تطالب الدول الغربية مصر باحترام القانون.. لكنها.. ما إن تتعارض مصالحها مع القانون حتى تطالب مصر بتجاوزه. لقد صدر حكمان من القضاء الإدارى بفتح الشوارع المغلقة حماية لسفارتى الولايات المتحدة وبريطانيا.. لكنهما.. لم يطبقا حتى الآن.. ولم تعترض الدولتان على عدم تنفيذهما.. بل طلبت بريطانيا غلق شارعين إضافيين يؤديان إليها.
بل.. اكثر من ذلك طالب قسم الأمن الدبلوماسى فى الخارجية البريطانية وضع كتل خرسانية على بعد 30 متراً من سفارة القاهرة.. بجانب وضع بوابات إلكترونية يمر منها سكان المنطقة.. وهو إجراء لو حدث فى لندن لسقطت الحكومة هناك فى ساعات معدودة.
لكن.. ما يرفض هناك يفرض هنا.. هذه سنة الغطرسة الاستعمارية التى لم تتخل عنها بريطانيا بعد.
لقد وضعت المخابرات البريطانية على خريطة مصر دبابيس ملونة حسب درجة الخطورة.. وضعت دبابيس حمراء على محافظات مرسى مطروح وبورسعيد والسويس والإسماعيلية وشمال وجنوب سيناء باستثناء شرم الشيخ والغردقة.. باعتبارها مناطق شديدة الخطورة.. ووضعت دبابيس صفراء على محافظاتالمنيا وبنى سويف واسيوط.. باعتبارها مناطق آمنة ولكن مع توخى الحذر.. ووضعت دبابيس خضراء على باقى المحافظات باعتبارها مناطق مكتملة الأمان.
لكنها.. فى الوقت نفسه علقت خدماتها القنصلية رغم أنها خدمات لا تقدم لرعاياها.. وإنما تقدم للمصريين.. يضاف إلى ذلك أن هذه الخدمات تقوم بها شركة خاصة تقع على نيل الزمالك وتبعد عن السفارة بعدة كيلومترات.. وفى وقت سابق كانت تلك الشركة تتسلم جوازات سفر راغبى الحصول على التأشيرة وترسلها إلى سفارتها فى أبوظبى للقيام بباقى الإجراءات.
والمقصود.. أن السفارة البريطانية لم تكن تستقبل مصريين للحصول على خدماتها القنصلية مما يعنى أن تعليق هذه الخدمات لا مبرر له.
يضاف إلى ذلك أن السفارة لم تتخذ هذه الخطوة من قبل فى أوقات انفلت فيها الأمن تماما.. وكانت قريبة من تظاهرات شرسة.. تبادلت فيها الأطراف المختلفة كل وسائل العنف.
كما أن نجاح الأمن فى تحجيم تهديدات الجبهة السلفية بالنزول يوم 28 نوفمبر يزيد من ضعف مبررات الجانب البريطانى فيما فعل.. ويجعل تصرفها مستندا على مبررات أخرى غير ضعف الأمن المصرى.. بل إن السفير جون كاسون أعرب على موقع الخارجية البريطانية وعبر صفحته الخاصة على تويتر عن امتنانه «للتعاون الوثيق والمستمر مع الحكومة المصرية» لضمان حماية السفارة ورعاياها.
والمؤكد أن إجراء السفارة البريطانية الذى لحق به إجراء مشابه من السفارة الكندية لا علاقة له بنا.. وإنما يرجع إلى رد فعل التنظيمات الإرهابية ضد دول التحالف الدولى لمواجهة ما يسمى «الدولة الإسلامية» المعروف بداعش.. فالغارة التى تشن عليه فى سوريا أو العراق تؤدى إلى انتقام من رعايا تلك الدول عشوائيا فى كل مكان يتواجدون فيه.. ويعرف هذا الانتقام بسياسة «الذئاب المنفردة».. حيث يكلف كل إرهابى بقتل من يصادفه دون تردد.
وقد تراجعت بريطانيا عن وصف الإخوان بجماعة إرهابية بعد أن تلقت حكومتها تهديدات بعمليات عنف على أرضها وضد رعاياها.. بل.. وفتحت أرضها للعمل السياسى ضد النظام فى مصر.
كما غضبت الجماعة وغيرها من التنظيمات الإرهابية بعد وضع وجدى غنيم المتحدث باسم جبهة دعم الشرعية ويوسف القرضاوى على قوائم الإنتربول فى نشرات حمراء وافقت عليها 136 دولة.
ورغم حذر فرنسا فى تجنب التصريحات والمواقف المستفزة للتنظيمات الإرهابية حفاظا على تدفق 70 مليون سائح إليها فإنها لم تتردد فى إغلاق سفارتها فى صنعاء.
وقد رصدت المخابرات البريطانية تهديدات ضد سفاراتها فى عواصم مختلفة منها القاهرة بسيارات مفخخة.. لكن.. مسئوليها فى القاهرة لم يثبتوا صدق هذه التهديدات عندما جلسوا مع الوفد الأمنى الذى كلفه وزير الداخلية بنظر مطالبهم.
