بعد أن صالت وجالت لأكثر من ثلاثة أعوام، عادت الولاياتالمتحدة لتتجرع من نفس الكأس الذي طالما سقته للحكومات العربية، من حملات تشويه مغرضة، ليس دفاعا عن المدنيين كما تزعم دائما وإنما لتفكيك المنطقة العربية وجعلها منطقة اضرابات تؤدي في النهاية إلى إحكام القبضة الأمريكية على المنطقة وغرس بوادر الانشقاقات فيها، من خلال دعم جماعات الإسلام السياسي، كجمعية الوفاق في البحرين والإخوان المسلمين في مصر، وداعش في سوريا قبل أن تنتقل للعراق. هكذا بدأت الاحتجاجات في ولاية ميسوري الأمريكية لتكشف زيف الدعاوى الأمريكية من جانب، ولتفضح خطط المعارضة في مملكة البحرين من جانب آخر، فما ظلت تنادي به الإدارة الأمريكية، والتي يقف ورائها جمعيات ومنظمات تدعي الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، طوال أعوام وما كانت تحاول تلفيقه للحكومة البحرينية، فجأة ارتد عليها مع اندلاع شرارة الاحتجاجات في ولاية ميسوري الأمريكية، حيث تعاملت قوات الشرطة بمنتهى العنف مع مطالب محتجين لم ينادوا بإسقاط الدولة كما حدث في البحرين، بل خرجوا محتجين على مقتل شاب أسود اللون من أصول أفريقية، فجلبت لهم الحكومة الأمريكية كل أدوات الردع من القنابل المسيلة للدموع والأسلحة الثقيلة والكلاب المدربة، وصولا إلى فرض منطقة حظر جوي على الولاية لكتم أصوات المحتجين عن العالم الخارجي، في الوقت الذي لم تشهد فيها الأزمة ذيوعا وانتشارا في وسائل الإعلام العالمية التي تنقصها التغطية الفعلية لنقل الأحداث كما هي بدون الرتوش الأمريكية. ورغم أن المقارنة بين الاحتجاجات الأمريكية والأخرى البحرينية، مقارنة ظالمة بعض الشيء، بسبب اختلاف دوافع الحركة الاحتجاجية في كلا البلدين، ففي الحالة الأمريكية لم يخرج المحتجون لإسقاط الدولة وتهديدها كما حدث في البحرين، وأيضا الحركة الاحتجاجية في ميسوري ليست مدفوعة من دول أخرى كما حدث من إيران التي سخرت إعلامها الكامل لإظهار قمعية ووحشية غير حقيقية من قبل قوات الأمن البحرينية تجاه المحتجين غير السلميين، إلا أننا يمكن أن نرصد طريقة تعامل الحكومة الأمريكية مع الأزمة لنكشف من خلالها المغالطات التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية ومن ورائها منظمات حقوق الانسان، التي غابت تماما عن الاحتجاجات الأمريكية، في تغطية الاحتجاجات البحرينية خلال عام 2011. رصدت مجلة “ليكسبريس” الفرنسية مجموعة من الأخطاء ارتكبتها الشرطة الأمريكية خلال مواجهتها لاحتجاجات مدينة فيرجسون بولاية ميسوري على خلفية قيام شرطي بقتل شاب أسود الأسبوع الماضي، حيث تمثل الخطأ الأول في اعتبار مدينة فيرجسون “منطقة حرب”، حيث قامت الشرطة بنشر واستخدام مدرعات وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، رغم أن الغالبية العظمى من هذه الاحتجاجات كانت سلمية؟ على عكس الوضع في البحرين حيث طوقت العصابات المخربة البنوك والمؤسسات الحكومية، في محاولة منها لإسقاط الدولة وليس التعبير عن مطالب بعينها. وأشارت المجلة الفرنسية أيضا إلى أن الخطأ الثاني كان عرقلة "حرية الصحافة"، حيث تقول “ريان جريم” مدير مكتب واشنطن بصحيفة “هفنجتون بوست” إن “عسكرة الشرطة تؤثر تأثيرًا خطيرًا على حرية الصحافة”، وهو الأمر الذي لم يحدث في البحرين حيث ظلت الصحف المعارضة تصدر وتنقل الوقائع المشوهة دون تدخل من النظام الحكام في البحرين، الذي يؤمن بحرية الصحافة. بينما في الولاياتالمتحدة، واجه العديد من الصحفيين الذين يحاولون تغطية الأحداث في فيرجسون عقبات من الشرطة المحلية، فعلى سبيل المثال، تعرض مراسلون إلى كمية كبيرة من الغاز المسيل للدموع الذي استخدمته الشرطة لتفريق المتظاهرين وقد اضطر هذا الفريق التابع لقناة الجزيرة الإخبارية إلى الفرار على الرغم من ذهابه لتغطية الأحداث بفيرجسون، بحسب الصحيفة الفرنسية. كما أن فرض “حظر جوي” في سماء فيرجسون، رسميًا لأسباب أمنية، أدى إلى صعوبة التقاط الصور الجوية للمدينة منذ مطلع الأسبوع الماضي، كما أصبحت ظروف عمل الصحفيين على الأرض معقدة كما منعت قوات الأمن في وقت سابق من هذا الأسبوع، الصحفيين من دخول المنطقة. ولفتت المجلة إلى أن الخطأ الثالث تمثل في إثارة وزيادة شبهات العنصرية، حيث شكا بعض المواطنين من قيام الشرطة باستخدام الكلاب للسيطرة على حشود المحتجين كما سجلت شبكة “سي إن إن” الإخبارية لأحد رجال الشرطة سبه للمتظاهرين ووصفه لهم بأنهم حيوانات. والسؤال الآن، أين بوق الإعلام الأمريكي الذي رمى الحكومة البحرينية باتهامات التعامل بالعنف مع المحتجين، رغم أنها اتهامات لم يثبت معظمها، وأين منظمات حقوق الانسان التي استغلت الأزمة البحرينية وزورت العديد من تقاريرها لإضفاء الطابع الدموي على الاحتجاجات؟ أليس فيما حدث وما يحدث رسالة للشعوب العربية التي انخدع بعضها في الشعارات الأمريكية؟ على الشعب البحريني أن يأخذ المثل والعبرة من المقارنة بين الحالتين البحرينيةوالأمريكية ليعرف من خلالها حقيقة السياسة العالمية، وهو قد آمن بالفعل أن حكومته الرشيدة بقيادة رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، على درجة عالية من احترام حقوق الانسان، بأفضل ما تفعله أمريكا وبوقها الإعلامي المسموم. إن الشعب البحريني قد وعى المخطط بالفعل، ربما حتى قبل أحداث ميسوري، وتمثل وعيه في التحامه بحكومته الرشيدة، ووقوفه أمام مخطط التخريب في المملكة البحرينية بتلاحم الشعب والحكومة، ولا عزاء للمخربين!