يشكل النجم المصري الشاب أحمد حلمي نموذجا مضيئا للفنان المتأمل في عصر الفرجة بقدر ماحملت كلماته في محنة المرض اضاءة كاشفة لأصالة تكوينه الثقافي الانساني والم المبدع وأمله. ووسط دعوات بكامل الشفاء من جانب جمهوره ومحبيه قال أحمد حلمي أنه تعافى تماما بعد أن خضع لجراحة في الولاياتالمتحدة لاستئصال ورم سرطاني وسيعود قريبا لأرض الوطن حسبما افادت تقارير اعلامية . وفيما كان آخر أفلامه يحمل اسما دالا هو : صنع في مصر فإن الانتماء الوطني لمصر يتجلى في الكثير من أعمال الفنان أحمد حلمي الذي قال في تغريدة الكترونية قبيل أن يخضع مؤخرا لعملية استئصال الورم : عشت حياتي متأملا وعرفت أن للحياة جانب آخر مظلم وعندما اكتشفت انني اقف فيه، تألمت ولكنني لم ايأس وازداد اصراري على ان اكمل ماتبقى من الحياة متأملا للجانب المضيء في آلامي . وهذا الفنان المتأمل صاحب اهتمامات ثقافية واسهامات في الكتابة الصحفية فيما جاء كتابه 28 حرف ليثير فى الواقع 28 سؤالا او اكثر فى عالم الكتب والنشر بل وفى الثقافة على وجه العموم. فالتساؤلات كثيرة عن هذا الكتاب الذى صدر منذ نحو عامين شكل ظاهرة بعد ان حقق مبيعات عالية رغم ان كاتبه لايدعى ابدا انه كاتب محترف او مثقف ثقيل الوزن!. مؤلف الكتاب يتأمل في عصر الفرجة وهو ذاته احد نجوم ثقافة عصر الفرجة ويحظى بقبول واضح على الشاشة..لكن السؤال كان : هل القبول للممثل على الشاشة يعنى ان يحقق كتابه بالضرورة نجاحا منقطع النظير مثل كتاب 28 حرف؟! . وثمة كتابات عن ثقافة عصر الفرجة حيث تلعب الصورة على الشاشات الكبيرة والصغيرة دورا اساسيا فى تشكيل الادراك ويتحدث بعض من تناول هذا الموضوع عن ارتباط الجودة والقيمة فى تلك الثقافة بالرؤية والمظهر فيما يصبح النجوم هم الذين تقدمهم الشاشات وهم قادة الرأى ومحركو المشاعر وربما صانعو العقول وخرائط الوعى بما قد ينطوى عليه هذا الوعى من اوهام. ففى ثقافة عصر الفرجة الصورة هى الأهم وهى مسألة قد تثير ضيق هؤلاء المنتمين لطراز المثقف الثقيل الوزن او العاكفين على قراءات وطروحات عميقة. واذا كان كتاب 28 حرف قد شق طريقه لقوائم اعلى المبيعات فى مصر فان اول قصة يكتبها راقص الباليه العالمى والكوبى الأصل كارلوس آكوستا احتلت مكانها بسرعة ضمن قوائم اعلى مبيعات الكتب فى الغرب . ويقول كارلوس آكوستا انه كتب قصته: قدم الخنزير على مدى اربعة اعوام فى اوقات الفراغ من العمل واكتشف ان تجربة الكتابة مفيدة حتى لعمله كراقص باليه على اهم مسارح العالم واشهرها فبات يؤدى باليه بحيرة البجع بصورة افضل . وعلى شبكة الانترنت فان الكثير من المواقع تحدثت عن القصة الأولى لراقص الباليه العالمى كارلوس اكوستا كما هو الحال بالنسبة للكتاب الأول للفنان المصرى احمد حلمى وراحت تعرض تحميله بأفضل جودة للقراءة مع مناقشات لافتة واحيانا طريفة وساخرة لبعض المدونين الالكترونيين وتنقسم بوضوح مابين متحمس للكتاب او محبط منه . واذا كان البعض قد طالب احمد حلمى بأن يكون هذا كتابه الأخير وان يكتفى بالتمثيل فان هذا الفنان الشاب لم يدع انه كاتب متمرس بل انه اقر صراحة بصعوبة عملية الكتابة كما ان هذا النوع من الانتقادات او الدعوات بالكف عن الكتابة قد تدحضه المبيعات العالية لكتاب 28 حرف والذى تطرق بحس فكاهى لقضايا مثل تدهور التعليم والبطالة وازمة الأخلاق. وكان احمد حلمى قد اشار الى ان قرار اصدار الكتاب كان فكرة لبعض اصدقائه المقربين فيما اهدى كتابه الأول هذا او اطلالته الأولى على عالم الأدب لوالده ونوه