لكن.. كل هذه الأسباب فى كوم وما جاء من واشنطن يوم الثلاثاء الماضى فى كوم آخر.
فى مساء أمس الأول نشرت لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ الأمريكى تقريرها المنتظر منذ شهور عن برنامج التعذيب السرى لوكالة المخابرات المركزية.. والتقرير قبل نشره تسبب فى حالة من الذعر فى الولايات المتحدة وحلفائها.. وعكست تلك الحالة نفسها على السفارات الأجنبية فى القاهرة وأولها السفارة البريطانية.
لقد دعا البيت الابيض منذ شهور المديرين السابقين للوكالة ونوابهم لمراجعة النسخة السرية من ملخص التقرير.. وجرت مراجعة أخرى فى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية.. وبعد إجراء تعديلات على الملخص وافق البيت الأبيض على نشره.. ولكن.. لجنة الكونجرس طلبت تأجيل النشر حتى تتمكن من مراجعة النسخة النهائية التى أرسلها البيت الأبيض.
قالت ديان فاينشتاين رئيسة اللجنة: «إن التقرير تعرض لتعديلات احتاجت لوقت لمعرفة السبب الذى بنيت عليه تلك التعديلات ومبرراتها».
وكانت اللجنة قد تقدمت فى إبريل الماضى إلى إدارة أوباما والمخابرات المركزية بطلب لرفع السرية عن ملخص التقرير.. ويعرف التقرير باسم «برنامج المخابرات المركزية للترحيل القسرى والاحتجاز والاستجواب».. ويقع فى 6 آلاف صفحة.. بعد مراجعة 6 ملايين وثيقة تسجل بشكل مفصل أنشطة البرنامج.. مما يعنى أن تحقيقات لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ بشأن ممارسات المخابرات استغرقت عدة سنوات من يوم الموافقة على حق اللجنة فى إجراء التحقيقات قبل الوصول إلى التقرير النهائى.
وحسب ما ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية فإن التقرير يأتى بعد خمس سنوات من بدء التحقيقات.. ومن المتوقع أن يصنف التقرير بدرجة سرى وألا ينشر إلا بعد 30 سنة.
وحسب الجارديان أيضا: فإن الذعر انتاب الولايات المتحدة وحلفائها ومنهم بريطانيا خشية الكشف عن دورهم فى برنامج الترحيل والتعذيب.. ويورط التقرير 52 دولة منها 25 دولة أوروبية.
على سبيل المثال تورطت المخابرات البريطانية على الأقل فى عمليتى اختطاف وتعذيب سريتين قامت بهما المخابرات المركزية وأسفرت عن ترحيل معارضين ليبيين مع زوجتيهما وأولادهما إلى سجون القذافى.
إحدى الزوجتين والتى كانت «حاملة» فى ذلك الوقت قد أكدت أنها كانت مربوطة من قمة رأسها إلى قدميها طوال الرحلة التى استمرت لمدة 17 ساعة.. الأكثر من ذلك، شارك ضباط المخابرات البريطانية فى استجواب المحتجزين فى خليج جوانتامو وسجنهم بجرائم فى أفغانستان على الرغم من إدراكهم بسوء معاملة المحتجزين، كما قدمت الحكومة البريطانية دعما لوجيستيا لعمليات الترحيل فسمحت باستخدام مطاراتها المدنية والعسكرية لنقل المعتقلين. وبحسب جريدة الجارديان فإن السفير البريطانى فى واشنطن سير بيتر ويستماكوت قد التقى مع ديان فاينشتاين رئيسة لجنة الاستخبارات ما يقرب من 11 مرة أثناء التحضير لهذا التقرير، والتقى السفير السابق له بأعضاء اللجنة العديد من المرات على مدار ثلاث سنوات، وهو الأمر الذى يعكس الدور الكبير لبريطانيا فى برنامج التعذيب السرى للمخابرات الأمريكية.
على ناحية أخرى نشرت جريدة التليجراف وربطت فيه بين التقرير وتصرفات السفارات البريطانية والأمريكية الأخيرة قائلة : إنها فعلت ما فعلت تحسبا لهجمات محتملة رداً على التقرير.
ونشرت الجريدة تصريحات المتحدث الرسمى للبيت الأبيض الذى أكد أن الإدارة الأمريكية اتخذت خطوات استباقية لضمان اتخاذ الاحتياطات الأمنية المناسبة بالمنشآت الأمريكية فى مختلف أنحاء العالم. وكان جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية قد طلب من ديان فاينشتاين رئيسة لجنة الاستخبارات أن تعيد النظر من جديد فى قرارها بشأن نشر ملخص التقرير.
لم تقتصر الترتيبات الأمنية على السفارات والمنشآت الدبلوماسية، بحسب Cnn فإن الجيش الأمريكى هو الآخر رفع حالة الاستعداد القصوى بين الآلاف من مشاة البحرية فى مختلف أنحاء العالم كخطوة استباقية لنشر تقرير الكونجرس مما يعنى أن وحدات الجيش ستكون متاحة وقادرة على الانتشار من أجل مواجهة أى أزمة مثل تعرض سفارة أمريكية فى أى مكان للتهديد خلال ساعات.
