يبدأ هذا الجزء منَ القرآن الكريم، منْ الآية [ 24 ] من سورة النساء، و حتى الآية [ 147 ] من سورة النساء ذاتها ، وممّا ورَد فيه : (مَا مَلَكتْ أيمانكُم) [ النساء 24 ] يجب التمييز بين: إمَاء : و هُنّ [ سبايا الحرْب ] . أيامى : وهُنّ [ غير المتزوّجات]. ملْك اليمين : و هُنّ اللواتي [يعملْن في البيوت مُقابل أجْر ] في العصر الحديث. وقد طالب القرآن الكريم بالزواج من [ الإمَاء = سبايا الحرب ] زواجاً شرعيّاً ، مثل أي فتاة أخرى [ أيّم = غير متزوّجة ] في المجتمع ، فقال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكُم والصالحين منْ عبادكم وإمائكُم) [ النور 32 ]، وسورة النور هي سورةٌ [ مفروضة ] لقوله تعالى في بدايتها: (سورةٌ أنزلناها وفَرضْناها) [النور 1] ملْك اليمين : ورد ذكرهُنّ في القرآن الكريم ، في عدّة مواضع هي : (مَا مَلَكتْ أيمانكُم) 7 مرّات ، في سُوَر النور / النساء / الروم. (مَا مَلَكتْ أيمانُهُم) 4 مرّات ، في سُوَر المؤمنون / الأحزاب / النحل / المعارج. _ (مَا مَلَكتْ يمينُك) 2 مرّة، في سُورة الأحزاب 50 / 52. (ما ملَكتْ أيمانهُنّ) 2 مرّة ، في سُورتيْ النور 31 والأحزاب 55. فإذا كان مسموحا للرجُل إقامة العلاقات الجنسيّة مع [ملْك اليمين]، فماذا سنقول في قوله تعالى: (مَا ملكتْ أيمانهُنّ)!!!!!! الزواج من [ ملْك اليمين ] : إذا أراد الرجُلُ الزواج من اُنثى زواجاً شرعيّاً [ مهْر + عقد شرعيّ ] ، فقد وضَع له القرآن الكريم احتماليْن : الزواج من [ مُحصنة = ابنة عائلة معروفة في البلدة ] ، وإذا كان ذلك يتطلّب تكاليف ماليّة كبيرة [ تأمين السكن والفرش وتكاليف حفلة الزواج وارتفاع المهر .. ] ، عند ذلك يُمكنه الزواج من: [ ملْك اليمين = إنسانة تعمل بأجر في بيوت الناس أو بيته ] ، وفي هذه الحالة تكون التكاليف الماليّة أقلّ . والدليل على أنّ السبب هو سببٌ [ ماليّ ] فقط ، يقول تعالى صراحةً: (و مَنْ لم يستطعْ منكُم طَوْلاً أنْ ينكح المُحصنات المؤمنات، فمن مَا مَلَكت أيمانكم منْ فتياتكم المؤمنات) [النساء 25] ، إذا : إمّا الزواج من [المُحصنة]، أو الزواج من [ ملْك اليمين ] ، وليس الاثنتين معاً. وتُتابع الآية الكريمة عن ملْك اليمين: (فانكحوهُنّ بإذن أهلهنّ، وآتوهُنّ اُجورهُنّ بالمعروف) [ النساء 25 ] ، أيْ: الزواج بموافقة أهلها + المهر الذي تعارف عليه المُجتمع ( بالمعروف ). وتُتابع الآية الكريمة: (مُحصنات غيْرَ مُسافحاتٍ ولا مُتّخذات أخدان) [ النساء 25 ] ، أي : تُصبح زوجة مُحصنة، وليست [ عشيقة أو صاحبة ] ، لأنّ الله يقول صراحةً: (و لا تُكرهوا فتياتكُم على البغاء) [ النور 33]. أو : الله سبحانه يستخدم كلمة [ أوْ ]، للدلالة على [ الاختيار ] بين [ المحصنة أو ملْك اليمين ] ، مثال: (إلاّ على أزواجهم أو مَا ملَكتْ أيمانهم) [ المؤمنون 7 / المعارج 3 ]، ( فواحدة أو مَا ملَكتْ أيمانكم) [ النساء 3 ]. وقد ذكر القرآن الكريم حرف [ و ] فقط مع الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وهذا التخصيص لأنّ الرسول هو [صاحب الخُلُق العظيم ] ، فقال تعالى: (يا أيها النبيّ إنّا أحْللْنا لكَ أزواجك اللاّتي آتيْت اُجورهُنّ ومَا مَلَكتْ يمينُك) [ الأحزاب 50 ]. لذلك يجب عدَم الاستماع إلى الذين يهمُّم فقط الشهوات: (ويريد الذين يتّبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) [ النساء 27 ] ، أيْ : ميلاً عظيماً في فهم الآيات وتسخيرها لشهواتهم. نفي الظلم نلاَحِظُ في سُورَةِ النِسَاءِ ثَلاَثَ آيَاتٍ تَنْفي الظُلْمَ عَنِ اللّهِ سُبْحَانَهُ: (إنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) [ النساء 40 ] ، (وَ لاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [ النساء 124] ، (وَ لاَ يُظْلَمُونَ فَتيلاً) [ النساء 49 ]، ثُمَّ كَرَّرَ الفَتيلَ فقط في سُورَةِ الإسْراءِ: (وَ لاَ يُظْلَمُونَ فَتيلاً) [ الإسراء 71 ].
علم الاستنباط .. اسْتِخْراج الأحْكامِ وَ القوانِيْنِ وَالحقائِق (لا تقولوا راعنا): راعِنا: هِيَ كَلِمَةٌ خَبيْثَةٌ [ مِنَ الرُعُونَةِ وَاحْتِقارِ المُخَاطَبِ ] تستخدم في الأسْواقِ عِنْدَ البَيْعِ وَالشِراءِ وَ قَدْ أمَرَ اللّهُ عَدَمَ قَوْلِها: (يَا أيُّهَا الذيْنَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا راعِنَا وَ قُولُوا انْظُرْنَا) [ البقرة 104 ]، لأنَّ هَذِهِ الكلِمة هيَ [ طَعْنٌ في الديْنِ ]: (وَمنَ الذيْنَ هَادوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ يَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنَا لَيّاً بِألْسِنَتِهِمْ وَطَعْنَاً في الديْنِ ) [ النساء 46 ]. (يستنبطونه منهُم): عِلْمُ الاسْتِنْباطِ هُوَ جَوْهَرُ العُلُومِ، التي تَحْتاجُ لِمَنْ يَجْلوهَا بِفَهْمٍ وَمَنْطِقٍ، وَروحُ الفِقْهِ الذي يَحْتاجُ لِمَنْ يَجْلوهُ بِبَصِيْرةٍ وَتَبَصُّرٍ، وَكَلِمَةُ الاسْتِنْباط مِنْ [نَبَطَ] أيْ اسْتَخْرَجَ، فَنَقُولُ : نَبَطَ المَاءُ إذَا اسْتَخْرَجَهُ، لِذَلِكَ فإنَّ اسْتِنْباطَ القُرْآنِ الكَريْمِ: (لَعَلِمَهُ الذيْنَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [ النساء 83 ]، يَعْني اسْتِخْراج الأحْكامِ وَالقوانِيْنِ وَالحقائِق، مِمّا يَبْدو بَسِيْطَاً وَهامِشيّاً أوْ مُتَعارَفاً بَدِيْهِيّاً، وَهُوَ سِرُّ فَهْمِ الأحْكامِ، وَفَهْمِ [ النَصِّ الرَبّانيّ] فَهْمَاً حَقِيْقِيّاً، لِبَعْثِ الحَياةِ في الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ. وَالاسْتِنْباطُ عِلْمٌ ذَوْقيٌّ، وَالذَوْقُ يَرْفُضُ وَ يَمْنَعُ الشِدَّةَ المُتْلِفة وَالتراخي المُضَيِّعِ، فالذَوْقُ فَهْمٌ لَيّنٌ وَسَلِسٌ لِلنَصِّ الشَرْعيّ، وَفَهْمٌ جَماليّ بِعُمْقٍ نَقْديّ يَمْنَحُ النَصَّ الشَرْعيّ نِطاقَاً أوْسَع وَمَدىً أرْحَب، يَتلاءَمَانِ مَعَ كُلِّ زَمانٍ وَمَكانٍ، وَيَكُونُ الدِيْنُ صَالِحاً لِكُلِّ الناسِ : (اُدْعُ إلى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَ المَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ) [ النحل 125 ]، وَ لَيْسَ بالتَخْويْفِ وَ تَحْويْلِ الدِيْنِ إلى [ فَزَّاعَةٍ ]. (لسْتَ مُؤمناً) [النساء 94]: إذا كان الإنسانُ مُسالماً وآمناً في بيته، فالأمْرُ الإلهيّ واضحٌ وُضوحَ الشمس و هوَ: (لا ينهاكُمُ الله عَنِ الذينَ لمْ يُقاتلوكُمْ في الدينِ ولمْ يُخْرجوكُمْ منْ دياركُم أنْ تَبرّوهُمْ وتُقسطوا إليْهِمْ) [ الممتحنة 8 ]، لذلكَ فإنّ إخراج الناس الآمنين المُسالمينَ منْ بيوتهِم هوَ [عصيانٌ] لهذا الأمْر الإلهيّ. _ والأمرُ الإلهيّ الآخرَ: (يا أيّها الذينَ آمنوا ادْخُلوا في السِلْم كافّةً) [البقرة 208]. _ والأمْرُ الإلهيّ أيْضاً: (و لاَ تقولوا لِمَنْ ألْقى إليْكُمُ السَلامَ لسْتَ مُؤمناً) [ النساء 94 ]، أيْ : لا يجوزُ [ تكفير ] الآخرين إذا كانوا مُسالمينَ. والسَادَةُ النصارى لهُم توصيةٌ خاصّة منَ الله سُبحانهُ: (أقْربَهُم مودّةً للذينَ آمنوا الذينَ قالوا إنّا نصارى) [ المائدة 82]. _ لذلك لا يجوزُ لا يجوزُ لا يجوزُ ... الاعتداء على أيّ إنسانٍ كانَ، في ماله وعرضه و ....