تقود الجزائر جهود وساطة "الرمق الأخير" في ليبيا عبر جبهتين ترتكز على كسب مواقف القبائل ثم القوى الفاعلة في الميدان، قبل إعادة لم شمل الفرقاء في ظل تعقيدات المشهد الأمني وانقسام الطبقة السياسية. وتحاول المقاربة الجزائرية فك طلاسم الأزمة الليبية بالاعتماد على وساطة حكومات أفريقية وإقليمية لها امتداد في عمق المجتمع القبلي، معتقدة أن تنظيمات مثل "داعش" و"فجر ليبيا" و"أنصار الشريعة" و"القاعدة" يمكن القضاء عليها بسهولة في حالة التمكن من حل المشكل الرئيس المتمثل في توحد القبائل على كلمة واحدة، فالحركات المسلحة انتهزت فرصة غياب التوافق بين القبائل لتوسيع نشاطها الجهادي في البلاد. وقال الخبير الجزائري في مكافحة الإرهاب علي الزاوي ل"بوابة الوسط" الليبية: إن "فرص الحوار تمر عبر القبائل لأن الميليشيات تخضع لأوامر القبائل"، وحسب تصريحه، فإن حل الأزمة الليبية لابد أن يكون دبلوماسيًا بالعودة إلى طاولة الحوار بين كل الشرائح الليبية، معربًا عن اعتقاده أن مفاوضات جنيف أخفقت، ومشيرًا إلى أن النزاع الآن يقع بين دولتين عظمتين في ليبيا وهما فرنسا وأمريكا وكلتاهما يدعم طرفًا على حساب آخر. مفاتيح القبائل وتفيد مصادر جزائرية دبلوماسية في هذا الصدد بأن الجزائر طلبت من كل من رؤساء النيجروتشاد والسنغال التوسط لدى زعماء قبائل القذاذفة ورفلة والمقارحة إلى جانب قبيلتي التبو والطوارق في الجنوب والجنوب الغربي للقبول بمسودة الحل السياسي الذي يتعلق بإنهاء الاقتتال وإلقاء السلاح تمهيدًا لمصالحة وطنية قبل الدخول في العملية التفاوضية لامتلاكهم مفاتيح الحل في ليبيا، وقالت المصادر الجزائرية إن الرئيس التشادي إدريس ديبي، كان أهم حليف لمعمر القذافي، وهو ما ينطبق أيضًا على رئيس النيجر محمد أوسوفو. وزار رؤساء أفارقة قبل اسابيع الجزائر على رأسهم رؤساء تشاد إدريس ديبي، ومالي إبراهيم أبو بكر كيتا والسنغال ماكي سال ورئيس النيجر الذين دعوا في دكار في 16 ديسمبر الماضي، الدول الغربية إلى "استكمال العمل" في ليبيا بالتدخل ضد معقل الجهاديين. توجس وقلق وعلى جانب آخر فبعض القبائل "متوجسة" من الوساطة الجزائرية، مثل رئيس ما يسمى لجنة الحوار المجتمعي الليبي عادل القايدي، الذي وصف الحوار المرتقب في الجزائر بالمريب، ومتهمًا أطرافًا عدة على رأسها قطروتركيا بالعبث بالأمن في البلاد بدعم الجماعات المسلحة، وتحدث على لسان القبائل معبرًا عن "رفض المشاركة في حوار الجزائر حتى لو تم توجيه دعوة للمشاركة فيه لأن هناك قوى تدعو لحوار الجزائر وغير صادقة في نواياها" حسب قوله. وتؤدي الجزائر وساطة منذ أغسطس 2014 لإقناع أطراف الأزمة بالجلوس إلى طاولة الحوار لبحث التوصل إلى حل يفضي إلى مصالحة، غير أن تحفظ بعض الأطراف على مشاركة رموز النظام السابق في الحوار، حال دون تحقيق هذا المبتغى. ويشير مصدر سياسي ليبي، رفض الكشف عن هويته، أن شيوخ قبائل كانوا يتولون رتبًا عسكرية عالية قبل 2011 يتوزعون الآن في الجزائر ومصر وتونس لكن لم تستعن بهم دول الجوار أو هيئة الأممالمتحدة لتقريب وجهات النظر داخل ليبيا، موضحًا أنهم يمثلون "جزءًا من الحل المستعصي". ولكن مكمن "تحفظ" زعماء قبائل ليبية على وساطة الجزائر في تسبيق أولوية تأمين الشريط الحدودي مع ليبيا الذي يمتد على مسافة 1000 كلم على إيجاد حل سياسي تجنبًا لحمم الاضطرابات الأمنية المحتملة مع اقتراب التدخل العسكري. وأطلقت السلطات الجزائرية خطة تعتمد على تكوين علاقات قوية مع القبائل والسكان المحليين بالمناطق الجنوبية الشرقية في ليبيا