله)، إنها خصوصية يلفتنا لها الحق سبحانه بأنه وحده المخصوص بها، وأيضا ما رأينا في لغة العرب عَلَماً دخلت عليه (التاء) كحرف القسم إلا الله، فإننا نقول (تالله)، ولم نجد أبدا من يقول (تزيد) أو (تعمرو).
إننا لا نجد التاء كحرف قسم إلا في لفظ الجلاله، ولا نجد أيضا علما من الأعلام في اللغة العربية تحذف منه (يا) في النداء وتستبدل بالميم إلا في لفظ الجلالة فنقول: (اللهم) كل ذلك ليدل على أن اللفظ في ذاته له خصوصية المسمى. (قل اللهم) وكأن حذف حرف النداء هنا يُعلمنا أن الله هو وحده المستدعى بدون حرف نداء. (اللهم) وفي بعض الألسنة يجمعون الياء والميم، مثل قول الشاعر:
إني إذا ما حادث ألمَّا *** أقول ياللهم يا اللهمَّا
إنها خصوصية لصاحب الخصوصية الأعلى. {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك} وقد يسأل إنسان لماذا لم يقل الحق: (ملك الملك)؟ هنا لابد أن نعرف أنه سيأتي يوم لا تكون فيه أي ملكية لأي أحد إلا الله، وهو المالك الوحيد، فهو سبحانه يقول: {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}.. [غافر: 15-16].
إن قول الحق هنا: (مالك الملك) توضح لنا أن ملكية الله وهي الدائمة والقادرة واضحة، وجلية، ومؤكدة، ولو قال الله في وصف ذاته: (ملك الملك) لكان معنى ذلك أن هناك بشرا يملكون بجانب الله، لا، إنه الحق وحده مالك الملك. وما دام الله هو مالك الملك، فإنه يهبه لمن يشاء، وينزعه ممن يشاء. وهنا نلاحظ أن قول الحق: إنه مالك الملك يعطي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء تأتي بعد عملية المحاجّة، وبعد أن تهرب بعض من أهل الكتاب من تطبيق حكم الله بعد أن دعوا إليه، فتولى فريق منهم وأعرض عن حكم الله، وعللوا ذلك بادعاء أنهم أبناء الله وأحباؤه وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات.
كل هذه خيارات من لطف الله وضعها أمام هؤلاء العباد، خيارات بين اتباع حكم الله أو اتباع حكم الهوى، لكنهم لم يختاروا إلا الاختيار السيء، حكم الهوى. ولذلك يأتي الله بخبر اليوم الذي سوف يجيء، ولن يكون لأحد أي قدرة، أو اختيار.
إن حق الاختيار موجود لنا في هذه الدنيا، وعلينا أن نحسن الاختيار في ضوء منهج الله.
ولنتأمل هذا المثل الذي حدثتنا عنه السيرة النبوية الطاهرة، حينما جاءت غزوة الأحزاب التي اجتمع فيها كل خصوم الدعوة، واشتغل اليهود بالدس والوقيعة، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحفر بمشورة سلمان الفارسي خندقا حول المدينة المنورة. ومعنى ( الخندق)، أي مساحة من الأرض يتم حفرها بما يعوق التقدم. وكان المقاتلون يعرفون أن الفرس يستطيع أن يقفز مسافة ما من الأمتار.
لقد حاول المؤمنون أثناء حفر الخندق أن يكون اتساع أكبر من قدرة الخيل، ولننظر إلى دقة الإدارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن سلمان الفارسي قد اقترح أن يتم حفر الخندق، وفيما يبدو أنه قد أخذ الفكرة من بيئته وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الفكرة وأقرها، وفعلها المسلمون.
إذن فليس كل ما فعله الكفار كان مرفوضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل تطبيق كل الأعمال النافعة، سواء أكان قد فعلها الكفار من قبل أم لا، ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن عملية الحفر مرهقة بسبب جمود الأرض وصخريتها في بعض المواقع، لذلك وضع حصة قدرها أربعون ذراعا لكل عشرة من الصحابة، وبذلك وزع الرسول الكريم العمل والمسئولية، ولم يترك الأمر لكل جماعة خشية أن يتواكلوا على غيرهم.
