حكمت محكمة الأسرة على زوجة بالطلاق للضرر من زوجها بسبب اهانته لزوجتة امام الجيران و الأقارب، فإذا كان هذا هو حكم القانون فما هو موقف الشرع؟ وهل يجيز للزوجة بالفعل الطلاق إذا كان زوجها شتّاماً؟ يؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن الإمام النووي عرّف «السب» في اللغة بأنه الشتم والتكلّم في عِرض الإنسان بما يعيبه، ولهذا فإن سب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق، ولابد أن يدرك الأزواج الذين يطلقون ألسنتهم سباً وشتماً لزوجاتهم أنهم يكونون بذلك فساقاً خارجين عن طاعة الله ورسوله ويلقون بأنفسهم موارد التهلكة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم كالمشرف على التهلكة». وعن الحكم الشرعي في حالة تبادل السباب أو الشتم الزوجي قال عثمان: «البادئ بالسباب هو الذي يتحمل الإثم وحده، سواء كان الزوج أو الزوجة، ومن الأفضل أن يعفو المسبوب، أما إذا رد المظلوم بنفس قدر الظلم الواقع عليه ولم يتجاوز ذلك فهو ليس بآثم شرعاً لأنه يرد ما عليه من ظلم، مع التذكير بأن الأفضلية لمن يصبر ويعفو حتى لا تزداد المشكلات الزوجية اشتعالاً، وتؤكد هذه المعاني العديد من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: «وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ» .
الكرامة
تؤيد الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية جامعة الأزهر، الحكم القضائي قائلةً: «هذا الحكم يرسي قاعدة المساواة في الكرامة الإنسانية، والتي أكدها الله في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» آية 70 سورة الإسراء، من يتأمل الآية يجد أن التكريم جاء عاماً وشاملاً، ولم يفرق الله بين الذكر والأنثى في التكريم في كل مراحل حياتهما، سواء قبل الزواج أو أثناء الزواج.
وأنهت الدكتورة آمنة كلامها بالتأكيد على أن توجيه الأزواج الشتائم لزوجاتهم، بسبب أو بدون سبب، يعد آفة انتشرت بين معظم فئات المجتمع على اختلاف مراحلهم العمرية وطبقاتهم الثقافية، وقد أدى التساهل الأسري القانوني تجاهها إلى تزايدها، مما أدى إلى تدمير مشاعر الحب وبالتالي في حال ازدياد الأمر عن حده يحق للزوجة طلب الطلاق لإستحالة الحياة مع زوج شتّام.
ضبط اللسان
قالت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة، إنها تؤيد الحكم القضائي وتتمنى أن يؤدي إلى محاربة ظاهرة عدم الاحترام بين الزوجين، فضلاً عن أنها تؤدي إلى كراهية الزوجة لزوجها، نظراً لأن هذه الظاهرة عادةً ما تكون من الزوج لزوجته، في ظل مجتمعاتنا الذكورية التي تميز الرجل وتجعل كرامته فوق كرامتها، وهذا فعل يغضب الله عز وجل، ومن يقُم بذلك يدخل في عداد العصاة الفاسقين.
وأشارت الدكتورة سعاد صالح، إلى أن السب واللعن والفحش وبذاءة اللسان من كبائر الذنوب والآثام ولهذا فمن الواجب على كل زوج عاقل أن يضبط لسانه دائماً ولا يعتاد على السب واللعن، خاصةً مع زوجته، لأنه لا يأمن إذا سب أحداً من الناس، حتى لو كانت زوجته، أن يقابله بمثل قوله أو يزيد عليه فيثور غضبه ويطغى، ويقوده إلى ما لا تُحمد عقباه ومعظم النار في الحياة الزوجية من مستصغر الشرر.
