"الأجرة 3 جنيه يا جماعة واللي مش عاجبه ينزل"، "انزلي يا ست متعطليناش"، "الكنبة ورا 4 راكب مش عاجبك انزل وخد تاكسي"، "هي العربية دي أنت جايبها من البيت"، كل هذه المفردات يسمعها المواطن المصري بشكل يومي من سائقي الميكروباص.
وكان لابد أن نقترب من هذا العالم السري لسائقي الميكروباص لكشف من هو الضحية والجاني في العلاقة بين المواطن وسائق الميكروباص، وهل هذا الملف منسي أم أنه مؤجل حتى تنتهي حرب الدولة على الإرهاب فتتفرغ للأزمات اليومية للمواطن العادي.
يتفرع عالم الميكروباص على مستوى كافة محافظات مصر، إلا أن هناك علامات بارزة في هذا العالم، رصدت "الفجر" مشاهد حية منها وهي مواقف كل من " رمسيس، التحرير، السبتية، عبود، وأحمد حلمي".
موقف رمسيس مقر للبلطجية لأول وهلة، تجد ميدان رمسيس قد تحول إلى موقف محافظات عشوائي كبير يتحكم فيه أباطرة السرفيس يجمعون أموالاً من السائقين في شكل كارتة أو بمعنى أصح "إتاوة" ومن يرفض الدفع يمنع من التحميل ويعرض نفسه للضرب وتحطيم سيارته.
فقبل أن تدخل الميدان يجب أن تأخذ إذن "الكبير"، وهو الشخص الأقوى ذو النفوذ الأكبر، والذي له علاقات سرية مع الرؤوس الكبيرة "على حد قول السائقين بالموقف"، كما أنك يجب أن تدفع الإتاوة الشهرية وإذا لم تدفعها تتعرض للمضايقات من أتباع "الكبير" حتى لا تدخل الموقف مرة أخرى.
حبايب "الباشا" يتحكمون في المواطنين "بالتحرير" ميدان "التحرير" هو ثاني أكبر ميادين العاصمة، وعلى الرغم من رقابة رجال مباحث النقل ورجال السرفيس، إلا أن الأمر لم يخلو من الشوائب أيضاً، فداخل الميدان هناك رجال الباشا وهم السائقين المفضلين لدى "الباشا"، إما أمين الشرطة بالميدان أو أفراد السرفيس.
وهؤلاء من أحباب "الباشا" فهم يمتلكون الحق في أن يقولوا جملة "الأجرة 3 جنيه ياجماعة واللي مش عاجبه ينزل"، أي أنه يضاعف الأجر مرتين، ورغم المناوشات بين الركاب والسائق إلا أن الراكب المغلوب على أمره والمنهك من عمله يرضي بالسعر ويركب السيارة.
هذا إضافة إلى تقطيع الطريق على أكثر من ثلاثة أو أربعة مرات، فإذا بالراكب الذي لديه خط سير يجب أن يلتزم به يخالف ويشحن الميكروباص على محطات نصف الطريق وبنفس أجرة الطريق الكامل، والركاب أيضاً يقبلون ذلك في سبيل الذهاب إلى منازلهم في سلام.
السيطرة لسائقي المحافظات "بالسبتية" وعلى بعد خطوات قليلة، يقع موقف السبتية للنقل الداخلي، ورغم أنه موقف رسمي وليس عشوائي ولكنه يدار بشكل عشوائي، ومخالف للقانون، حيث تجد فيه أغلب السيارات أجرة محافظات في الوقت الذي خصص هذا كموقف للنقل الداخلي فقط، ولكن تجد أن أغلب السيارات أجرة محافظاتالفيوم وبني سويف وغيرهما، وتجد السرفيس الداخلي خارج الموقف وهو أمر مخالف للقانون.
الباعة الجائلون يستأجرون أرصفة "عبود" بجولة قصيرة داخل موقف عبود، تكتشف أن بلطجية السرفيس هم من يتحكمون فيه في ظل غياب الأمن والإشغالات وانتشار البائعة الجائلين في كل مكان تحت سمع وبصر إدارة الموقف، بل وأكثر من ذلك يتم تأجير الرصيف للباعة الجائلين بشكل عشوائي واستغلال الركاب بمضاعفة الأجرة من قبل السائقين واستغلال عاملي الكارتة للسائقين بمضاعفة ثمنها وفشل الإدارة في السيطرة على الموقف، وبذلك تحول موقف عبود إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف.