وتوزيع المسئولية يعني أن كل جماعة تعرف القدر الواضح من العمل الذي تشارك به مع بقية الجماعات وقد يسأل سائل: ولماذا لم يوزع الرسول صلى الله عليه وسلم التكليف لكل واحد بمفرده؟ ونقول: إنها حكمة الإدارة والحزم هي التي جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يتعرف على حقيقة واضحة، وهي أن الذين يحفرون من الصحابة ليسوا متساوون في القدرة والمجهود، لذلك أراد لكل ضعيف أن يكون مسنودا بتسعة من الصحابة.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجعل الأمر مشاعا، بل كان هناك تحديد للمسئولية، لكنه لم يجعل المسئولية مشخصة تشخيصا أوليا ومحددا بكل فرد، وذلك حتى يساعد الأقوياء الضعيف من بينهم. لقد ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم الضعيف بقوة إخوانه، وساعة أن يوجد ضعيف بين عشرة من الإخوان يحملون عنه ويحفرون، فإن موقفه من أصحابه يكون المحبة والألفة، ويكون القوي قد أفاض على الضعيف.
وكان عمرو بن عوف ضمن عشرة منهم سلمان الفارسي رضي الله عنه، فلما جاءوا ليحفروا صادفتهم منطقة يقال عنها: (الكئود)، ومعنى (الكئود) هي المنطقة التي تكون صلبة أثناء الحفر، فالحافر إذا ما حفر الأرض قد يجد الأرض سهلة ويواصل الحفر، أما إذا صادفته قطعة صلبة في الأرض فإنه لا يقدر عليها بمعوله لأنها صخرية صماء، فيقال له: (أكدى الحافر).
وعندما صادف عمرو بن عوف وسلمان الفارسي والمغيرة وغيرهم هذه الصخرة الكئود، قالوا لسلمان: (اذهب فارفع أمرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم). ومن هذا نتعلم درسا وهو أن المُكلّفَ مِنْ قِبَل مَنْ يكلفه بأمر إذا وجد شيئا يعوقه عن أداء المهمة فلابد أن يعود إلى من كلفه بها.
وذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان إلى الموقع وأخذ المعول وجاء على الصخرة الكئود وضربها، فحدث شرر أضاء من فرط قوة الاصطدام بين الحديد والصخرة، فهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر فُتِحَتْ قصور بصرى بالشام، ثم ضرب ضربة أخرى، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: الله أكبر فُتِحَتْ قصور الحمراء بالروم. وضرب ضربة ثالثة وقال: الله أكبر فُتِحَتْ قصور صنعاء في اليمن، فكأنه حين ضرب الضربة أوضح الله له معالم الأماكن التي سوف يدخلها الإسلام فاتحا ومنتصرا، فلما بلغ ذلك القول أعداء رسول الله صلى الله عليه قال الأعداء للصحابة: يمنيكم محمد بفتح قصور صنعاء في اليمين، والحمراء في الروم، وفتح قصور بصرى، وأنتم لا تستطيعون أن تبرزوا لنا للقتال فأنزل الله قوله: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ...}.
إن المسألة ليست عزما من هؤلاء المؤمنين، إنما هي نية على قدر الوسع، فإن فعلت أي فعل على النية بقدر الوسع فانتظر المدد من الممد الأعلى سبحانه وتعالى.
إن الله سبحانه هو الذي يعطي الملك، وهو الإله الحق الذي ينزع ملك الكفر في كسرى والروم وصنعاء، ويعطي سبحانه الملك لمحمد رسول الله وأصحابه، وينزعه من قريش، وينزع الملك من يهود المدينة حيث كانوا يريدون الملك.
إن قول الحق: {وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ} تجعلنا نتساءل: ما النزع؟ إنه القلع بشدة، لأن الملك عادة ما يكون متمسكا بكرسي الملك، متشبثا به، لماذا؟ لأن بعضا ممن يجلسون على كراسي السلطان ينظرون إليه كمغنم بلا تبعات فلا عرق ولا سهر ولا مشقة أو حرص على حقوق الناس، إنهم يتناسون سؤال النفس (وماذا فعلت للناس)؟ إن الواحد من هؤلاء لا يلتفت إلى ضرورة رعاية حق الله في الخلق فيسهر على مصالح الناس ويتعب ويكد ويشقى ويحرص على حقوق الناس.
