منذ ما يقرب من عام والإعلام الخاص فى مصر يمر بأزمات مالية متكررة تهدد بقاءه واستقراره، وهو الأمر الذى تسبب فى إنهاء برامج ذائعة الصيت داخل بعض القنوات، وإغلاق قنوات مثل «دريم1»، «المحور 2»، والمحور دراما»، و«CBC TWO»، «مودرن» و«ميلودي»، وكذلك تخفيض العمالة من مذيعين ومعدين وفنيين، فضلاً عن تخفيض الأجور، ورغم كل ذلك ما زالت ديون القنوات تتراكم ونزيف خسائر لا يتوقف، بسبب انخفاض حصيلة الإعلانات. والغريب أن هذه الأزمة لا تمر بها قنوات وليدة أو جديدة على السوق لكنها كيانات إعلامية كبيرة لديها استطاعت فى فترة قليلة أن تبنى لنفسها شبكات إعلامية منها ال CBC التى خفضت العمالة والأجور، واستغنت عن استديوهات خاصة بها بمدينة الإنتاج الإعلامى لتتحاشى تراكم الديون عليها وكذلك قنوات الحياة ودريم والمحور. وسيطر الإعلان بالفعل على الإعلام وكان سبباً فى تقليص دور المادة الإعلامية وتشويه دورها، وتحولت المعركة حول الإعلانات عند القنوات إلى مرض خطير يمثل تهديداً حقيقياً لدور الإعلام ورسالته. مما جعل الجمهور يشعر أن أزمة الإعلام المصرى الحقيقية ليست فى الأموال، إنما فى سوء الرسالة الإعلامية التى يقدمها، فى الوقت الذى ينبغى أن يكون هناك إعلام يؤثر المهنية على المصالح الشخصية. وللخروج من سطوة الإعلان على الإعلام والحفاظ على بقاء القنوات أولاً، والمادة الإعلامية الجيدة ثانياً، ظهرت بعض الأفكار منها تشفير الإعلام الخاص فى مصر، مقابل مبالغ رمزية يستطيع المشاهد أن يدفعها، حتى يكون للقنوات مورداً آخر يمكنها الاعتماد عليه بجانب الإعلانات، ولا تكون الخدمات التى تقدمها الفضائيات الخاصة مجانية. وكانت شبكة راديو و تليفزيون العرب ART السباقة فى التشفير فى الوطن العربى بقصد المكاسب المادية واستطاعت بالفعل أن تجنى مكاسب مالية كبيرة بعدما زود القناة ببرامج مسلية و رياضات مختلفة لا تملكها قنوات مجانية، وسيطرت على المنطقة العربية بهذا المنطق منذ 1995 إلى 2006 وجنت مليارات الجنيهات، بما يقرب من 500 مليون جنيه شهرياً، لكن الطريقة التى انتهجتها ART فى السنوات الأخيرة أوقعتها فى المصيدة ، بعدما رفض العديد من المشاهدين العرب ما تقوم به ART و هو ما قلص شعبيتها وزادت خسائرها المادية و المالية حتى اضطرت للبيع. وكذلك قنوات OSN التى تجنى أرباحاً سنوية تتجاوز ال100 مليار جنيه، ولكن تختلف تجربة الفضائيات المصرية الخاصة بأنها ستكون محلية ولم تحقق كل هذه المكاسب مقابل التشفير ولكن بالتأكيد ستجنى أرباحاً من وراء هذه الخطوة، فعلى سبيل المثال إذا طرحت القنوات الخاصة باقتها ب 100 جنيه، واستطاعت أن تصل لمليون مشترك فستحصد 100 مليون جنيه شهرياً، أى مليار و200 مليون جنيه سنوياً. يرى الدكتور حسن عماد مكاوى أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن هناك صعوبة فى تطبيق هذه الفكرة، لأن الجمهور المصرى غير معتاد على أن يدفع مقابلاً أمام المشاهدة، خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، ولا