، والمطلوبُ [ فقط ] صَدّ العدوان، وليْسَ [ الاعتداء ] على الآخرينَ . أمّا [ الجهادُ ] في الدين الإسلاميّ، فهوَ جهادٌ [ فكْريّ ] بالحوار والمنطق، وليْسَ بالسيْف، والله يقولُها صراحةً وبكلّ وُضوح: (وجاهدْهُم به جهاداً كبيراً) [ الفرقان 52 ]، أيْ : جاهدهُم بالقرآن الكريم والحوار والمنطق، أمّا [ الإكراهُ ] فهوَ مرفُوضٌ مرفوضٌ مرفوضٌ، لأنّ الله لا يُريدُ ذلك: (وَ لوْ شَاءَ ربّكَ لآمَنَ مَنْ في الأرْضِ كلّهُمْ جميعاً) [ يونس 99 ]، فالله لا يحتاجُ إلى [ جهاديين ]، وتكفي مشيئته لتحقيق ذلك، ولكنّ الله يُريْدُ [ الاختلافَ ] بينَ الناس في مُعتقداتهم: (ولا يزالونَ مُختلفينَ ولذلكَ خَلقَهُم) [هود 119]، (ولوْ شاءَ الله لجمعهُم على الهُدى) [الأنعام 35]، وبذلك يُوضح الإسلام أنّ أصل العلاقات مع الآخرين هو [السلْم العادل] سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب والدول، وقد حذّر القرآن الكريم عدم التقيّد بالأوامر التي مرّت في الآيات السابقة، فقال تعالى: (فإنْ زللتمْ من بعد ما جاءكم البيّنات فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم) [ البقرة 209 ]، أيْ إذا زللتمْ عن هذه التعليمات بعدما أوضحناها لكم، فإنّ الله (عزيز) عنكم وليس بحاجة لكم. (نُشُوزاً أوْ إعْراضَاً) [النساء 128]: مِنْ طَبيعَةِ المَرْأةِ النشوز فقط مع عَدَمَ الإعْراضِ : (وَاللاَتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ) [النساء 34 ]، نُشُوزَهُنَّ : تَمَرُّدَهُنَّ فَقَطْ وَلَمْ يَقُلْ : أوْ إعْراضَهُنَّ، بَيْنَمَا عِنْدَ الرَجُلِ نَجِدُ النُشُوزَ وَالإعْرَاضَ : (وَإنْ اِمْرَأةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أوْ إعْراضَاً) [ النساء 128 ]، نُشُوزاً : تَمرّداً، إعْراضَاً : هُجْرانَاَ بِحيْثُ لاَ يُكلّمها، فَيَكُونُ الشُحُّ وهو : البُخْل حتّى بالعَواطِفِ وَ الكلامِ إضَافَةً للمَال مِنَ الرَجُلِ فَقَطْ، لَذَلِكَ تُتَابِعُ الآيَةُ الكَريمَةُ معَ الرِجال فقط: (وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُحّ) [النساء 128 ]، و لِذَلِكَ قال تعالى : (وَ مَنْ يُوْقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) [ الحشر 9 ] [التغابن 16]، (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أَشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ) [ الأحزاب 19 ]. (ما يفْعلُ الله بعذابكم إن شكرتُم وآمنتم) [النساء 147]: إنّ اللّه سُبحانه وتعالى خلقنا كيْ نكونَ [ فقط ] سُعداءَ وفرحين بكلّ السَعادة في الدنيا والآخرة، لذلك جعَلَ هذا الديْن في غاية [ اليُسْر ]، كمَا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم: [إنّ هذا الدينَ يُسْرٌ]، وقال تعالى عن هذا الدين إنّه [حنيف = مَرِنٌ جداً ]: (قُلْ إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مُستقيم، ديْناً قِيَمَاً، ملّةَ إبراهيْمَ حنيفاً) [ الأنعام 161 ]، فالدينُ هُوَ [القِيَمُ] والأخلاق.