أهالي يستشهدون بزواج الرسول بالسيدة عائشة .. ويؤكدون أن بنات الأرياف الأكثر تحملا للمسئولية مُطلقة: الزواج المبكر تسبب في تطليقي وتحملي مسئولية طفلتين وأنا في سن 15 سنة
الأزهر : لابد من احترام القوانين التي تحافظ على الأسرة والنشأ
الكنيسة : نتفق مع القانون المدني في سن الزواج
علماء الاجتماع : الزواج العرفي بالأرياف تحايل على القانون ويجب وقفه
علماء الطب النفسي : الزواج المبكر يؤدي لدمار شخصية البنت وكيانها .. ويفشل بنسبة 90%
لم يتصور أحد أنه ما زال هناك في إحدى القرى المصرية زواج للقاصرات اللاتي لم تتخطى أعمارهن خمسة عشر عاماً، ومازال هناك من يتحجج بتزويج ابنته القاصر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج من السيدة عائشة وهي في التاسعة من عمرها، فهذه الحقيقة التي يعيش عليها أهالي قرية "جرزا" مركز العياط بمحافظة الجيزة، الذين يقولون على من تخطت أعمارهن ال 15 عام أن "قطار الزواج قد فاتهم".
عندما توجهت "الفجر" إلى مركز "جرزا"، لكشف حقيقة وواقع هؤلاء الأهالي وأسباب تزويجهم لبناتهم في هذا السن المبكرة، فوجئنا بالعديد من العادات التي مازالت تُمارس دون وعي لمخاطرها أو المشاكل الناتجة عنها، حيث وجدنا مطلقات لم تتجاوز أعمارهم العشرون عاماً، وأمهات غير قادرات على تحمل عبء ومسئولية أسرة، واكتشفنا أيضاً وجود زواج عُرفي لقاصرات على أنغام المزمار، وفي سرد تفاصيل رحلتنا اتضح لنا الكثير من المعاناة التي تسببها العادات والتقاليد .
ومع بداية الرحلة التي بدأت في الرابعة عصراً وجدنا أنغام الطبل البلدي تزف "م . ج" التي لم يتجاوز عمرها الثالثة عشر، التى لم تبلغ السن القانوني للزواج، وعند سؤالها عن كيفية كتابة عقد الزواج بغير اكتمال السن القانوني أشارت لنا أنه تم كتابة عقد زواج عرفي إلى أن يتم وصولها للسن القانوني وتحويل العقد العرفي إلى رسمي، مؤكدة أن كل فتيات "جرزا" والبلاد المجاورة يقوم أهاليهم بذلك الأمر حتى لا تُعنس بناتهم .
وأضافت لنا "و . ل"، في الخامسة عشر من عمرها أنها مطلقة ولديها بنتين، مؤكدة أن تلك العادة قد تسببت في طلاقها ومسئوليتها عن طفلتين لا ذنب لهما، حيث أن البنات القاصرات تفرح بالفرح والزواج ولا تعلم أنها ستتحمل مسئولية كبيرة يجب أن تؤهل لها قبل أن تخطوها حتى لا تقع بالخطأ بعد فوات الأوان .
فيما أوضحت لنا والدة "م . ج"، أن زواج البنات سُترة لهم، ويجب على الأهالي أن يسارعوا بسترة بناتهم، وعند سؤالها عن مدى حرمانية زواج ابنتها عرفياً لعدم إكتمالها السن القانوني للزواج، أشارت إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من السيدة عائشة وكانت صغيرة السن، أما في جوابها عن عدم تحمل ابنتها الصغيرة مسئولية أسرة وقدرتها على تحمل معاناة الوضع، أكدت أن الحياة نصيب والموت نصيب قائلة : "اللي نصيبنا فيه هنشوفه سواء تزوجت بدري أو متأخر " .
وأوضح "رضا محمد"، الذي يبلغ سبعة عشر عام، أن شباب جرزا يرجحون التقدم للزواج من بنات لم تتعدى أعمارهم خمسة عشر عام لأنهم في هذا السن يكون من السهل تطبيعهم على الطبع الذي يريده أزواجهم، مؤكداً أن بنات الأرياف يستطيعون تحمل المسئولية بدرجة كبيرة جداً عن بنات العاصمة ولا خوف عليهم .
وكشف والد "م . ج"، أن ابنته يتقدم لخطبتها الكثير من الشباب منذ التاسعة من عمرها، موضحاً أن بنات الأرياف أكثر تحملاً للمسئولية عن بنات القاهرة منذ صغرهم، مؤكداً أن عقد الزواج العرفي الذي يكتب ليس حراماً، حيث أن الإشهار هو أول بند في الزواج الصحيح وهو متوفر، متسائلاً : "صحة الزواج موجودة، وقدرة البنت على تحمل المسئولية موجودة فما المانع من تأخير الزواج إذن ؟" .
ومن الناحية الدينية أوضح الشيخ "عبد الحميد الأطرش"، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً، أن الزواج إيجاب وقبول ممن تتوفر فيه الشروط، مؤكداً أن الزواج الصحيح هو الذي يتوفر فيه (الصداق والإشهار ووكيلان وشاهدي عدل)، مشيراً إلى أن ما سنته الدولة من قوانين من شأنها الحفاظ على الأسرة والنشأ، مشدداً على ضرورة احترام قوانين الدولة لما يترتب عليها الكثير من المشاكل التي قد تصل إلى المحرمات .
وأضاف الأنبا "يوحنا قلته" نائب بطريرك الكنيسة الكاثوليكية، أن المسيحية تعد الزواج سر من أسرارها السبع وتعده عمل بشري إلهي، لذلك جعلت الزواج من واحدة فقط ولا يجوز الطلاق، مشيراً إلى أن الكنيسة تتفق مع القانون المدني على سن الزواج فيكون للبنت 16 عام وللولد 21 عاما . وأشار إلى أن ما يقوم به البعض في الأرياف بعقد زواج عرفي للقاصرات إلى أن يتم بلوغ السن القانوني للزواج لا يليق ويعد زواجاً باطلاً، مؤكداً: "لا زواج بدون شاهد ديني"، لافتاً إلى أن البعض يقومون بالتحايل على ذلك عن طريق تسنين الفتيات وهذا باطل .
ومن جانبه، وصف الدكتور "علي ليلة"، أستاذ الاجتماع ، أن ما يحدث من البعض بعقد زواج عرفي للقاصرات بدلاً من الرسمي لعدم تجاوزها السن القانوني للزواج تحايلاً على القانون، موضحاً أن هذه العادة تعتبر نوع من العادات الريفية المستخدمة للتوفيق بين القانون والعُرف، وأن هذا التوفيق يوقع الضرر البيولوجي والاجتماعي على القاصرات، حيث أن البنت لم تنضج بعد للقيام بذلك الدور الاجتماعي الذي يضعونها فيه، مطالباً بضرورة احترام القوانين التي سنتها الدولة للزواج ومعاقبة كل من لا يحترمها .
وأكد الدكتور "يسري عبد المحسن"، أستاذ الطب النفسي، أن الآثار النفسية التي تقع على البنت من زواجها المبكر يؤدي لدمار شخصيتها وكيانها، حيث أنها تكون غير مؤهلة لهذه المرحلة .
وأضاف أن هذه الزيجات تفشل بنسبة 90%، وتجعل البنت تميل إلى العدوانية، حيث أن نسبة نجاح الزواج تجعل تلك الميول تظهر في تعامل الأم مع أولادها وستؤثر على مستقبلهم بالسلب .