وجه البنتاجون أوامره لرفع حالة الاستعداد القصوى إلى ألفين من المارينز المتمركزين فى سيجونيلا بايطاليا ومورون بإسبانيا، وعلى القوات المخصصة القيام بأى تدخل سريع فى إفريقيا. يخضع لنفس الأوامر ألفين من المارينز متمركزين فى الشرق الأوسط، والبعض منهم يعمل بالفعل فى الكويت والعراق. هذا إلى جانب 200,2 من المارينز متمركزين فى عدد من السفن الحربية فى بحر العرب وخليج عدن. كما هناك ثلاث فرق من المارينز، يضم كل فريق ما يقرب من 50 جندياً، متمركزة فى إسبانيا، البحرين، واليابان والمدربة على تقديم الدعم للسفارات الأمريكية التى تتعرض لأى هجوم.
صرح المسئولون الذين يعرفون بتفاصيل محتوى هذا التقرير أنه يكشف الأساليب القاسية التى اتبعتها المخابرات المركزية الأمريكية فى التحقيقات مع المشتبه فيهم والتى تضمنت على سبيل المثال الايهام بالاغراق أو محاكاة الاغراق إلى جانب اساليب تعذيب أخرى، وعلى الرغم من تلك الطرق القاسية المستخدمة فى التحقيق مع المشتبه فيهم إلا أن تلك التحقيقات لم تسفر عن تقديم أى معلومات مفيدة فى الحرب على الارهاب بالسنوات التى تلت أحداث 11 سبتمبر. كما صرح نفس المسئولون أن تقرير مجلس الشيوخ يشير أيضا إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية قد بالغت فى تصوير نتائج هذا البرنامج حيث ادعت السى آى إيه أن مثل تلك الأساليب ساعدت فى إحباط مؤامرات إرهابية.
وفى تقرير نشرته وكالة الأنباء رويترز أمس تحت عنوان «تهديدات جنسية وأساليب أخرى يتعرض لها تقرير الكونجرس بالتفصيل»، أشارت رويترز إلى أن التقرير يتضمن تفاصيل مروعة عن تهديدات جنسية وأساليب أخرى قاسية اتبعتها المخابرات المركزية الأمريكية فى استجواب المشتبه فيهم فى القيام بأعمال إرهابية.
ورغم اعتراف أوباما بالأخطاء التى وقعت فإنه بررها قائلا إن المخابرات كانت واقعة تحت ضغط ما جرى بعد هجمات سبتمبر.. لكن.. ليزا تشينى ابنة ديك تشينى وصفت ما قاله أوباما بالعار فقد اعتبرت رجال المخابرات المركزية الذين واجهوا الإرهاب أبطالا.
لكن كثيراً من المواقع الإخبارية المهمة أكدت أن التقرير يثبت أن ما فعلته المخابرات الأمريكية لم يكن مفيدا ولم يصل إلى نتيجة سوى تشويه سمعة الولايات المتحدة.. وكل الأساليب التى اتبعتها لم تكن مفيدة.
ومن المتوقع أن يتصدى مجتمع الاستخبارات فى الولايات المتحدة لهذا التقرير بمجرد صدوره.. جون برينان مدير المخابرات المركزية فى الوقت الحالى والذى كان يعد من كبار ضباط المخابرات أثناء انطلاق هذا البرنامج قد حرص على تصوير نفسه باعتباره كان معارضاً لتطبيق برنامج الترحيل السرى والتعذيب، وفى حوار له مع جريدة وول ستريت أكد أنه مستعد لتحمل قدر من المسئولية ولكنه فى نفس الوقت يصف عناصر أخرى فى التقرير بأنها غير دقيقة ومضللة.
من جانبه حرص جورج تنت مدير المخابرات المركزية الأسبق، فى وقت إطلاق برنامج الترحيل السرى فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر، على دعوة كبار مسئولى المخابرات المركزية بما فى ذلك ستة من المديرين السابقين للمخابرات المركزية، لمهاجمة التقرير بمجرد صدوره. ومن المتوقع أن يوجه التقرير انتقادات صريحة لجورج تنت وغيره ليس فقط بسبب استخدام أساليب قاسية فى التحقيقات ولكن لقيامهم أيضا بخداع الكونجرس الأمريكى. لسنوات، أكدت المخابرات المركزية أن التحقيقات القاسية قد أسفرت عن الوصول لمعلومات قيمة بشأن تنظيم القاعدة فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر، ولكن تقرير مجلس الشيوخ يؤكد أن العكس هو الصحيح، ويشير التقرير إلى أن أساليب التعذيب التى استخدمتها المخابرات المركزية الأمريكية أدت فى النهاية للحصول على معلومات كاذبة ومضللة كتلك التى أشارت لامتلاك العراق أسلحة دمار شامل وكانت سبباً فى الغزو الأمريكى للعراق فى 2003.