يعتقد أن تستهوى هذه القنوات الشريحة العريضة من الجمهور المصرى وبالتالى لن تنجح الفكرة لأن الأموال التى ستجنيها لن تكون كافية لسد حاجة هذه القنوات، ويعتبر أن الخروج من هذه الأزمة لن يتم إلا بالنظر فى القوانين المنظمة للإعلام مرة أخرى، لأنه يعتبر أن القنوات التى تمر بأزمات الآن بنيت على باطل، لأن معظمها قام على رءوس أموال أجنبية، ولم يكن لها رؤية، ولم تضع فى اعتبارها خدمة المجتمع ولم تقدم ما يرضى المشاهد وانشغلت بالمنافسة بين مثيلاتها على الإعلانات، وبالتالى فما بنى على باطل فهو باطل، ومن الطبيعى أن تسقط هذه القنوات ولم يكن ما وصلت إليه مستبعداً على الإطلاق. وأكدت الدكتورة ليلى عبد المجيد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن تطبيق هذه الفكرة متوقف على السوق المصرية، وتقبلها لها خاصة وإذا لم تقدم القنوات خدمة مميزة يفتقدها المشاهد عندما تغيب عنه، لن يجد من يشترك فى باقته وبالتالى تواجه صعوبة فى إقناع المشاهد دفع مبلغ من المال مقابل خدمات إعلامية يمكن أن يحصل عليها من مصادر متعددة، وأن التجارب السابقة فى هذا الشأن لباقة قنوات ART تعطى مؤشرًا بفشل المشروع إذا ما تم بالطريقة التقليدية، لأنه رغم تقديم الشيخ صالح محتوى مميزًا على باقة قنواته الفضائية ART لسنوات طويلة، إلا أن المصريين استطاعوا أن يكسروا الشفرة ويدخلوا هذا المحتوى إلى كل منزل، والشخص الذى قام بالسطو على هذا المحتوى وكسر الشفرة هو الرابح، وبالتالى لم ينجح هذا المشروع فى مصر، إلا أنها ترى أن هذه الفكرة تصلح لمحتويات إعلامية بعينها مثل الرياضة لأن جمهورها على استعداد للسعى وراء المحتوى الذى يرغب فى مشاهدته حتى ولو كان سيدفع مقابلاً مادياً. وتوضح أنه لن ينقذ القنوات من أزمتها التى تعصف بها حالياً سوى القضاء على الاحتكار والعشوائية التى بنيت عليها تلك القنوات، وأن يتم إعادة النظر فى هذه المشروعات للوصول إلى التوازن الغائب منذ إطلاقها. وأوضح طارق الفطاطرى رئيس قنوات المحور أن الفكرة جيدة إذا اتفقت القنوات المصرية الخاصة كلها على تنفيذها، وأن يكون لغرفة صناعة الإعلام دور فى ذلك، ورغم أنه متخوف من ألا يتقبل الجمهور المصرى هذه الفكرة إلا أنه إذا وجد المحتوى الجيد الذى يقنعه بأن يدفع مقابلاً ماديًا للخدمة التى تصله فلن يكون لديه مانع، خاصة أن الفضائيات تتكبد حالياً أعباء كبيرة قد تعصف بها، إذا لم يتكاتف الجميع لإنقاذها. واعتبر المخرج طارق فهمى المدير الفنى لقنوات دريم أن تجارب العالم تؤكد أنه لا أحد يحصل على خدمات إعلامية مجانية وبالتالى فكرة أن يكون هناك مقابل مادى أمام الخدمات وأن يكون هناك مورد بديل بجانب الإعلان أمر مقبول، ولكن ما هو المحتوى الذى يدفع الجمهور مقابلاً ماديًا ليشاهده ولابد أن تكون هناك مواد مختلفة من برامج جيدة، أفلام، ومباريات، وأن تلبى رغبات الجمهور المستهدف بكل أعماره وفئاته ونجاح هذه الفكرة متوقف على ذلك.