إن النفس أمرها عجيب، فهي إما أن تورد صاحبها الجنة وإما الهلاك، لذا على كل منا أن يقف من حين لآخر مع نفسه ليحاسبها ويقومها إذا انحرفت عن طريق الله، فلا يبرئ الإنسان نفسه وينزهها عن الخطأ، فقد قال -تعالى- على لسان سيدنا يوسف -عليه السلام-: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي". من هنا علمنا أن النفس من طبعها تأمر بالسوء وتزينه لصاحبها، إلا من رحمه الله واعتصم بصراط الله المستقيم، وحاسب نفسه على ما قدمت أو عملت، قال -تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". ومن العجيب هو انشغال كثير من الناس بأنفس غيرهم يتهمونها كأنهم عليها رقباء، فينصبوا لهم الموازين، ويكيلون لهم الاتهامات، ويحاسبونهم على أفعالهم حسابًا عسيرًا، وهم يتركون أنفسهم ترتع في الشهوات وأوامر السوء، ونسوا قول النبي -صل الله عليه وسلم- : "الكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفَسَهُ هَواهَا وتمنَّى على الله"، رواه الترمذي. فكل واحد منا أحقّ على محاسبة نفسه لا غيره، فنحن أعلم بنفوسنا وخباياها ونواياها وأحوالها، أعمالها وأفكارها، قال -تعالى-: "بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ"، وهذا دليل على قبول إقرار الإنسان على نفسه، بشهادته عليها، قال -تعالى-: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون". فمحاسبة النفس تقود صاحبها إلى التواضع والإنكسار أمام الله، تبعد عنه الكثر من أمراض القلوب التي تبطل الأعمال الصالحة كالغرور وغيره، فترك الإنسان لنفسه دون محاسبة من السهل أن يقع في هذه الأمراض، فإذا حاسب نفسه، انكشفت أمامه خطاياه وسقطاته، يدرك أنه أقل بكثير مما كان يظن في نفسه، ويتواضع لله -سبحانه وتعالى- ويجتهد في العبادة والطاعة وحسن معاملة الخلق ليكون أهلًا لمقام العبودية لله، فإذا حاولت نفسه أن تتكبر وتزين له العجب بعمله يتذكر تقصيره إذا حاسبها فيعود إلى الإنكسار والاجتهاد في الطاعة. قال الصديق أبو بكر -رضي الله عنه-: "من مقت نفسه في ذات الله، آمنه الله، وقال الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر"-. فعلى الإنسان أن يكون محاسبًا لنفسه في كل أحواله وأيامه، وأن يتهمها ويلومها على تقصيرها في حق الله، وحق عباد الله، ولا يتساهل في محاسبتها فإنها أمارة بالسوء، ومن تأمل في أحوال الصحابة الكرام والسلف الصالح وجدهم في أكمل صور العبادة والاجتهاد فيها، ومع ذلك كانوا يحاسبونها أشد الحساب ليقوموا خطواتهم في طريقهم إلى الله -تعالى-.