بأن كل ارباحه من الكتاب ستذهب لتنمية المواهب . و لئن كان احمد حلمى لم يدع احترافية الكتابة او يزعم بأنه صاحب رؤى ثقافية عميقة فان الساحة الفنية المصرية عرفت دوما مثقفين واصحاب رؤى عميقة مثل المخرج الراحل يوسف شاهين والممثلة محسنة توفيق والراحل العظيم محمود مرسى والفنان حمدى احمد والممثل المبدع يحيى الفخرانى. ودون تعسف يمكن وضع كتاب 28 حرف ضمن محاولات تعبر عما جرى قبيل ثورة يناير وبعدها او تطرح رؤية للمشهد المصرى وهمومه سواء جاءت هذه الرؤية باحترافية الكاتب او برؤية فطرية كما هو حال احمد حلمى فى كتابه الذى هو فى نهاية المطاف يتخذ مدارات مصرية صميمة. والكتاب الصغير الحجم الذى يضم 28 مقالا تنضح بالعامية محاولة للكشف ببساطة عن اوجاع الوطن قبل ثورة يناير وبعدها فيما جاءت المحاولة عبر رسائل ذات مضمون اجتماعى وسياسى وانسانى بالدرجة الأولى وتعكس خفة ظل احمد حلمى كممثل ولاتخلو من افكار مسلية ومبتكرة الى حد ما وبأسلوب سهل وبسيط وهو فى الواقع مجموعة مقالات كان قد نشرها فى بعض الصحف. والفضول للتعرف على اسرار المشاهير فى عالم الفن وكل مايتعلق بهم طبيعى فنحن فى عالم يهتم بكل كبيرة وصغيرة تتعلق بالنجوم غير انه احيانا قد يصل الأمر لحد السخف بل والحاق آلام بأشخاص في محنة كما حدث مع النجم الشاب احمد حلمي وغيره من المشاهير في محنة المرض. فوسط الام الفنان الشاب احمد حلمي تجلت ظاهرة النشر غير المسؤول وغير الملتزم بقيم المجتمع واخلاقياته بعد ان تعرض لاتهامات ظالمة في ذروة محنته وذهب البعض خلافا للحقيقة الى انه اتجه للولايات المتحدة مع زوجته الفنانة منى زكي من اجل حصول طفلهما على الجنسية الأمريكية. ويبدو ان هناك حاجة لتفعيل مزيد من الالتزام وتوخي الحذر عند نشر اخبار تتعلق بالحالة الصحية لأي شخص وتفادي الاساءة له او زيادة آلامه في محنة المرض فيما اظهرت قصة مقدمة البرامج الأمريكية الشهيرة اوبرا وينفري عواقب التسرع وعدم الدقة. فبعد ان تبارت بعض الصحف ووسائل الاعلام المختلفة مؤخرا في نشر اخبار تؤكد ان اوبرا وينفري لن تعيش اكثر من اربعة اشهر بعد اصابتها بالسرطان في مراحل متقدمة تبين ان الأمر برمته مجرد خدعة من دبرها موقع الكتروني على شبكة الانترنت بهدف اثبات عدم دقة وسائل الاعلام في بث الاخبار وتناقلها قبل التأكد من صدقيتها والتحقق من مصادرها. وفيما طمأن الموسيقار الكبير عمر خيرت بدوره جمهوره على استقرار حالته الصحية بعد الوعكة التي المت به مؤخرا وارغمته على عدم احياء حفل له في ساقية الصاوي فان السؤال في السياق العام :ماذا يحدث عندما يتمرد جسد المبدع او ذاكرته؟!. سؤال مطروح فى راهن اللحظة العربية والعالمية وينطبق على مبدع عربى كبير مثل محمد الفيتورى كما ينسحب على مبدع امريكى لاتينى مثل الراحل العظيم جابرييل ماركيز بقدر مايعيد للأذهان معاناة مبدعين فى قامة خورخى بورخيس. فملايين العرب الذين عرفوا وتذوقوا متعة الابداع الشعرى لمحمد الفيتورى لابد وان يعتريهم كثير من الأسى فى وقت تتواتر فيه التقارير حول تردى الحالة الصحية لصاحب السؤال المثير للشجن فى رائعته معزوفة لدرويش متجول : تبكينى ام ابكيك ؟!. ويقيم محمد الفيتورى منذ سنوات فى المغرب فيما كان قد اصيب منذ عدة اعوام بجلطة فى المخ يقول مقربون منه انها تركت تأثيرها على لسانه وحركته وافقدته الكثير من حيويته. ويجمع صاحب ديوان اغانى افريقيا واحد المغنين العظام فى قافلة الشعر العربى المعاصر فى وجدانه المثلث الذهبى او مصر وليبيا والسودان حيث انحدر