"في مكتب صغير لا يتعدى مترين، أثاثه تقليدي، مُتخم بأوراق أوحت إليّ بمدى إنشغالها المستمر, وجوائز تعتز بحصدها طوال حياتها "المهنية، العلمية" كثيرًا وتفخر بكونها واحدة من الشخصيات التي كان لها دورًا فاعلًا في المجتمع". استقبلتني الدكتورة نادية زخاري- وزير البحث العلمي الأسبق في ملابس أنيقة تعبر عن شخصيتها المنفتحة (ثقافيًا وعليمًا)، تحدثنا قليلًا عن حال البحث العلمي في مصر قبل أن أبدأ حواري معها، تطرقنا خلال الحوار إلى العديد من المشاكل التي ضربت البحث العلمي.
سألتها عن مصير البحث العلمي في مصر, فأجابت: "مش مهم قوي إني أعمل أبحاث كويسة وأنشرها في مجلات ولكن نحتاج لتطبيقها, ويجب أن يكون هناك تشريع يحمي الباحثين والأبحاث على حد سواء, ولازم يكون في اعفاء ضريبي وتدريب للعمال بتوعيتهم في المراكز البحثية والجامعات ووحدات للبحث في الشركات والمصانع الكبيرة والعكس صحيح".
وعن تقييمها لأداء المهندس "إبراهيم محلب" رئيس الوزراء.. بشكل عام والدكتور شريف حماد- وزير البحث العلمي الحالي بشكل خاص، فعلقت "زخاري" قائلة: "إننا جميعًا نرى النشاط الذي يقوم به الوزراء وبالأخص المهندس إبراهيم محلب، وهناك إيجابيات عديدة ولكنها قد لا تظهر الآن، حيث أن مصر في مرحلة حرجة وتحارب على العديد من الجبهات "سياسية – اقتصادية – ثقافية، وغيرها"، وأرى أن الدكتور شريف حماد – وزير البحث العلمي الحالي على قدر كبير من الكفاءة، وأثق في قدرته على العبور بالبحث العلمي من كبوته التي أصابته بالشلل.
بدا على وجهها الاستياء وهي تقول": "إن البحث العلمي دائمًا ما يُتَّهم بأنه (وزارة الترقيات والأدراج المغلقة)، وبعد أن توليت المسؤولية بالوزارة اجتمعت بالمستفيدين من البحث العلمي للاستماع لمطالبهم، وبعد مخاطبتي بالجهات المعنية؛ لعرض مشاكلهم، تلقيت العديد من الأبحاث التي تساهم في القضاء عليها، وهي ترتبط إرتباطًا وثيقًا بالمجتمع المصري".
وأعربت متهكمة بقولها: "إن الخلل بالبحث العلمي يتمثل في عدم وجود قسم أو هيئة تسويقية، والإيمان بقدرات الباحث المصري، والزعم بأنه غير كفؤ، والإعتقاد بأن الباحث الأجنبي هو القادر على حل مشاكل المجتمع.
وعن كوليس الفترة الأخيرة لها كوزيرة للبحث العلمي، قالت زخاري: "كنا عارفين إن الشعب مش عاوز الحكومة دي والرئيس, وطالبت الدكتور هشام قنديل- رئيس الوزارء آنذاك بأن يستقيل جميع الوزراء، ولكن معظمهم رفض، مشيرة إلى أن السبب وراء استمرارها بالوزارة وجود العديد من قضايا الفساد والتي كان يجب أن أبلغ عنها إلي النيابة الإدارية.
وعن فصل وزارة البحث العلمي عن التعليم العالي، قالت "زخاري" وعلامات الإرهاق ترتسم على وجهها: إن البحث العلمي يحتاج إلى وزير يُعطي كامل تركيزة، مشيرة إلى أن وزارة التعليم العالي لديها الكثير من المهام التي تقوم بها.
وحول استفادة "البحث العلمي" من المجلس الاستشاري التابع لرئيس الجمهورية، قالت الوزيرة السابقة: "لم يتضح لنا دور المجلس الاستشاري حتى الآن، ولكنه يضم عدد كبير من الخبراء على مستوى علمي عالي قد يساعد مصر كثيرًا في المرحلة المقبلة".
وعلقت "زخاري" عن قول الوزير الحالي بأن الوزارة "مظلومة" مقارنة بباقي الوزارات، قائلة: "البحث العلمي في مصر يعاني العديد من المشاكل، ومنها المباني المتواضعة، حيث "وزارة البحث العلمي- التعليم العالي- أكاديمية البحث العلمي- معهد علوم البحار" جميعها في مبنى واحد، وعدد العاملين بالوزارة صغير مقارنة بباقي الوزارات، وغيرها من المشاكل التي باتت مزمنة".
وعن زعم البعض بأنه يتم تخصيص أموال طائلة من ميزانية البحث العلمي كمكافآت وحوافز لقيادات الوزارة، قالت زخاري: "اكتشف عند دخولي الوزارة بحصول موظفين علي مكافأت ضخمة، وعندها قمت بإلغاء تلك المكافأت وتوزيعها علي العاملين بالمراكز البحثية والوزارة الذي يقل مرتبهم عن 1200 جنيه".
طرحْتُ عليها سؤالًا حول رؤيتها لتطوير وزارة البحث العلمي، فهمهمت قليلًا وأومأت برأسها وكأنما هي تبحث عن ذكرى أو حدث ما, وأجابت: "البحث العلمي يحتاج إلى بعض التشريعات والقوانين, فعلى سبيل المثال تطبيق البحث العلمي علي أرض الواقع سيُقلِّل من استيرادنا التكنولوجي والتقني من الخارج، وتصديرنا للمواد الخام واستيرادها مرة أخري في شكل صناعات، وقانون البحث العلمي الذي يعمل على تشجيع القطاعات المنتجة للبحث العلمي وأيضًا قانون حماية المريض المصري وتطوير صناعات الدواء في مصر، بدلًا عن استيراد دوائنا من الخارج".
تنهَّدت ثم تابعت قائلة: "يجب أن يكون هناك ارتباط بين البحث العلمي والجهات المنتجة عن طريق وجود متخصصين في تسويق الأبحاث العلمية، والتفاعل المباشر بين الوزارات المختلفة مع وزير البحث العلمي والعلماء والباحثين".
وفي نهاية الحوار سألتها عن معاناة العديد من شباب المخترعين، قالت: "إن تسجيل براءات الإختراع يحتاج لوقت طويل، حيث تتم على مرحلتين وتستغرق من عام إلى عام ونصف تقريبًا"، مطالبة بإعادة هيكلة مكتب براءات الإختراع، نظرًا لتأخر حصول العديد من المخترعين على براءات اختراعاتهم، وهو ما يدفع الشباب إلى الهروب إلى خارج البلاد.