إننا ساعة نرى حاكما متكالبا على الحكم، فلنعلم أن الحكم عنده مغنم، لا مغرم. ولنر ماذا قال سيدنا عمر بن الخطاب عندما قالوا له: إن فقدناك- لا نفقدك- نولى عبد الله بن عمر، وهو رجل قرقره الورع.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بحسب آل الخطاب أن يُسأل منهم عن أمة محمد رجل واحد، لماذا؟ لأن الحكم في الإسلام مشقة وتعب.
لقد جاء الحق بالقول الحكيم: {وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ} وذلك لينبهنا إلى هؤلاء المتشبثين بكراسي الحكم وينزعهم الله منها، إن المؤمن عندما ينظر إلى الدول في عنفوانها وحضاراتها وقوتها ونجد أن الملك فيها يسلب من الملك فيها على أهون سبب. لماذا؟ إنها إرادة الخالق الأعلى، فعندما يريد فلا راد لقضائه.
إن الحق إما أن يأخذ الحكم من مثل هذا النوع من الحكام، وإما أن يأخذه هو من الحكم، ونحن نرى كل ملك وهو يوطن نفسه توطينا في الحكم، بحيث يصعب على من يريد أن يخلعه منه أن يخلعه بسهولة، لكن الله يقتلع هذا الملك حين يريد سبحانه.
وبعد ذلك يقول الحق: {وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ} لأن ظواهر الكون لا تقتصر على من يملك فقط، ولكن كل ملك حوله أناس هم (ملوك ظل). ومعنى (ملوك الظل) أي هؤلاء الذين يتمتعون بنفوذ الملوك وإن لم يكونوا ظاهرين أمام الناس، ومن هؤلاء يأتي معظم الشر. إنهم يستظلون ويستترون بسلطان الملك، ويفعلون ما يشاءون، أو يفعل الآخرون لهم ما يأمرون به، وحين يُنزع الملك فلا شك أن المغلوب بالظالمين يعزه الله، وأما الظالمون لأنفسهم فيذلهم الله؛ لذلك كان لابد أن يجيء بعد {تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ} هذا القول الحق: {وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ}. لماذا؟ لأن كل ملك يعيش حوله من يتمتع بجاهه ونفوذه، فإذا ما انتهى سلطان هذا الملك، ظهر هؤلاء المستمعون على السطح. وهذا نشاهده كل يوم وكل عصر. {وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الخير}.
ونلاحظ هنا: أن إيتاء الملك في أعراف الناس خير. ونزع الملك في أعراف الناس شر. ولهؤلاء نقول: إن نزع الملك شر على من خُلِعَ منه، ولكنه خير لمن أوتي الملك. وقد يكون خيرا لمن نزع منه الملك أيضا. لأن الله حين ينزع منه الملك، أو ينزعه من الملك يخفف عليه مؤونة ظلمه فلو كان ذلك الملك المخلوع عاقلا، لتقبل ذلك وقال: إن الله يريد أن يخلصني لنفسه لعلى أتوب.
إذن فلو نظرت إلى الجزئيات في الأشخاص، ونظرت إلى الكليات في العموم لوجدت أن ما يجري في كون الله من إيتاء الملك وما يتبعه من إعزاز، ثم نزع الملك وما يتبعه من إذلال، كل ذلك ظاهرة خير في الوجود، لذلك قال الحق هنا: {بِيَدِكَ الخير} ولو دقق كل منا النظر إلى مجريات الأمور، لوجد أن: الله هو الذي يؤتي، والله هو الذي ينزع، والله هو الذي يعز، والله هو الذي يذل، ولابد أن يكون في كل ذلك صور للخير في الوجود، فيقول: {بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
إن إيتاء الملك عملية تحتاج إلى تحضير بشرى وبأسباب بشرية، وأحيانا يكون الوصول إلى الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية، أو السياسية، وكذلك نزع الملك يحتاج إلى نفس الجهد.
إن الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا المعنى فيقول: ليس ذلك بأمر صعب على قدرتي اللانهائية، لأنني لا أتناول الأفعال بعلاج، أو بعمل، إنما أنا أقول: (كن) فتنفعل الأشياء لإرادتي، ويأتي الحق بعد ذلك ليدلل بنواميس الكون وآيات الله في الوجود على صدق قضية {إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيقول وقوله الحق: {تُولِجُ الليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي الليل...}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.