من اب ليبى وام سودانى وعاش سنوات تكوينه وتعليمه وعمله بالصحافة الثقافية فى مصر وهو مايتجلى فى شعره. واعتبر ديوان اغانى افريقيا الذى صدر عام 1955 بمثابة الطلقة المدوية المعلنة عن ميلاد شاعر كبير وموهبة شعرية طاغية لتتوالى ابداعاته التى بلغت 13 ديوانا من بينها : عاشق من افريقيا و اذكرينى باافريقيا و معزوفة لدرويش متجول و شرق الشمس غرب القمر و قوس الليل قوس النهار بينما صدر اخر دوواينه بعنوان : عريانا يرقص فى الشمس . واذا كانت الاسئلة المشحونة باللوعة تتردد على امتداد الخارطة العربية حول حقيقة الحالة الصحية للدرويش المتجول محمد الفيتورى فان السؤال الحزين تردد منذ فى امريكا اللاتينية ودوائر ثقافية غربية قبل عدة اشهر من الاعلان عن وفاة جابرييل ماركيز في السابع عشر من شهر ابريل الماضي :هل فقد الأديب النوبلى ذاكرته ؟!. وفيما ذهب البعض على سبيل الخطأ وبسبب الغموض الى ان الشاعر الكبير محمد الفيتورى قد قضى فان الصحافة الأسبانية كانت قد نقلت منذ عدة اشهر عن صديق حميم للكاتب الكولومبى الأشهر جابرييل ماركيز الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب عام 1982 قوله ان ذاكرة ماركيز تدهورت بشدة واعتبر البعض انه فى حالة موت غير معلن . واضاف هذا الصديق وهو كاتب كولومبى يدعى بلينيو ميندوسا ان ماركيز كان يبدو فى اخر لقاء بينهما فى غاية التعب والانهاك موضحا : انه فى الظاهر يبدو نفس الشخص لكنه فى الحقيقة يبدو ايضا كما لو كان غائبا عن المكان وكأنه فقد تلك الشرارة المتقدة والشعاع اللامع فى عينيه . وكان جابرييل ماركيز قد اصيب فى العقد الأخير من القرن الماضى بسرطان ليمفاوى عولج منه غير ان الحزن استبد به فى عام 2001 بعد ان فقد شقيقه جابرييا اليخيو فيما اصدر بلينيو ميندوسا كتابا بعنوان : رائحة الجوافة يستحضر فيه ذكرياته مع صديقه ماركيز الذى يناديه المقربون منه بجابو . ومنذ مذكراته التى نشرها عام 2002 بعنوان : عشت لأروى لم يصدر اى جديد لهذا الروائى الأمريكى اللاتينى العظيم حتى قضي عن عمر يناهز 87 عاما فيما كان مواطنوه ينزعون نحو ستنكار اى اشارات حول تردى اوضاعه الصحية باعتباره مفخرة وطنية لكولومبيا . ومن ثم فان مقالات مثل المقالة التى كتبها الصحفى ادجار ارتوندواجا بعنوان : هل انطفأت ذاكرة جابو فى اشارة لجابرييل ماركيز لم تلق ترحيبا فى كولومبيا حتى وان خرجت قلة على هذا التقليد مثل صديقه بلينيو ميندوسا الذى اعرب عن شعوره بالحزن العميق حيال ماانتهى اليه اعز اصدقائه مؤكدا انه لايتذكر العديد من الأشياء الا بالكاد . واذا كان الكاتب البريطانى جيرالد مارتين كاتب السيرة الذاتية لماركيز قد ابدى تحفظا حيال الحديث عما تردد حينئذ بشأن فقدان صاحب الحب فى زمن الكوليرا الذاكرة فقد كشف خايمى جارثيا شقيق الأديب النوبلى النقاب عن ان شقيقه اصيب بخلل فى القدرات العقلية ويعانى بعض المشاكل فى التذكر . ويبدو ان هذا الاعلان جاء استجابة لضغوط وانتقادات مثل تلك التى وجهها الكاتب صمويل روزاليز لعائلة جابرييل ماركيز التى تحاول اخفاء كل المعلومات حول حالته الصحية مؤكدا من جانبه على ان صاحب خريف البطريرك لم يعد بالفعل يتذكر سوى ايام طفولته البعيدة. وفى الاتجاه ذاته-اقرت كارمن بالسيلس الوكيلة الأدبية لجابرييل ماركيز بأن صحة جابو بدت منهكة خلال الاحتفال الأخير بعيد ميلاده وسط تقارير اشارت الى ان صاحب مائة عام من العزلة لم يعد يتذكر حتى اصدقائه المقربين. ولئن كان المبدع العظيم جابرييل ماركيز صاحب قصة