"أحمد حلمي": الكارتة "عافية" وموقف للملاكي يوجد داخل الموقف الذي يمتد على مساحة فدانين والذي ينقل تقريبا نصف مليون مواطن يوميا ويحتوي تقريبا علي 700 سيارة سرفيس في 19 خط داخلي، ومن خلال جولتنا في الموقف شاهدنا العديد من المفاجآت قمنا بتصويرها لتوثق التحقيق، فهناك من يجمع الكارتة من السائقين بدون وجه حق ولم يستطيع أحد من السائقين الاعتراض، وفي الوقت الذي يقوم بعض السائقين بالتشاجر مع الركاب بسبب رفع الأجرة أيضا بدون وجه حق، وكأن الموقف يحكمه قانون الغابة "القوي يأكل الضعيف".
بالأسماء أباطرة عالم الميكروباص السري بالحديث مع السائقين أنفسهم يمكن بسهولة معرفة أسماء الذين يتحكمون في العالم السري للميكروباص"، وهم ستة من كبار رجال "السرفيس" يديرون تحت أيديهم مجموعة من البلطجية لتحصيل الكارتة، ويتحكمون في هذا العالم السري منذ أكثر من ثلاثين عام. 1- حمادة بناليي يدير حمادة بناليي موقف السبتية، والذي ورث عن أبيه علي بناليي إدارة هذا الموقف، وقد حكي السائقين عن أنه توفي يوم تولي الدكتور محمد مرسي الحكم بعد أن أنفق على الدعاية للفريق شفيق بأكثر من خمسة مليون جنيه.
وتوضع صورة كبيرة له مدخل الموقف مكتوب عليها "الريس حمادة بانليي"، وأكد عبد العليم، أن الحصيلة اليومية لحمادة بناليي 80 ألف جنيه في اليوم الواحد من جمع الكارتة بدون وجه حق.
2- أبو الروس يسيطر أبو الروس على مواقف الفيوم ودهشور وغيرهما، ويحصل من السيارة الواحدة في الدور 40 جنيه ويحصل يوميا حوالي 70 ألف جنيه، ويستأجر أبو الروس إدارة هذا الموقف من "بناليي "ب50 ألف جنيه يوميا.
3- مصر كار يسيطر "مصر كار" على موقف السويس وإسماعيلية وإسكندرية، حيث يحصل من السيارة على 120جنيه كارتة في دور في إسكندرية و40 جنيه السويس، كما يقف في هذا الموقف حوالي 150 سيارة أمام هيئة السكة الحديد يحصل حوالي 40 ألف جنيه يوميا.
4- أحمد جابر يسيطر أحمد جابر على موقف الإسكندرية الذي يقع أمام قسم الأزبكية، ويحصل من السائق على 160 جنيه كارتة في الدور.
5- عادل شبانه وسيد خليل يسيطر كل من عادل شبانه وسيد خليل على موقف المنصورةوطنطا والمحلة، ويقع هذا الموقف فوق كوبري الليمون، ويحصلا يوميا ما يقرب من 35 ألف جنيه يوميا.
6- أولاد علي يسيطر أولاد علي علي والسادس خط المواقف النقل الداخلية ويقع أمام مسجد الفتح، ويحصلوا تقريبا على 25 ألف جنبه يوميا، وبذلك تكون حصيلة الإتاوات لأباطرة السرفيس هي 250 ألف يومياً.
شكاوي وقصص المواطنين مع عالم الميكروباص ليس عليك إلى ان تسأل أحد المواطنين عما يعانيه من أزمات ومشاكل ركوب الميكروباص حتى تجد العشرات يتجمعون حولك ليروا أزماتهم مع سائقي الميكروباص.
في البداية قال أسعد محمد أحد ركاب خط المنصورة إن أجرة السيارة هي 12 جنيهات بعد الزيادة الأخيرة الغير مبررة، ورغم ذلك لا يكتفي السائقين بهذه الزيادة، ويجبرون الناس علي دفع 18جنيها للفرد الواحد ثم وصلت إلى 20 جنيه، بالإضافة إلي زيادة الحمولة ومن يعترض من الركاب علي ذلك يمنع السائق دخوله السيارة ويعرض نفسه للإهانة.
وقالت الحاجة صفية مسعد، 60عام، وهي تركب سيارات أجرة طنطا، إن التسعيرة هنا 7 جنيه والسائقين يحصلون 15 جنيه من الفرد وزادت لتصل 18 جنيه، ولا يراعوا الحالة المادية والصحية ومن يمتنع عن الدفع ينزله السائق وسط الطريق.