تندرج في سياق سياسة دفاعية جديدة تشجع على خلق فضاءات آمنة عند الحدود. وساطة الإخوان تتأرجح في المقابل استعانت الوساطة الجزائرية ايضا بحكومات قطروتركيا التي لها يد طولى ونفوذ واسع بين الجماعات الإسلامية في ليبيا، والمؤتمر الليبي المنتهية ولايته، وكذا حكومة عمر الحاسي التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها، الى جانب قوات "فجر ليبيا". ففي شهر نوفمبر 2014 ، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر وأبدى استعداده للانخراط في حل الأزمة الليبية وهو ما مهد لتعيين أمر الله ايشلر الممثل الخاص للرئيس التركي حول ليبيا الذي التقى مسؤولين جزائريين مرتين للتباحث حول القضية. ويرى الخبير في الوحدة الاستراتيجية والأمنية بمركز الأهرام في القاهرة الدكتور عادل عبد الصادق، في تصريح ل"بوابة الوسط" أن "تورط عدد من الأطراف الإقليمية في الصراع سواء عبر دعم فصيل أو آخر أو عبر وجود علاقات تاريخية وفكرية يدفع إلى أهمية تحمل تلك الدول المسؤولية عن عدم تقدم المصالحة الليبية وبخاصة مع حساسية الموقف الجزائري والمصري من وتيرة الأحداث المضطربة". وطلب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مجددًا وساطة الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية الإخوانية لدى أطراف ليبية مقربة منه، محاولة أخرى لترجيح كفة التوافق وإقناعهم إلقاء السلاح لمنع توسع نشاط الجهاديين إلى دول الجوار. المصالحة في ليبيا جزء من الأمن الإقليمي ويتابع الدكتور عادل عبد الصادق أن "عملية المصالحة في ليبيا تأتي أهميتها من كونها ليست فقط شأنًا محليًا ليبيًا، ولكن أصبحت المصالحة الوطنية في ليبيا جزءًا لا يتجزأ من الأمن الإقليمي وبخاصة بعد التهديد بانتقال التنظيمات المتشددة عبر تهديد دول الجوار الليبي وحالة الفوضى الأمنية والتي تمثل بيئة خصبة لنمو جماعات أخرى أكثر تشددًا وتهديدًا لعملية بناء الدولة الليبية". وفي اعتقاد الخبير المصري، فإن تعدد الأطراف الإقليمية وتعزيز دورها في عملية المصالحة وبخاصة تركياوقطر، من شأنه أن يعمل على وقف الدعم الخارجي لتلك المنظمات والتيارات المتشددة على النحو الذي يوفر بيئة مناسبة للتقدم في المصالحة، ويوفر من ناحية أخرى ضمانات إقليمية لأطراف الصراع للدخول في مرحلة بناء الثقة بين جميع الأطراف، ويكشف من جهة ثالثة عن جدية تلك الدول في مكافحة التطرف وتهديد الاستقرار الإقليمي لحسابات خاصة بها . أجندة القوى الإقليمية تعقد الأزمة ويرى مدير مركز الرائد للدراسات الاستراتيجية الجزائرية سليمان شنين أن "الجزائر تدرك جيدًا عمق تعقيدات الأزمة الليبية وتدرك أن بعض القوى الليبية لها ارتباطات بالقوى الإقليمية لذلك حرصت على التواصل مع معظم العواصم التي لها تأثير قوي مثل القاهرة وإسطنبول فلا يمكن في الوضع الحالي أن تقرر القوى الليبية في الحل الدائم بمفردها". وفي تصور الخبير السياسي الجزائري فإن حوار جنيف وما تبعه هو نوع من الحرص الأممي على التوصل إلى حلول من خلال الجمع بالقطعة والمبادرة الجزائرية تصب في هذا المنحى. وردًا على سؤال "بوابة الوسط" عن مدى تأثير استعانة بلاده بقوى أجنبية وعربية تسعى إلى فرض أجندة خاصة على الحل السياسي وهو ما يعمق من الأزمة، أكد شنين أن توجه الجزائر الرسمي أن تجد عوامل مشتركة فهي تدرك أجندة الدول المختلفة لذلك لا تريد أن تتصادم معها وإنما تسعى إلى جمع الأطراف المعنية على طاولة واحدة، ويضيف مدير مركز الرائد "ونظن أنه بالحوار والنقاش سيتوصل الليبيون إلى أرضية مشتركة".