العلاج الشرعي
عن العلاج الشرعي للزوجة التي ابتلاها الله بزوج شتّام سبَّاب، تقول الدكتورة مريم الدغستاني، رئيس قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، الأفضل أن تنصح الزوجة زوجها برفق ولين، وبيان خطأ ما يقوم به، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه». وأنهت الدغستاني كلامها قائلة: «يجب شرعاً على القاضي إنصافها ومحاولة ردع الزوج بالترغيب والترهيب، فإن لم يرتدع وجب عليه الحكم لصالحها بالطلاق للضرر من الزوج الشتّام، لقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» آية 58 سورة النساء.
اللجوء إلى الحكمة
أما الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد، فترفض سرعة اللجوء إلى القضاء للانتقام من الزوج الشتّام أو ردعه، وذلك للحفاظ على الأسرة من الانهيار، مما يزيد عدد المطلقات وتشرد الأولاد في ظل افتقاد الحكمة في معالجة الأمور الأسرية، والأفضل اللجوء إلى الحكمة في معالجة الأوضاع مع الزوج الشتّام ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً». وتحذر الدكتورة عبلة، من تعدي المسبوب، إذ يجب ألا يتجاوز الرد على الزوج الشتّام الحد وإلا وقع الإثم عليهما معاً، حيث قال أحد الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: «الرجل يشتمني وهو دوني، أعليّ من بأس أن أنتصر منه؟، قال: «المستبَّان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان»، أي من يتبادلان السباب، أياً كانا، عادةً ما يكونان فريسة للشيطان الذي وصف الله وظيفته بيننا بقوله: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» آية 53 سورة الإسراء.
معارضة
يعارض الدكتور محمد البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية، الحكم القضائي بحق الزوجة في الطلاق من زوجها الشتّام. ويقول: «رغم عدم إقرارنا بما يقوم به هذا الزوج، لكن يجب تعقيله بالحكمة، وليس بالقضاء، رغم مخالفة ما يقوم به لأحكام الشرع، ولهذا قال عبد الله بن مسعود: «إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه، تقولون: اللهم اخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد كنا لا نقول في أحد شيئاً، حتى نعلم على ما يموت، فإن ختم له بخير، علمنا أنه قد أصاب خيراً، وإن ختم له بشر، خففنا عليه عمله». وأنهى كلامه بالتأكيد أن الصفح والمغفرة بين الزوجين أفضل من التقاضي الذي لن يأتي بخير في غالبية الأحوال، بل إنه قد يكون بمثابة وضع الزيت على النار، ولهذا فإن هذا الحكم القضائي الذي وصفته المنظمات النسائية بأنه تاريخي ومنصف، هو في الحقيقة حكم «ظاهره الرحمة وباطنه العذاب».
على سطح صفيح ساخن
أما الدكتورة إيمان شاهين، مديرة مركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس، فتحذر من النتائج النفسية السلبية على الزوجة التي تتعرض باستمرار لشتائم من زوجها مؤكدة أن هذا يؤدي إلى الكراهية بين الزوجين، لأنه من الناحية النفسية نجد المشتوم يكره الشاتم لأنه نال منه ظلماً وعدواناً، أما الشاتم فيكره المشتوم لأنه يظن أنه أقل منه، وقد يصل الأمر إلى أن يقوم الشاتم بتحقير المشتوم والتصغير من شأنه، ظناً منه أنه أحسن وأفضل.
وقد يريد الشاتم جر المشتوم للاشتباك معه، فيضطر المشتوم للرد عليه والبحث عن مكائد ومخططات لمواجهة طغيانه، مما يجعل الحياة الأسرية على سطح صفيح ساخن. وطالبت الدكتورة إيمان شاهين، الأسر بضرورة الاحترام المتبادل بين الأزواج والزوجات، وتجنب معالجة أي خلاف بالسباب والشتائم، وخاصةً أمام الأولاد والأقارب والجيران، لأنه كما يقال «البيوت أسرار» وإهانة أي من الزوجين للآخر هو بمثابة إهانة لنفسه أيضاً، لأنه من المفترض أنهما كيان واحد وكل منهما أمين على أسرار الآخر وكاتم لها، ومخطئ من يتصور أنه رابح أو فائز إذا أهان أو وبّخ الآخر.