ويروي محمود عبد الرحمن، قصته خلال فترة توقف حركة القطارات، ويقول: "على الرغم من التكدس داخل قطارات المحافظات إلا أنها كانت توفر وقت ومال، حيث كانت القطارات هي الملاذ الوحيد لأبناء الريف والأقاليم من أصحاب الرواتب الضعيفة".
وأضاف انه بعد توقف هذه القطارات واجه أبناء الأقاليم أزمات من كافة الأشكال، حيث كانوا يعتادون على مواعيد محددة للقطارات، ليفاجئوا بمواعيد مختلفة وعناء في الركوب واللحاق بميكروباص الذي يمثل اللحاق به في ظل الزحام استحالة وليس صعوبة.
هذا إلى جانب جشع السائقين الذين يستغلون الزحام فيقومون بمضاعفة الأجرة فنجد نحن كمستقلي القطار الضرر من كافة الجوانب، حتى الخصومات في العمل لا ترحنا نظراً لوصولنا متأخرين عن مواعيد العمل الرسمية.
تجربة واقعية لكشف مستور العالم السري وفي محاولة للتأكد من كلام الركاب دخلنا في رحلة بسيارة أجرة من المنصورة، والتي بدأت داخل الموقف، حيث قال السائق أن الأجرة 20 جنيه، وبعد اعتراض الركاب قال "إللي مش عاجبه ينزل".
السائقون يدافعون عن أنفسهم دافع السائقين عن أنفسهم، فقال محمود فرحات من أقدم السائقين في موقف عبود: "أنا لم أدفع أي زيادة علي ثمن الكارتة، لذلك حدث بيني وبين العاملين والإدارة هنا أكثر من مشكلة، وقد منعت من دخول الموقف أكثر من سنة"، مشيراً إلى أن دور الشرطة داخل الحي معدوم، حيث أن السيطرة هنا بالموقف من قبل البلطجية فقط.
من جانبه، رد صابر عبد الشافي - موظف في موقف عبود يحصل الكارتة - بأن كل هذا الكلام افتراء علي العاملين، حيث أن ثمن الكارتة 8 جنيه والسائق يدفع 2 جنيه فقط شاي للموظف، وإذا رفض أن يدفع لي الإكرامية لا توقع عليه أي عقوبة، وعندما سألناه عن راتبه، قال: "أعمل هنا من 26 سنة وراتبي 1600جنيه تقريبا".
كما قال السائق عمر عبد العظيم، خط رمسيس مدينة نصر، إن السائق معذور فهو دائما مطارد ومطلوب منه الأموال فهو يدفع المخالفات التي تتكدس عليه، كما يدفع الكارتة والسرفيس إلى جانب جنون السولار، فمرة يختفي وأخرى يظهر، كما أن السائق يدفع الإتاوات للبلطجية الذين يفرضونها عنوة عليهم وهكذا، فكل هذا يدفع السائق لتعويض ما يخسره من أموال بشكل مباشرة من الأجرة.
عمال "النقل العام" فريسة سائقي الميكروباص
"أتوبيس الحكومة" أو سيارات هيئة النقل العام هي الملاذ والملجأ الرئيسي للمواطنين للهروب من جشع وبلطجة سائقو الميكروباص، إلا أن موظفي الهيئة أنفسهم يقعون دائما فريسة تحت أسنان سائقو الميكروباص، فيتعرضون للضرب تارة وأخرى السباب أو التهديد بالإيذاء على الطريق بإضرار سيارات الهيئة العهدة على السائقين.
وتحدث محمد مغاوري، الأمين العام المساعد للنقابة العامة للعاملين بهيئة النقل العام، عن حقيقة وضع الهيئة وموظفيها اليومي في مواجهة سائقي الميكروباص فيقول: "نحن نتعرض بشكل يومي "لشغل بلطجة" من سائقين الميكروباص بالإيذاء والضرب وغيرها من وسائل إرهاب، وصلت لدرجة منع موظفي الهيئة من الدخول لموقف المرج الجديدة نهائياً".
وقال مغاوري إن سائقي الميكروباص مغلوبين على أمرهم في ظل الغياب الأمني، حيث دور مباحث الهيئة أصبح شرفي، كما أن الشرطة والأمن مشغولون في مواجهة الإرهاب واستعادة الأمن في للشارع المصري والسيطرة على الشارع من قبضة من العناصر المتطرفة التي تعمل على إرهاب المواطنين، وليس من المنطقي الالتفات إلى الملفات الأقل أهمية في ظل تواجد ملفات هامة جداً كمواجهة الإرهاب، وذلك على أمل أن تنتهي الدولة من مواجهة الإرهاب وتتفرغ للملفات الداخلية اليومية الأخرى.