موت معلن قد اعتبر البعض انه فى حالة موت غير معلن قبل عدة اشهر من وفاته فعليا فان عشاق ادبه لن ينسوا ماقاله يوما ما : لو وهبنى الله حياة اطول سأثبت للبشر انهم مخطئون لو ظنوا انهم يتوقفون عن الحب عندما يتقدمون فى السن بينما هم فى الحقيقة لايتقدمون فى السن الا عندما يتوقفون عن الحب . نعم لن ينسوا كاتبهم الذى بقى وفيا للحب كتيمة اساسية فى اعماله بل انه يرى ان الحب يزداد كثافة كلما اقترب الموت الذى سبق وان واجهه بشجاعة مبدع اخر من المنطقة ذاتها وهو المبدع الأرجنتينى الكبير خورخى لويس بورخيس . فبورخيس الذى ولد عام 1899 كان على موعد مع مشاكل صحية جسيمة واصيب بالعمى فى عام 1950 وبات يعتمد على والدته ثم على زوجته اليابانية الأصل ماريا كوداما فى نسخ ونشر مايكتبه فضلا عن رحلاته وتنقلاته. واذا كان هذا المبدع الأرجنتينى الذى كان يكتب بالأسبانية قد فقد نعمة البصر فانه حظى بنعمة البصيرة النافذة الثاقبة على نحو يعيد للأذهان شخصيات خالدة فى تاريخ الابداع العربى مثل الدكتور طه حسين وقبل ذلك بقرون طويلة ابو العلاء المعرى. ورغم مآساة فقد بصره وآلامه المضنية-لم يسلم بورخيس الذى قضى عام 1986 من تعليقات معادية وشائعات رخيصة جراء فارق السن الكبير بينه وبين زوجته التى استمرت فى الدفاع عنه بعد رحيله فى مواجهة ماوصفته بألسنة السوء . وكانت ماريا كوداما ارملة الكاتب والشاعر الأرجنتينى الشهير خورخى لويس بورخيس قد اكدت ان زوجها ظل يقتنى الكتب حتى بعد اصابته بالعمى فيما حرصت على اصدار الأعمال الكاملة له بتعديلاته وتنقيحاته . وبعد ان بلغ الأمر حد اصدار كتب تتناول الحياة الزوجية بين بورخيس وزوجته فى ظل فارق السن الكبير بينهما وبصورة تنطوى على تجريح لهذا الكاتب والمبدع الكبير- اعتبرت ماريا كوداما ان زوجها مفترى عليه بعد رحيله فيما ذهبت فى ندوة عقدت بالعاصمة الاسبانية مدريد الى ان العديد من الكتاب والنقاد نشروا الكثير من الأكاذيب والافتراءات حوله. وفى ذكرى رحيل صاحب الوداع و المرايا والمتاهات -اعلنت كوداما انها بصدد نشر مذكراتها التى تكشف فيها النقاب عن اسرار حياتها الخاصة مع خورخى لويس بورخيس الذى تصفه بأنه كان شخصا لطيفا خفيف الروح ومغامرا . غير انها اوضحت ان المذكرات لن تكون بمثابة تصفية حسابات مع نقاد اتهمتهم بالتطاول والتهجم على زوجها بعد رحيله عن الحياة الدنيا بقدر ماهى ايضاح للحقائق ووضع للأمور فى نصابها. وحسب تقارير صحفية-فقد اكدت السيدة ماريا كوداما على ان الافتراءات التى نشرت حول زوجها بعد وفاته سببت لها حزنا عميقا بلغ حد الاكتئاب معبرة عن دهشتها لأن بعض من اطلق تلك الأكاذيب والافتراءات لم يعرف ابدا خورخى لويس بورخيس الذى لم ينظر قط بازدراء لأى كاتب او اى عمل ادبى . ومنذ وقت طويل ادرك خورخى لويس بورخيس تناقضاته مع العالم عندما قال : العالم لسوء الحظ واقعى..وانا لسوء الحظ بورخيس ! فيما تمنى لو عاش فى مكتبة الأسكندرية القديمة وصادق ابن رشد وابو العلاء المعرى والطريف انه قرر وهو فى انتظار الموت ان يتعلم اللغة العربية!. انها خصوصية وتفرد المبدع في اي عصر تماما مثلما لأحمد حلمي خصوصيته وتفرده في ثقافة عصر الفرجة حيث سعى لأن يكتب مايشعر به او يحسه دون قيود لأن الحرية جوهر الفنان الحق. احمد حلمي:بوميض الأمل في عينيك وروحك المصرية الطليقة ينتظرك جمهورك في ارض الوطن وينتظرك الفن والابداع..تتقادح الأوقات في هذه الحياة الدنيا مابين نور وظلام والم وامل ويبقى الأمل برقا يشق غيما ينطوي من بعد غيم.